عمرو البحيري:يكتب:التفكير المعقد ..رؤية مستقبلية

 

كل شخص لديه رؤيته الخاصة للأحداث ، متأثرا بما يتم إكتسابه لا اراديا من خلال المبادئ التي تربي عليها والبيئة التي نشأ فيها و المستوي الاجتماعي ومستوي التعليم الذي قام بتحصيله ونظرته التأملية للأحداث من حوله .. وغيرها من العوامل التي تؤثر في هذه الرؤية من دون وعي.
فعند الحديث عن الأخلاق مثلا فهي سلوكيات تختلف اختلافًا كبيرًا اعتمادًا على المكان الذي ولدت فيه ، ولكن الحقيقة مع تطور المجتمع كما نعرفه اليوم ، لم تعد الأخلاق المحلية او التي يضع معايرها كل مجتمع علي حدي علي حسب عاداته ودينه واعرافه شيئًا مهما اليوم
فهناك رؤية أكثر شمولية للأحداث ، من حيث المعرفة العلمية والإدراك الأخلاقي ، يجب أن يكون التفكير بالشكل المعقد الذي ينظر إلي الأشياء والأحداث بنظرة شمولية مترابطة وكأنها شبكة او قطعة من القماش تتناغم انسجتها فنحن جزء من ثقافة كوكبية ضخمة ويجب ان نفكر جميعا في ذلك فالإنفلات الأخلاقي في مجتمع ما حتي وإن إختلفنا معه في الثقافة والمستوي الإقتصادي والدين والاعراف سوف يصل إلينا لا محالة ويؤثر علي الأجيال القادمة لدينا وهذا ما يحدث الان بالفعل .
فمثلا تطبيق التيك توك والذي يضم مليارات الشباب من كل دول العالم نجد اننا نقلد الغرب تقليد اعمي خارج عن كل المعايير التي نرتبط بها مجتمعيا ولذلك يجب ان يخرج التفكير من الاطار البسيط إلي التفكر المعقد والذي نخرج فيه لنبحث عن الاسباب والنتائج بكل ما يرتبط بواقعنا ومستقبلنا ليس فقط في الداخل وانما ضمن نسيج الكوكب ككل والا صرنا مجتمع معزول مصيره الزوال .
ما هي نظرية التفكر المعقد؟
صاغ فكرة التفكير المعقد الفيلسوف الفرنسي وعالم الاجتماع إدغار مورانولد في السبعينات .
وتشير هذه الفكرة إلى القدرة على ربط أبعاد مختلفة من الواقع ، والتي زادت مكوناتها بشكل كبير مع تقدم البشرية وتطورها ، فكلما كان الأمر أكثر تعقيدًا ، يجب أخذ المزيد من التفاصيل حول المجتمع الذي نعيش فيه في الاعتبار .
التفكير المعقد هو إستراتيجية تناسب العولمة وهذا مخالف تمامًا للتفكير البسيط ، و الذي يوحد كل المعرفة في رؤية واحدة ، ويغفل التنوع .
يمكن تمثيل مصطلح التعقيد ، في فكر إدغار موران ، أنها نوع من الشبكات المعقدة ، التي تتشابك خيوطها الرفيعة وتربط مكوناتها. و الخيوط تمثل الأحداث ، والإجراءات ، والتفاعلات ، والتغذية الراجعة ، والقرارات ، والمخاطر التي يواجهها العالم ككل .
التفكير المعقد ليس فطريا كالتفكير البسيط المكتسب من الخصائص المجتمعية التي يعيش فيها الفرد ولكن يجب أن يتم تعلمه والتدريب عليه وتطبيقه عمليا في كافة المناحي الحياتية ويجب غرسه في الأطفال منذ بداية التعلم .
و يتميز التفكير المعقد بخاصية مميزة تناسب التسارع التكنولوجي تتمثل في عدم قبول الحقائق كشيء ثابت مصدق ، فنحن دائما في حالة بحث عن خيارات وبدائل أخرى ولكن طبقا للقواعد والمناهج العلمية ، واستكشاف مدى صحة ما يُدرك .
