السعادة بين الوهم والحقيقة
بقلم: سعيد جويد
احتفل المجتمع الدولي يوم السبت الماضي الموافق 20 مارس بيوم السعادة العالمي، وهو يوم اعتمدته الأمم المتحدة في دورتها السادسة والستين، اعترافا دوليا منها بأهمية السعي لبث روح الأمل والعمل على دعم شعوب العالم ماديا ومعنويا والحفاظ على صحتهم النفسية من خلال وضع أطر وخطط وأليات تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر وتوفير الرفاهية لجميع الشعوب، والتفكير في مد يد العون للفقراء والفئات المهمشة واجب إنساني على كل إنسان تجاه أخيه الإنسان أي كان لونه وجنسه ودينه، وبالرغم من أنّ الغالبية العظمى من صنّاع القرار في الأمم المتحدة من غير المسلمين، إلا إنّهم يعملون لحد كبير في هذا الصدد بما حضّ عليه الإسلام من مبادىء سامية تدعو إلى الرحمة والتكافل الاجتماعي عن طريق الصدقة والزكاة وإنكار الذات والعطف على الفقراء، مما ذكرني بمقولة الإمام محمد عبده الشهيرة التي قالها بعد رحلته لمؤتمر باريس عام ١٨٨١ونصها كالتالي: “ذهبت للغرب فوجدت إسلامًا ولم أجد مسلمين، ولما عدت للشرق وجدت مسلمين ولكننى لم أجد إسلامًا.”
ما هي السعادة؟
يرى علماء الصحة النفسية أنّ السعادة هي الشعور باعتدال المزاج، الشعور بالرضا والإشباع، وطمأنينة النفس وتحقيق الذات، والشعور بالبهجة، واللذة والاستمتاع، (سيكولوجية السعادة، مايكل أرجيل).
أقوال الفلاسفة عن السعادة
فردريك كيونغ: لقد نسينا بأنّ السعادة ليست الحصول على ما لا نملك بل هي أن نفهم وندرك قيمة ما نملك.
أوسكار وايلد: البعض يسبب السعادة في كل مكان يذهبون إليه، والبعض في كل مكان يرحلون عنه.
أينشتاين: لو أردت أن تكون سعيدًا، قم بربطها بهدف وليس بشخص أو بشيء.
مكسيم خوركي: السعادة تبدو صغيرة عندما تكون بين يديك، وعندما تخسرها تدرك كم هي كبيرة وقيمة.
رالف إيمرسون: لا شيء يجلب لك السعادة إلا أنت.
جايمس أوبنهم: الأحمق يبحث عن السعادة في الأماكن البعيدة، والحكيم يصنعها تحت أقدامه. إدوارد يونج: السعادة الحقيقية لا ترى بالعين، السعادة الحقيقية دائمًا مخفية.
أرسطو: السعادة هي معنى وهدف وغاية الحياة.
عباس محمود العقاد: أعطني بيتًا سعيدًا، وخذ وطنًا سعيدًا.
سنيكا: لا سعادة تعادل راحة الضمير.
راندل: ازرع البسمة في وجهك، تحصد السعادة في قلوب الناس.
سومرست موم: ننشأ وفي اعتقادنا أنّ السعادة في الأخذ، ثم نكتشف أنّها في العطاء.
هيلين كيلر:الحياة السعيدة لا تكون في غياب المشاق، ولكن في السيطرة عليها. السعادة ليست غياب المشاكل، بل القدرة على التعامل معها.
باولو كويلو: إنّ سر السعادة هو أن ترى روائع الدنيا.
السعادة في القرآن الكريم
عبرت أيات القرآن الكريم عن السعادة بأنّها شعور بانشراح الصدر حيث يقول الله عزّ وجل:{فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}(الأنعام:125).
كما عبر عنها بأنّها طمأنينة في القلب, فيقول الله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(الرعد:28).
وتارة يعبر عنها بالسكينة, فتقول الأية الكريمة: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}(الفتح:4).
طريق السعادة
يرى الكثيرون أنّ السعادة في المال والثراء والرفاهية ورغد العيش ويرى البعض الأخر أنّ السعادة في السلطة والنفوذ، ومن الناس من يظنون أنّ سعادتهم في تحقيق رغباتهم وشهواتهم ومنهم من يشعر بالسعادة في العبادة وذكر الله.
