الوداع الأخير قصة قصيرة واقعية

بقلم هبة خميس رمضان
» فى ليلة شتاء ظلماء وممطرة من شهر كانون الثاني سنة 2019، تقف داخل المستشفى فتاة ترتعد وتدعو الله أمام حجرة استقبال المرضى بجسدٍ مرتعش،تارة تبكي وتارة تهرول داخل هذا البهو المؤدي إلى باب الخروج،بدأ الرعب يتملَّكها لا تريد سوى كلمة تطمئن قلبها،تترجى الطبيب أن يسمح لها برؤيته ولو للحظة، ولكن لم تُقابَل توسلاتها سوى بالرفض،كانت تختلس النظر إليه من بعيد، لكن حتى هذه الخلسة لم تَفُز بها.
وفي لحظة تسقط الفتاة على الأرض وتتعالى صراختها ثم تهرول إلى تلك الغرفة المغلقة؛ لتختلس النظرة الأخيرة،لم تر فى طريقها سوى كثير من العيون الباكية التي لاتعرفها، تفتح باب الغرفة على مصراعية وتجري تكشف الغطاء عن ذلك الجسد الممد تحته والذي قد غُطى به؛تمعن النظر فيه وتُقبل جبينه.
وتتعالى صراختها دون طائل أو جدوى،فقد وضع القدر نقطة النهاية لقد لفظ أنفاسه الأخيرة ، تحتضنه تختبئ بصدره تصرخ وتستغيث لكن لامغيث لها إلا الله ، تتذكر ما حدث لها قبل الوفاة بعشرة أيام، كانت تشعر بشئ يخنقها حتى أنها لاتستطيع لفظ أنفاسها، فاضطرت للذهاب إلى المستشفى لأخذ جلسة تنفس،وهناك شاهدت مشهدًا قد أثَّر فى نفسها،لم تُدرك حينها أنها رسالة من الله لم توقن أنها إشارة لموت عزيز ،حينها دخل ابنان بأبيهما محمول على كرسي ثم وضعوه على سرير أمامها، نظرت إليه متأثرة، وقد كان ذلك الرجل صورة طبق الأصل من أبيها، تعجبت وقالت في نفسها : هل تستطيعين أن تتحملي رؤية أبيكِ مكان هذا الرجل؟!
دمعت عيناها وتناست هذه الفكرة السيئة التي جالت بخاطرها؛ واستعاذت بالله من الشيطان الرچيم،لم تدرك آنذاك أنها بعد أسبوع فقط ستكون فى نفس الغرفة بأبيها وقد وُضع على أجهزة التنفس؛ تلك الحجرة التي دخلتها قبل وفاة أبيها بأسبوع،ودخلتها مع أبيها وهو محمولًا على كرسي،ووضع على نفس السرير الذى رأت عليه الرجل من قبل، نفس المشهد الذي رأته مع الرجل المريض هو ما رأته بتفاصيله مع أبيها. لقد كان هذا اليوم صعبًا منذ مطلعه، لم يكن أبوها مريضًا، وكانت فى ذلك اليوم تمكث كعادتها بعد يوم مرهق في مكانها المفضل الذي دائمًا يحتضنها بأفراحها وأحزانها «فراشها»؛ تتصفح صفحات الأنترنت وتفكر ،حينها دخل أباها غرفتها هى وأختها الصغرى، كان ينظر لهما نظرة تحمل الكثير مع ابتسامه لايمكن نسيانها ؛لم تكن تعلم أن تلك النظره هى الأخيرة وكأنها نظرة وداع.
خرج أبوها إلى الطرقة، كانت تسمع وقع أقدامه تدق في أذنيها بجسده القوي وبشاشته التي أحبها الجميع.
لم يأخذ كل هذا بُرهه ، حقًا بين غمضة عين وانتباهها يغير الله من حالٍ إلى حالٍ ؛ في تلك اللحظة سمعتْ شيئًا وقع على الأرض، خرجت مهرولة إلى حيث وقع أقدام أبيها . فإذا به مُلقى على الأرض وعيناه شاخصتان للسماء . تصرخ فى لهفة مرتعدة: أبي . أبي . ماذا بك ؟!
لم تكن تعلم حينها أن والدها يموت بين يديها، لم يكن عقلها يدرك أن القدر أصدر قراره ، لم تتقبل فكرة ألا تراه، وسرعان مااحتضنته والدمع يتسابق على خديها قائلة بصرخة مخنوقة : أبي أبي ؟!
وفى لحظة احتضاره، نظر إليها نظرة الوداع الأخيرة؛ متشبثًا بيديها ولم ينطق سوى كلمة واحدة. أنا بخير .. وبعدها صمت وتعالت صرخاتها متشبسة به أبي .. أبي ..أبي .. لقد فارق الحياة .





