الحياء خلق الإسلام العظيم

 

بقلم : عمرو حلمي

حقيقة الحياء : خُلُق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حقٍّ من الحقوق، وهو خُلُق جميل يدعو إلى التحلي بالفضائل، والبعد عن الرذائل، والحياءُ من الحياة، ومنه الحيا للمطر، وقِلَّةُ الحياءِ من موت القلب والروح، وكلما كان القلبُ أحيا كان الحياء أتم.

قال ابن الجنيد: الحياء: رؤية الآلاء (النعم)، ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء.

فالحياء يعني التوبة والحشمة.

post

وهناك فارق كبير بين الحياء و بين الخجل :
هو أنَّ الحياء : منقبة وفضيلة، وفيه يترفَّع المرء عن المعاصي والآثام.

وأمَّا الخجل : فإنه منقصة؛ لشعور الإنسان بقصوره أمام الآخرين، فلا يُطالب بحقِّه لخجله، ولا يقول كلمة الحق لخجله، وعلى الجرأة ربَّى أسلافُنا أبناءهم.

والحياء من الإيمان :
لأن الإيمان ينقسم إلى ائتمار ما أمر الله به وانتهاء عما نهى الله عنه فإذا حصل الانتهاء بالحياء عن المعاصي كان الحياء بعض الإيمان ومنه الحديث “إذا لم تستحِ فافعل ما شئت” لأنه لا يكون له حياء يحجزه عن المعاصي والفواحش فالحديث يأمر بالحياء ويحث عليه ويعيب تركه.

الحياء هو رأس الفضائل الخلقية، وعماد الشعب الإيمانية، وبه يتم الدين، وهو دليل الإيمان، ورائد الإنسان إلى الخير والهدى، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: «الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ» رواه البخاري ومسلم.

وفي حديث آخَر: «الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» رواه مسلم.

كما مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ – وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ – فَقَالَ له: «دَعْهُ؛ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ» رواه البخاري ومسلم.

قال ابن القيم :وخُلقُ الحياءِ من أفضل الأخلاق وأجلِّها، وأعظمِها قدراً، وأكثرِها نفعاً، بل هو خاصة الإنسانية، فمَنْ لا حياءَ فيه ليس معه من الإنسانية إلاَّ اللحم والدم وصورتهم الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء، ولولا هذا الخُلق لم يُقْرَ الضيف، ولم يُوف بالوعد، ولم تُؤدَّ الأمانة، ولم يُقض لأحد حاجة.

وللحياء فضائل كثيرة منها :
هو أنه من صفات الربِّ سبحانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ، فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا، أَوْ خَائِبَتَيْنِ» رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.

يقول ابن القيم : وأمَّا حياء الربِّ تعالى من عبده فنوعٌ آخَر، لا تُدركه الأفهام، ولا تُكيِّفه العقول؛ فإنه حياءُ كرمٍ وبِرٍّ وجودٍ، فإنه تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردَّهما صِفراً، ويستحيي أن يُعذِّب ذا شيبةٍ شابت في الإسلام.

ومن فضائل الحياء : هو أنه من خُلُقِ الملائكة والأنبياء: وفي الحديث ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في عثمان – رضي الله عنه: «أَلاَ أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ؟» رواه مسلم.

وهناك حديث آخر يبين حياء الأنبياء : «إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلاً حَيِيًّا سِتِّيرًا، لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ؛ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ» رواه البخاري.

كما اتَّصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة الجليلة، وفي الحديث: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ» رواه البخاري ومسلم.

وخدر العذراء : هو الموضع الذي تحبس فيه وتستر عن الأعين.
وخص العذراء في خدرها بالذكر : من باب التتميم لأن العذراء في الخلوة يشتد حياؤها أكثر مما تكون خارجة عنه لكون الخلوة مظنة وقوع الفعل فيها.

ومن فضائل الحياء : هو أنه خُلُق الإسلام: وبه يتميَّز المسلمون عن غيرهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الإِسْلاَمِ الْحَيَاءُ» حسن – رواه ابن ماجه.

والحياء يُفضي للجنة: فمن أعظم فضائله أنه يُفضي إلى جنةٍ عَرْضُها السماوات والأرض، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ؛ وَالإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ؛ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ» رواه الترمذي وصححه.

ومن فضائل الحياء : هو أنه زينة الأخلاق: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ، وَمَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ» رواه الترمذي وصححه.

والحياء عاصم من المعاصي والمنكرات: ويحمل على الاستقامة والطاعة، وبدون الحياء يهبط الناس إلى أوحال المعاصي والمنكرات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ؛ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» رواه البخاري.

مراتب الحياء :
المرتبة الأولى: الحياء من الله تعالى: فمن حياء العبد من ربه عز وجل أن يحفظ العقلَ من أن يكفر بالله، أو تدخل فِكرةٌ مُنحرفةٌ إلى عقله، وأنْ يحفظ جوفه عن الحرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ». قَالوا: إِنَّا لَنَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» حسن – رواه الترمذي.
فمن الحياء مع الله تعالى: ألاَّ تتضجر عند البلاء، فتنسى قديمَ إحسانِ الله إليك.

المرتبة الثانية: حياء العبد في نفسه: فيستحي من أن تُشوَّه سُمعتُه، وفي حديث أبي سفيان رضي الله عنه وهو بين يدي هرقل، أنه قال لِتَرْجُمَانِه: «قُلْ لَهُمْ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ» رواه البخاري.

ومن حياء المرء من نفسه: الحياء من أن ينقضي العُمُر في المعاصي.

ومن الحياء: حفظ العورات: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ» رواه أبو داود بإسناد صحيح.

المرتبة الثالثة: حياء العبد في مجلسه: ومن ذلك: ألاَّ يتكلَّم عن خصوصياته وأهله؛ ومن الحياء: ألاَّ يفضح نفسَه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ: أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ! عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ» رواه البخاري.

المرتبة الرابعةً: الحياء من ذوي الحقوق: ومنه: الحياء مع الوالدين: ولمَّا رأى أبو هريرة – رضي الله عنه – غلاماً يمشي مع رجل، قال للغلام: « مَنْ هذا منك؟) قال: أبي. قال:(اسمع! لا تمشِ أمامه، ولا تستبَّ له -أي: لا تكن سبباً في أنْ يسبه أحد، ولا تجلس قبله، ولا تُناده باسمه».

ومن ذلك: الحياء من ذوي الشيبة: فالصغير يُجِلُّ مَنْ يكبره، وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ» حسن – رواه أبو داود.

والحياء لا يتعارض مع طلب العلم ، فهذه أم المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها تثني على نساءَ الأنصار بقولها: «نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ؛ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ» رواه البخاري.

قَالَ مُجَاهِدٌ: «لاَ يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مُسْتَحْيٍ، وَلاَ مُسْتَكْبِرٌ».

والحياء من صفات الفطرة السوية بوجه عام، ومن أجمل صفات المرأة بصفة خاصة، انظر إلى العذراء كيف تستحي، وإن لم يكن عندها خصاصة من علم أو دين.

وعندما مدح القرآن الكريم ابنة شعيب عليه السلام لم يصف طولها ولا جمالها بل وصفها بما يتناسب مع طبيعة المرأة وهو الحياء, قال تعالى : {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص(25)].

وختاماً : إذا تخلَّق الإنسان بِخُلُق الحياء؛ دلَّ ذلك على حُسْن أدبه، ونقاء سريرته، وكمال إيمانه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» رواه البخاري ومسلم.

فاللهم ارزقنا الحياء منك – اللهم اجعل الحياء في أخلاقنا

زر الذهاب إلى الأعلى