ففي عام 1999 ، اقترح موران المعرفة أو المبادئ الأساسية السبعة للتعليم المستقبلي والتي نشرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة و يجب على كل مجتمع ، بغض النظر عن ثقافته ، أن يحاول تعزيز هذه المبادئ :
– كل المعرفة وما أطلقنا عليه حقائق علمية في السابق يحمل إحتمالية للخطأ فهناك معلومات وبيانات اتخذناها في السابق على أنها مسلمات وقواعد ثابتة ومطلقة وبعد المزيد من البحث وبتطور الزمن والتسارع التكنولوجي تم التخلص من هذه القواعد والمسلمات نهائيا والوصول الي حقائق جديدة تخدم المجتمع ، فالمعرفة نسبية وهشة في ظل التطور وان مزيدا من التفكير المعقد يعني مزيدا من النقد لهذه الحقائق ، والنقد هنا هو بداية التطور والتغيير .
– في عصر التقنيات الجديدة يجب أن نفهم المشكلات بشكل صحيح وننتقي مصادر المعلومات والبيانات التي سنؤسس عليها تفكيرنا المعقد ونستعين بالخبراء للوصول إلي نتائج او حلول صحيحة ومناسبة للفئة التي ستطبق عليهم والا اصبحت دون جدوي.
– الجنس البشري مقسم إلى مجموعات عرقية ، ديانات ، لغات ، دول ، أمم … وعلي الرغم من هذه الإختلافات فجميع الناس هم جزء من نسيج كوكب واحد ولهم نفس الحقوق والواجبات ، وان التكنولوجيا سهلت الاتصال مع أشخاص من ثقافات مختلفة ولكن إجتمعوا علي هدف معين ومن هنا تم تكسير الحدود بين المجتمعات واصبح العالم كون مفتوح يجب ان ينظر له نظرة شمولية معقدة للوصول الي ايجاد حلول للصراعات والحروب وجميع المشكلات المشتركة
– يجب ان ندرك ان تعزيز التنمية البشرية ليس فقط من الناحية الاقتصادية، ولكن أيضًا ، وبفضل ظهور تلك التقنيات تم تعزيز التطور الفكري والعاطفي والأخلاقي في جميع أنحاء العالم ، فمهمتنا الان هي المحافظة علي هويتنا الوطنية ولكن يجب ان نفكر بشكل أكثر تعقيدا للوصول إلي هوية توحد جميع الناس كمواطنين علي كوكب الارض
– يجب تعليم الأجيال القادمة أن حتي التاريخ سيواجه دائمًا حالة من عدم اليقين ، حيث قد تنطوي المرحلة التالية على حقائق جديدة وهذه ليست كارثة في ظل ما يحدث الان من تطور سريع ، وانه من الممكن ما تظن انك اكتشفته اليوم من تقنية علمية حديثة تكتشف عدم صحته بعد قليل وتعود من حيث بدات فعدم السيطرة علي مدخلات الكوكب بأكمله حقيقة نموذجية للبشرية .
– يجب تعزيز التفاهم داخل المجتمع (المجموعة الداخلية) وفيما يتعلق بأشخاص من مجموعات مختلفةسواء كانت ثقافية أو لغوية أو دينية أو أي نوع آخر من المصطلحات.
فالفهم والتواصل ليسا مترادفين. على الرغم من التقنيات الجديدة التي تسهل الاتصال بين أشخاص مختلفين تمامًا ، فإن هذا لا يعني أنه تم تجاوز القواعد الأخلاقية الموجودة في كل ثقافة ، فيمكن أن تكون القيم الأخلاقية للفرد عقبة عندما يتعلق الأمر بوضع نفسك في مكان شخص آخر ، فقد ذكر إدغار موران أن أعداء التفاهم هم الأنانية والتمركز العرقي والنزعة الاجتماعية فيجب عدم إختزال الإنسان في صفة أو أكثر من صفاته لانها في الحقيقة متعددة ومعقدة .