هل السعادة في المال؟
هل تعرفون كرستينا أوناسيس؟ ابنة الملياردير اليوناني أوناسيس، والتي ورثت عن أبيها المليارات من الدولارات، ولكنها عاشت حياة وصفتها بالشقاء، حين سُئلت: (هل أنتِ أغنى امرأة في العالم؟)، فقالت: (نعم، أنا أغنى امرأة في العالم، ولكني أشقى امرأة في العالم أيضًا)
ولو كانت السعادة تتحقق بالمال وحده فما سبب وجود هذا الكم الهائل من مستشفيات الأمراض النفسية في أكثر الدول ثراء ورفاهية؟ كم هائل من النزلاء المصابين بأمراض نفسية خطيرة دفعت الكثيرون منهم وبعضهم من الأثرياء والمشاهير إلى الانتحار.
هل السعادة في إشباع الشهوات؟
بعض الناس يظن أن السعادة هي الانتقال من متعة إلى أخرى، ومن نشوة إلى ثانية، وكلما تقلب الإنسان بين شهواته كلما كان أكثر سعادة بين الناس، ولكن هل هذا غير حقيقي، فهناك فارق كبير بين السعادة واللذة أو المتعة؛ فاللذة تقطف قطفًا وتذهب نشوتها فورًا بعد الانتهاء من قرينتها، و بعدها يسبب الشعور بالندم تعاسة ما بعدها تعاسة، فأخطأ الطريق من ظن أن سعادته في إشباع شهواته.
هل السعادة في الجاه والسلطان؟
هل تعرفون المعتمد بن عباد؟ هذا الذي تربى في قصور الأندلس الإسلامية في ظل الترف والنعمة، وورث الجاه والمجد أبًا عن جد، فحسب أنّ الجاه والصيت سيمنحانه السعادة، فعاش سنين يتمرغ فيهما، ولكن تدور الأيام عليه من بعد هذا العيش الرغيد والسلطان العتيد، ليُطرد من سلطانه، ويُنفى في صحراء الأندلس ليعيش بعد ذلك في منزل متواضع لم يألفه، يخدم نفسه بنفسه، بعد أن كان قصره يعج بمئات الخدم، ظل في هذه الحالة حتى مات وحيدًا شريدًا غريبًا، حتى لما صلى عليه الناس لم يعرفوه، فأخذوا يدعون إلى الصلاة قائلين: (الصلاة على الغريب! الصلاة على الغريب( مما يؤكد أنّ نعيم الدنيا فاني قصير الأجل، ولا شىء يبقى سوى سعادة الأخرة.
السعادة الحقيقية
السعادة الحقيقية لا ينالها سوى من عرف الله سبحانه وتعالى، وسلك طريقه، فهو سبحانه الذي يملك القلوب، وهو القادر أن يَسكُب السعادة في قلبكِ سكبًا، كما وعد سبحانه؛ فقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [ النحل: 97 ].
أمّا السعادة في الحياة الدنيا فهي زائلة فانية قصيرة الأمد، ومن ثم فأنّ لفظ ” السعادة” لم يرد في القرآن الكريم سوى مرتين في سورة ” هود ” وارتبط المعنى في الآيتين بالآخرة حيث قال تعالى : يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ الآية (105) من سورة هود؛ وقال تعالى : { وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } الآية(108 (من سورة هود.)، كأنه لا سعادة في الدنيا، السعادة الحقيقية هي السعادة في الجنة، ورغم كل ذلك يقاتل البشر بعضهم البعض، ووضعت الحروب الأهلية والعالمية أوزارها سعيا منهم للبحث عن سعادة وهمية يصيبوها في الحياة الدنيا، “بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى” وطَالِبُ الدُّنْيَا-كما قال عيسى ابن مريم- مِثْلُ شَارِبِ مَاءِ الْبَحْرِ، كُلَّمَا ازْدَادَ شُرْبًا ازْدَادَ عَطَشًا حَتَّى يَقْتُلَه” وهو لا يدري أنّ ما يراه من أضواء وألوان وزينة مجرد صور وعالم افتراضي، أمّا العالم الحقيقي فعنوانه عالم الغيب، فاللهم اجعلنا من أولئك الذين تحدث عنهم القرآن في الأية الكريمة: ” الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ” (سورة البقرة)