الكلمة

علي عبدالناصر 

للكلمة أنياب ومخالب .. ولها دفء وأمان .. للكلمة جرح ينزف وغلٌّ يفور يؤذي كل من يتعرض له .. ولها بهجة تغمر الأفاق بنورها وبهائها وصفائها .. الكلمة قد تمسي ظلمة حالكة ، إذا دخل المرء بين حروفها لم يكد يرى بصيصا من أمل أو أثارة من حياة .. وهي نهار يتلألأ كشعاع الشمس فوق غدير عذب تحتضنك بين حروفها كما تحتضن الأم رضيعها ، تحنو عليه ، وتمنحه السعادة والرضا !!

 

أيها البؤساء التعساء الأشقياء المحرومون من روح الكلمة وعبق الكلمة ونسيم الكلمة الذي يلاطف النفس بريئا لطيفا بهيا زكيا جميلا .. يمر عليها فيمنحها من ضيائه أملا ، ومن عذوبته نضارة ، ومن حنوه رقة ، ومن عطفه إشفاقا على خلق الله ..

أيها العبيد المارقون الآبقون المتمردون على رياض الجنات التي تدعوكم ليل نهار هلموا إليَّ ، ولكنكم أبيتم إلا الغرق في وحل مفرداتكم التي تقطر سما وتصرخ عويلا .. تدمي القلوب وتقرح الأجساد .. أما آن لكم أن ترتقوا إلى سماء الهداية إلى الرحيق المختوم ..

post

إلى متى نقرأ القرآن ولم يطهر لنا قلبا أو يزكي لنا فكرا أو يقوِّم لنا لسانا ؛ فيثمر فينا قاموسا حروفه غضة ندية نورانية ، تهز المشاعر ، وتحرك الوجدان وتشرئب لبهائها وحسنها الأعناق والأفئدة ؟! ..

رسولنا الكريم كان يستحسن الكلمة الطيبة وينفر من الكلمة الخشنة المؤذية .. ينهى عن تسمية السبَّابة بهذا الاسم الذي أطلقته عليها العرب ؛ لأنهم كانوا يتسابُّون بها ، وسماها المسبحة أي التي تسبح في الصلاة ، وشتان بين تسبيح وسباب .. نهى عن تسمية حرب وغيرها واختار لسبطيه الحسن والحسين .. غضب ذات يوم لكلمة في حق إحدى زوجاته ( السيدة صفية ) وقد نزل لأجلها قرآن يُتلى .. أما نتعلم ؟!
قال لأبي ذر يوما : ” إنك امرؤ بك جاهلية ” لما رمى بلالا بكلمة .. ألا نتأدب ؟!
غضب ذات يوم لما تعجب بعض الصحابة من دقة ساق ابن مسعود وأخبر أنها تزن عند الله مثل جبل أحد .. هل نعي ونفهم ؟!

الكلمة الطيبة الهينة اللينة الآسرة للقلوب والحافزة للهمم والملهمة لمعاني الخير والجمال ، لا شك أنها كشجرة طيبة وارفة الظلال بهية الحسن كمن قالها حانية على من يسمعها ، مذهبة للهم والكآبة ، جالبة للفرح والسرور والصبر على لأواء الحياة ومشاقها .. كم فتحت بابا لمكروب فكان فعلها فعل السحر .. أتستوي هذه بتلك التي وصفها القرآن بشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ؟!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى