متولى عمر ..يكتب.. دور المجتمع في مواجهة الجريمة

 

تزايدت في الفترة الأخيرة صور متعددة وخطيرة للجريمة بشكل أكثر عنفا وبوتيرة متزايدة مما أدى لنشر الخوف والقلق لدى معظم أفراد المجتمع المصري، وعلينا كخبراء فتح باب النقاش في التغيرات التي أدت لتزايد حدة ومعدلات هذه الجرائم لدراسة الأسباب وتحديد صور المواجهة للحد منها مستقبلا.

وإذا بدأنا بالأسباب نجدها متعددة ومتنوعة، وتعود معظمها لعقود سابقة بعضها أسباب عالمية وبعضها أسباب محلية تفاعلت معًا وهيأت بيئة حاضنة لهذه النوعية والكم المتزايد من الجرائم، وبالنسبة للأسباب العالمية التي ساعدت على انتشار الجريمة في العالم بوجه عام انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والفضاء المفتوح الذي ينقل كل الأحداث مباشرة لأي مكان حيث أصبحت وسيلة سهلة ورخيصة للتعلم بكافة صوره، ومنها للأسف تعلم الجريمة من خلال المشاهدة والتقليد بجانب انتشار أفلام الجريمة والعنف على مستوى العالم. والتعلم بالمشاهدة والتقليد والمحاكاة موجود في كافة المجالات، ولعلنا نتذكر الربيع العربي وتكرار الانتفاضات في عدة بلدان من خلال المشاهدة ثم المحاكاة والتقليد، وعادة ما تكون مرحلتا الشباب والمراهقة هما الأكثر تأثرا بذلك..

ومن ناحية أخرى أدت وسائل التواصل الاجتماعي بوجه عام إلى الحد بشكل كبير من دور الأسرة ووسائل التنشئة الاجتماعية الأخرى مثل المدرسة ووسائل الإعلام المختلفة، وأصبح الموبايل وحده أكبر تأثيرًا على حياة معظم أفراد المجتمع وخاصة مع تزايد أهميته في التعليم والبيع والشراء والتواصل مع سيارات الأجرة وخلافه ولا يمكن منعه عن الأطفال بجانب مشكلة كورونا وآثارها المتعددة والمتنوعة سواء النفسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية؛ لأنها أدت في النهاية لأنواع متعددة من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية وخاصة في الدول النامية.

كل ما سبق من تغيرات وأسباب عالمية أدت لتزايد حدة وأشكال الجريمة بوجه عام وتزداد شدتها وخطورتها في الدول النامية؛ حيث تزداد الأمية ويقل الوعي ومستوى التعليم ويزيد الفقر مما يزيد من آثارها وتداعياتها في الدول النامية.. وهناك عوامل وأسباب داخلية منها تداعيات الإصلاح الاقتصادي وتراجع الطبقة الوسطى وزيادة البطالة مع مشكلة كورونا وارتفاع الأسعار مع تزايد معدلات الطلاق والتفكك الأسري وصعوبات الزواج وزيادة أوقات الفراغ نتيجة كورونا والتعليم عن بعد وفقدان بعض الوظائف.كل ما سبق من عوامل عالمية أو محلية تفاعلت معا وأدت لزيادة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية على قطاعات كبيرة من المواطنين وكثرة الضغوط وحدتها واستمرارها تؤدي في البداية لضعف قدرة الإنسان على أداء عمله وأدواره في الحياة بوجه عام، ولكن مع استمرار الضغوط تؤدي إلى انحراف الإنسان وارتكاب الجرائم بجانب دور مهم في هذه الجرائم يرجع للفن الهابط المنتشر، وهناك للأسف أفلام مصرية عرضت بعض صور لهذه الجرائم فعلا على الشاشة وظهر البطل بيده أسلحة مشابهة لما حدث فعلا في بعض الجرائم وساهم الكثيرون في الإشادة بهذه النوعية من الفن الهابط والمهرجانات المستفزة التي تشيد وتمجد أعمال البلطجة والجريمة، مع إهدار لكل قيم المجتمع وأصبح هؤلاء هم القدوة والأبطال. وأصبح الخارجون على كل قيم المجتمع أبطالًا يشاد بهم، كل ذلك يمثل استفزازًا لمشاعر الشعب والمواطنين والشباب وخاصة مع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وكل ما سبق عوامل خارجية وداخلية تفاعلت معًا وساهمت – من وجهة نظري – في تزايد حدة وكم الجرائم.

post

وبالنسبة لسبل المواجهة للحد منها فأتصور أنه يجب العمل على عدة مستويات مجتمعية، بداية من الأسرة إلى المجتمع، وعلى الأسرة – رغم صعوبة مهمتها – مراقبة الأبناء وتدعيم قيم المحبة والتسامح والقيم الدينية للأبناء، وتوجيه النصح والمشورة بشكل مستمر والتخفيف من حدة الضغوط بقدر الإمكان من على الأبناء وخاصة الضغوط النفسية بسبب المذاكرة والامتحانات، والنتائج. وعلى وسائل الإعلام المختلفة دورها في نقل القيم الدينية والتسامح والتعاون والإيجابية في مواجهة العنف والجريمة، وينتقل ذلك إلى المناهج الدراسية والندوات الثقافية في الجامعات ومراكز الشباب والأندية والجمعيات الأهلية ووسائل الإعلام وكافة الجهود الأهلية والرسمية العاملة في هذا المجال؛ لتفعيل الضبط غير الرسمي للمجتمع في مواجهة الجريمة، كما يمكن الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في إنشاء مواقع رسمية للإبلاغ عن أي أعمال عنف أو بلطجة وخط ساخن للإبلاغ، بل ورصد مكافآت لمن يبلغ بلاغًا حقيقيًا عن تواجد بلطجية أو أسلحة بجانب إلزام أصحاب المنشآت التجارية والصناعية والمحلات وكافة المنافذ بتركيب كاميرات حديثة للكشف عن أي تجاوزات.
مع دراسة تعديل التشريعات الحكومية لتتوافق مع هذه المستجدات وتشديدها، كما للمسجد والكنيسة الدور الأكبر في نشر وغرس قيم التسامح والإيجابية، وتوفير المناخ الملائم للشباب لاكتساب القيم الدينية الأصيلة في المجتمع.
وأخيرًا للجهات الأمنية دورها في مزيد من الدوريات المتنقلة وتواجد رجل الأمن في كافة المناطق مع الاستفادة من تجارب الشرطة المجتمعية للاستفادة من أعضاء المجتمع المحلي في مجال الأمن؛ لأنهم بالطبع لهم دراية وخبرات بالعناصر الخطرة في مجتمعهم، ويمكن أن يكون لهم دور مهم في الوقاية ومنع الجريمة.
كل ما سبق اجتهادات شخصية لموضوع مهم أرجو أن يكون بداية لنقاش مجتمعي حول هذه القضية، وأتمنى أن تتبنى أحد المراكز البحثية هذه القضية في مؤتمر قومي لمزيد من النقاش والبحث عن سبل المواجهة قبل أن تصعب المواجهة في ظل هذه المتغيرات الخطيرة.
حمي الله مصر وشعبها ورئيسها وجيشها وشرطتها

زر الذهاب إلى الأعلى