صـرخـات الـرحـيـل

الـكـاتبـة : نـهـيـلة حـنـان

 

 

الـمـشـاعـر الـصـادقـة لا تولـد من عـبـث و رحـيـلـي هو الآخـر لـيـس مـن عـبـث، أصـبـحـت تؤذيـنـي تـلـك الـمسـافـات الـتـي تـقـع ما بـيـن الحـضـور و الـغياب،

مـا بـيـن عـيـون رقـيـبة و أفـواه مـكـيدة أبـحـر فـي مـوجات من الألـم تأخدنـي مـداً و تـعـيدنـي جـزراً عـلى أوثار مـن الإحـتراق و الأشـواق، وددت حـقاً لو أن الأبـيـض و الأسـود إجـتـمعا لأول مرة عـلى هـيـئـتنا نحـن،

post

لكننا كأي نـزيلا حـرب أنـهـكتنـا الخـسارات ولـم يفز أيٌّ مـنا، قاتلنا بـشـرف ولـكن الـشـرفاء أيضاً يـخسـرون مـعـاركـهم، لـيشهد الله بأن قـلـبي إمـتلأ بـحبك عن آخـره و ليشهد قـلبك بأنـي أعـيش الأن أكـثـر لـحظات إنـكساري و تـهمشي و أنا الـتي مـا إسـتعصـى عـليها يـوماً توديـع أحد،

و لـكنك كنت و ستظل إستثنـائي الأكـبر، أشـعر الآن برغبة جامـحـة لـضـمك إلى صـدري ضـمـة أخـيرة أسـتنـشق مـعـها عـطرك بـعمـق لـيكون أخـر شـيء تـبـقـى لـي مـنـك، أسـتلقـي بـين أحـضانـك و أسـتلذ هـنـاك الـبـقاء، أداعب جـدائل شـعـرك الأسـود و أشـتـم فيه عـطر الإنتـشاء،

أنهل مـن تضاريس وجـهـك حد الإرتـواء قاسـية هـذه اللحـظات الـتي يـمتلأ فـيـها القـلب بكـلمات لا تـصوغهـا الحـروف وفجأة تـنسـكب دمـوعك لـيس مواسـاة لألمك بل فراراً مـن نـيران دواخـلـك، حـتـى لو شـاءت بـنا الأقـدار و حتـى لو حـال بـيـننا ألـف حال سـنلتقي،

سترانـي فـي غـفلتك حـلم و ستـراني في وحـشتك أنـس، قد تجمـعنا أمـنـية أو حـتى خـيال لـكننا سنـعيش نـشوة اللـقاء مـهما أبـعدتنـا الـمسافات و رمـتنا بأسـهمها الظـروف أكـتـب لك وأنـا مـيـتة، لا تأخد مـنـي كـلمة الـموت بـمعنـاهـا الـحرفـي لا عـليك بالجـسد فـهو مـازال صـامدا ضـد الـفـناء، كـيف له أن يحيـا و هو يصـارع بـقائـه بـين أهـدابـه، فلم تـكن يـومـاً جـزء مـنـي بل كـنت كـامـلي و مـكـملـي، صـبري و صابـري، صـمتـي و صـمـودي، مـسـكنـي و سـكينـتي، روحـي و راحـتي، مأمنـي و مـوطـني،

فمن أين لـي الأن بوطـن بـعد غـيابـك يـأويـني، كـيف لنا تحطـيم قـيود الـمسافات كـيف لنا تحـطيم سلاسل المـستحيل والغوص في اللامسـتحيل لطالمـا جـعلت من عـيـنيك نـوراً أهتـدي به في ظـلمات حـزني، الأن كـيف سأستر عورة قلبـي حـين يشـتاقك، الزمـن لا يرحم من يـعزم على الرحـيل،

فالبعـض يرحل في صمت كـالنسيم و البعض يرحـل في صخـب كالـحروب، أما أنـا سأرحـل و أتـرك فـي الـقـلب جـرحاً و في الـعين دمـعة و فـي الحـلق غـصـة و فـي الروح وجـعـاً، نهـوى الـرحيـل حين تـنتهي كـل حـلول الـبقاء فـبعض الرحيل نـختاره والبـعض الآخر نـجـبر علـيه، لكن سـيكون هذا الـرحيل الـى مـواطن اللقـاء لا الى الـهجران و الـضياع، سنـلتقي قبل أن أصبح عـجـوزا شـمطاء أنهكها إنـتظار حـبيـبها و أضاعت عـمرها خـلف زجـاج الـنافذة وهي تقرأ رسـائل عـشق أتـت من أرض الـدمار و الخراب،

