واشنطن قوة منحازة لا كوسيط

المستشار ياسر مراون
الولايات المتحدة الأمريكية طالما رفعت شعار “السلام” و”الدفاع عن حقوق الإنسان”
لكن في الواقع ، تكشف المواقف الأخيرة عن ازدواجية فاضحة في المعايير ، خصوصا مع ما يجري في غزة .
منذ أن تولى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الحكم ، كان يردد في خطاباته أنه “سيوقف الحروب” وأنه “يريد السلام” .
إلا أن سياسات واشنطن على أرض الواقع لم تترجم هذه الشعارات ، بل ساهمت في إشعال الأزمات أو إدامتها ، سواء في الشرق الأوسط أو خارجه .
الحدث الأبرز الذي يعكس هذه المفارقة وقع بالأمس ، حين استخدمت أمريكا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة .
هذا القرار كان يمثل مطلبا إنسانيا عاجلا لإيقاف نزيف الدم ، لكنه اصطدم بجدار الفيتو الأمريكي الذي أعطى الضوء الأخضر لاستمرار العمليات العسكرية .
المشهد هنا خطير ؛
أمريكا تقدم نفسها كراعٍ للسلام ، لكنها تمنع المجتمع الدولي من إنقاذ المدنيين .
واشنطن تبرر أفعالها تحت غطاء “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس” ، بينما تغض الطرف عن الكارثة الإنسانية التي تتفاقم في غزة .
ازدواجية المعايير هذه لم تعد تخفى على أحد ، بل أصبحت تهز أوساط الإعلام العالمي الذي يتساءل ؛ كيف يمكن لدولة تزعم قيادة العالم الحر أن تقف ضد وقف إطلاق النار ؟
إن هذا الموقف يضع الولايات المتحدة في عزلة أخلاقية متنامية ، حيث تتصاعد الانتقادات من داخل أوروبا ، ومن قوى كبرى كالصين وروسيا ، بل ومن منظمات حقوقية عالمية .
لقد باتت واشنطن تُرى كقوة منحازة لا كوسيط سلام ، الأمر الذي يفقدها الكثير من مصداقيتها على المسرح الدولي .
إن أخطر ما في الأمر أن الفيتو الأمريكي لم يعد مجرد أداة سياسية ، بل صار يُقرأ كرسالة مباشرة مفادها ؛ “إرادة واشنطن تعلو على معاناة الشعوب” .
وهذه الرسالة في زمن وسائل الإعلام المفتوحة تهز الضمير الإنساني وتدفع الشعوب إلى التشكيك في جدوى الأمم المتحدة ذاتها .
وهكذا ، بينما يواصل العالم مطالبه العاجلة بوقف إطلاق النار ، تصر الولايات المتحدة على فرض واقع القوة لا واقع العدالة ، لتضع نفسها في مواجهة مفتوحة مع الرأي العام العالمي ، ومع المستقبل الذي لن يرحم ازدواجية المعايير .