– يجب تعزيز الأخلاق ليس فقط من الناحية الفردية ولكن عند الاتصال مع أفراد من مجتمعات اخري
و يجب تشجيع الإتفاق علي أخلاقيات صالحة للبشرية جمعاء ، مثل تكافؤ حقوق الإنسان ولكن من حيث الالتزامات الأخلاقية وتعميم الديمقراطية في جميع دول العالم .
– هناك فرق كبير بين التفكير ومهارات التفكير :
فالتفكير هو عملية كلية غير مفهومة كليا يتم فيها معالجة عقلية للمدخلات الحسية والمعلومات التي يتم إسترجاعها لتكوين الأفكار أو استدلالاتها أو الحكم عليها وتتضمن الإدراك والخبرة السابقة والمعالجة الواعية للمشكلات ومن هنا يكتسب الفرد الخبرة .
أما مهارات التفكيرهي عمليات محددة نمارسها عن قصد لمعالجة المعلومات مثل مهارة تحديد المشكلة – فرض الفروض – تقييم قوة الدليل أو الادعاء …. .
– التفكير وحل المشكلات عمليتان غير منفصلتين ، فعمليات التفكير في مجموعها تتضمن حل المشكلة كما تستند كل عمليات حل المشكلة تقريباً إلى شكل من أشكال التفكير .
ويتميز النشاط العقلي الذي يطلق عليه التفكير بخاصيتين هما :
* أنه نشاط كامن لا يمكن ملاحظته وقياسه مباشرة ولكن يمكن الاستدلال عليه من الأداء و السلوك
* التفكير نشاط رمزي يتضمن التعامل مع الرموز أو استخدامها .
مستويات التفكير :
مستوى التعقيد في التفكير يعتمد بصورة أساسية على صعوبة وتجريد هناك مستويين للتفكير هما :
١- مستويات التفكير الأساسية هي:
المستويات التي تشتمل على مهارات الاسترجاع والاستظهار والمهارات الأساسية البسيطة مثل :
– المعرفة والاستدعاء : اي قدرة المتعلم على التذكر للمعلومات كما قدمت له أثناء عملية التعلم حيث يتضمن تعرف التفاصيل والحقائق والأسباب والمبادئ والقوانين و التعميمات و النظريات.
– الاستيعاب : أدنى درجات الفهم للمادة ويتضمن ثلاث حالات هي :
• الترجمة : ويعني إعادة صياغة محتوى محدد بلغة أبسط سواء باستخدام الترميز أو الأشكال التوضيحية .
• التفسير : وتتضمن إدراك العلاقات الواردة في المعطيات المقدمة مثل تفسير الأشكال
و الرسوم البيانية وتعرف العلاقات المتضمنة وتعليلها.
• الاستكمال : ويقصد به محاولة تقديم استنتاجات وتنبؤات بعد استقراء المعلومات
الجزئية المتوافرة ، أو تقديم معلومات إضافية بناء على معلومات معطاة .
– الملاحظة : وهي إحدى مهارات جمع المعلومات وتنظيمها ، يقصد بها استخدام واحدة أو أكثر من الحواس الخمس للحصول على معلومات عن شيء أو مشكلة تقع عليها الملاحظة .
– التطبيق : وهي مهارة خاصة بمعالجة المعلومات وتحليلها، وتتضمن استخدام المفاهيم والقوانين والحقائق والنظريات التي سبق تعلمها في حل المشكلة ، وهي ترقى بالمتعلم إلى مستوى توظيف المعلومة أو الاستراتيجية التي تعلمها في التعامل مع مواقف ومشكلات جديدة .
– المقارنة : وهي مهارة خاصة بتنظيم المعلومات وتطوير المعرفة ، وتتطلب تعرف جوانب التشابه والاختلاف بين موقفين أو أكثر عن طريق تفحص العلاقات فيما بينها .
