الهوس الإنتخابي
كتب .. حماده مبارك
مع اقتراب جولة الإعادة في انتخابات مجلس النواب، يدخل المشهد السياسي في العديد من الدوائر مرحلة أشبه بالهوس الانتخابي، حيث تتصاعد التوترات وتشتد المنافسة، ويختلط فيها العمل الديمقراطي بالنزعات العصبية والمبالغات والانفعالات، وكأن الإعادة لا تعني مجرد فرصة ثانية لاختيار الأفضل، بل تتحول عند البعض إلى معركة مصيرية وكأنها صراع حياة أو موت.
فتعيش المدن والقرى ومراكز المحافظات حالة غير مسبوقة من الاستنفار، حيث يعيد المرشحون ترتيب صفوفهم، ويستدعون كل أدواتهم وحلفائهم، بينما ينشغل الأهالي بمناقشة السيناريوهات المحتملة وكأن الانتخابات مسألة وجودية، في هذه الأجواء يتراجع الحديث عن البرامج الانتخابية لصالح جولات الحشد، والتربية على العصبية، والفرز القبلي أو العائلي، وكأن العودة لصندوق الاقتراع اختبار للولاء وليس للعقل.
ويزداد انتشار الشائعات في هذه المرحلة ليصبح واحداً من أهم أدوات الهوس الانتخابي، تختلق القصص، وتلفق الاتهامات، وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لإشعال العداوات بين أبناء الدائرة الواحدة، فيتحول النقاش السياسي إلى تراشق، ويغيب الوعي الذي يفترض أن يكون أساس أي عملية انتخابية نزيهة ومسؤولة.
فهذا الهوس لا يرهق المرشحين وحدهم، بل يرهق المجتمع بأكملة ويؤدي الى :-
انقسام بين العائلات – خصومات ممتدة بعد انتهاء الانتخابات – تعطّل مصالح الناس نتيجة الانشغال المبالغ فيه بالمعركة الانتخابية.
ورغم أن الديمقراطية تقوم على المنافسة، إلا أنها لا تقوم على استنزاف المجتمع وإشعال الخصومات التي تمتد لأشهر وربما لسنوات.
ويأتي هنا دور الوعي ، لإن جولة الإعادة ينبغي أن تكون محطة للتفكير الهادئ، لا لحالة الهوس التي تفقد الانتخابات جوهرها، فإن الوعي وحده هو القادر على تخفيف التوتر، وإعادة الأمور إلى نصابها، وتوجيه الناس نحو اختيار المرشح الأكفأ بعيداً عن العصبيات أو التهديدات أو الضغوط.
وختاما تبقى جولة الإعادة جزءا من العملية الديمقراطية، وليست نهاية العالم، الفوز والخسارة أمران طبيعيان، لكن الأخطر أن نخسر قيمنا وتماسكنا واحترامنا لبعضنا البعض، فإذا كان البرلمان يبنى بالصناديق، فإن المجتمع يبنى بالوعي، وبحسن إدارة الاختلاف، وبالقدرة على وضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار.