قبل أن أصبح ضعـيفة البـصر لأنـني أريد أن أرى خـلايا خـدودك تـبتسم بعد أن تنـقسم و تتشـقق، أريد و يا ليث إرادتـي تكفي أن أتـحسس ذقـنك الـمـهمل بكـفي، من قـال أن العـناية تزيد الأشياء جـمالاً ذقـنك أجـمل وهو مـهمل شـظـايا ذكراك سـتبقـى مـحفـوظة، سأتذكرها و أنا أحـتسـي ربـما كـوباً مـن اليـأس لعلـه يـنهي كـل شيء، ولعـله يـهون على قـلبي الـمحتضر سـكرات مـوته،

أمـواج من الأحـزان تصـهـل في دمـي و على وتـر الألم تعزف الـوحدة أجـمل ألـحانـها، فلا أنـت بالـقرب الذي يـزيل الـشوق و لا أنـت بالـبعد الذي يقـطع الأمـل، المرأة التـي حـلقت بك فـوق السـحاب و رفـعت من قـدرك أمـام الناظريـن الـيوم ذاقـت مـرارة الـعذاب، يـؤسفـني فعلا مـا آل إليه قـلبـي الذي صـنـته طـويلاً كـما يؤسـفني أنـه لا فرصـة بـيـننا لتوضيح مـا يوجد داخـل جب الـغموض، نـفرت من رغـد الـحياة و طيـبها و حـضنت حـزني في حنـايا أضلعـي، أنهـكتني الـحروف وهـي تعدو بإتـجاهـك وقـع حوافـرها يـدوس عـلى أطراف قـلبـي و يا وجعة هذا الـقلب بك كـلمـا لاح طـيفك، أما صهيل وجعـك في الـصدر لا يتـوقف و لا يهـدأ ولا يـستكين، فما بال طيـفك يأبـى أن يـفارق و ما بال الـوجع ضيـف ثـقيل يـأبـى أن يـغادر، يغرس حـوافره فـي تربـة رحـم القلب و يرتشف ملح أدمـعي و يـكبر حتـى تختنـق الشهقة ولا تجد لها طريـقا فـي لجة ظـلام غـيـابك، كيف لـقريحـتي أن تـصنع من حروف الـشوق قـصيدة وهي تـستقي نـورها من نور وجـهك، وكيف للجة النـهار أن تـصنع حلة للـعناق الـموعود من غـير خـيوط الـسكيـنة و الـتي هي بـنت الليـل الـملتهب، حـتما سنـلتقي وإذ لم يـكن فـي هذه الـحياة الـملعونة فـسوف يكون فـي الـحياة الأخـرى، حيث لا شـفاه تتكلم بل قـلوب تـدق و لا أجساد تتعـانق بل أرواح تـنصـهر، سيكون علـى صعـيد سـحابة بيـضاء مستلقين على أثـير الـمشاعر، أجـل سنعـبر حاجز الـخوف اللـذيذ مـستقلين قارب اللـوعة لنـصل لجـزيرة الـحب المـنتظرة، عـلمونا فـي الكـتاتـيب صـغاراً أن نحب الـحياة بـوجهيها الـكـئيب و المبتهج، بـدمعتها الـنازلة من ضيم الأقدار و إبتسامتها المـرسومة على شـفاه العاشـيـقين، بـيأسها الـغادر و أملها الـغاوي، بـجبروتها الـعاصف و دفـئـها المنـساب لكنك لطالما تحججت بالقدر ولم أرضـى أن أخـبرك أنه نحـن من نـصنع عسل أقدارنا، لطالما فضلت أن أُنخَان ولا أَخون أن أَنـخدِع ولا أخدع وهذا ما حصل، أتمنى لو عاد بنا الـزمن قـليلاً الى الـوراء حيث كـانت الرسـائل تـأتي مـكتوبة فهي كانت ستأتي مـحـملة بـرائحة الـمحبوب متـعطرة بعـطره وقـد خطتها أنـاملـه، تأتي متوشحة بروح ذلك الـغالي، الأن علمت عندما قال نزار لـمحبوبته ” بعض الهوى لا يقبلُ التـأجيلا ” كان يعلم أن الحـب كالقهوة لا يـسـتساغ طعمه بـارداً. بقلـم: نـهـيـلـة حـنـان

زر الذهاب إلى الأعلى