– التصنيف و الترتيب : وهي إحدى مهارات جمع المعلومات وتنظيمها ، وتعني إيجاد نظام لتبويب الأشياء أو المفردات وفصلها ضمن فئات لكل منها خصائص أساسية تميزها عن الفئات الأخرى .
– التلخيص : وهي إحدى مهارات جمع المعلومات و تحليله ، ويقصد بها إعادة صياغة المعلومات المسموعة أو المرئية أو المكتوبة عن طريق دراسة المفردات و الأفكار وفصل ما هو أساسي عما هو غير أساسي .
– تنظيم المعلومات : وتتضمن هذه المهارة عرض المعلومات أو البيانات بصورة جديدة وعلى نحو يسهل معه فهمها وإدراك طبيعة العلاقات التي تربط بين أجزائها ومكوناتها والتوصل إلى استنتاجات واضحة بسهولة ويسر .
ب- التفكير المعقد : لهذا التفكير خصائص تميزه منها :
* لا تقرره علاقات رياضية أي لا يمكن تحديد خط سير التفكير بصورة دقيقة .
* مهارات التحليل والتركيب والتقويم ، التي تعتبر مهارات أساسية في التفكير الناقد والإبداعي الذي يظهره الطالب في مواقف حل المشكلات ويعد التحليل
* يشتمل علي مهارات الاستنتاج وتحليل البيانات والمعلومات والنقد والمقارنة والتخيل الاستدلال حل المشكلات – اتخاذ القرار
ويعد مستوي التحليل أعلى مستويات المجال المعرفي ويتضمن حل المسائل غير الروتينية واكتشاف الخبرات ، والسلوك وتصنف أحياناً جميع مهارات التفكير العليا ضمن قائمة واحدة يطلق عليها التحليل ، الإبداعي ، وهو يختلف عن مستويات التطبيق أو الاستيعاب .
* يشتمل على حلول مركبة أو معقدة.
* يتضمن إصدار أحكام أو إعطاء آراء.
* يستخدم معايير أو محكات متعددة.
* يحتاج إلى جهد كبير للقيام به.
* في حالة إتمامه يعطي حلول نتائج اكثر عمق وتناسب مع التطور .
والاستنباط الرياضي أو الاستدلال الرياضي المنطقي ( الاستقرائي والاستنتاجي )

ما نوع المشكلات او القضايا التي يستخدم فيها التفكير المعقد ؟
تحديد مستويات التفكير البسيط أو المعقد يعتبر أمراً نسبياً ، فالمهام التي تتطلب مستويات دنيا من أحد الأشخاص قد تتطلب مستويات عليا من شخص آخر ، وتبعاً لذلك فتحديد المدى الذي يحتاجه الفرد للتفكير في مشكلة ما يتطلب تحديداً لمستوى ذكائه .
التفكير المعقد مهارة ام مرض نفسي ؟
هناك من يظن ان التفكير المعقد يؤدي الي المرض النفسي وهذا غير صحيح كليا .
فالتفكير المعقد مهارة وإبداع ومن أنواعه : التفكير الناقد – التفكير الإبداعي – التفكير العلمي – التفكير المنطقي – التفكير المعرفي – التفكير فوق المعرفي – التفكير الخرافي – التفكير التسلطي – التفكير التوفيقي أو المساير .
ويشمل كل نوع من أنواع التفكير السابقة عدة مهارات تميزه عن غيره .
وعندما نتكلم عن احد مسببات المرض النفسي فهنا لا يمكننا التحدث عن نوع التفكير بسيط او معقد وإنما نتحدث عن التفكير بإستمرار او لوقت طويل في امور مختلفة او في نفس الشئ ( مدة التفكير ) وإما إستخدام طريقة خاطئة في التفكير تؤدي إلي إستمرار المشكلة او ربما تفاقمها دون ايجاد اي حلول ( طريقة التفكير ) .
وفي مقالي القادم سوف نتناول بعض المشكلات من منظور التفكر المعقد مقارنة بالتفكير البسيط .

زر الذهاب إلى الأعلى