العمة «بركة»

نجلاء محجوب

«بركة» تسعينية ترك الزمن اثر علي ملامحها .. وتجاعيد ،، محفورة علي وجهها
تحكي حكاية عمر مر ، وسنين عاشتها وحيدة ..
ذاقت مرارة الحياة ،،
فلم يثمر زواجها عن أبناء ، وتوفى زوجها خادم المسجد منذ اعوام عديدة ،
كانت العمة بركة ..
محبوبة ، تتودد إليها النسوة ، يشتكين احوالهن .. لم تبخل عليهن يوماً بالنصيحة ،،
قلبها ..
كان صندوقاً للأسرار ،،
سكبت خبرتها ، في حجر نسوة الحي ، فكن ينصتن لها ، لأنها تنصحنهن عن ظهر حب
سر بركة ..
في تعجب أهل الحي !!
من أين يأتيها الطعام ؟ وظل هذا لغز ؟؟ لا أحد يعرف عنها شئ ،،
عادة ..
تجلس امام الدار ويجلس أبناء الحي تحت قدميها .. ويضعوا رؤوسهم في حجرها ،، توزع عليهم الحلوي ..
و تحكي ..
لهم الحكايات حكاية .. تلو .. حكاية ،
يسألوها مئة سؤال ؟؟
وتضحك ..وتجيب .. ولا تمل ،، كان يغمرهم حبها ..
تشدو جارتها «حنة» بصوتها العذب يومياً ، وترسم الحنة لبنات الحي ، و جهها بشوش ، لا يفارقه البسمة ،،
وجارتها من جهة اليسار «سوداء» ..
مكروهة .. لأنها تتلصص ، يومياً علي الأسرار لتفشيها ،،
وفي ذات يوم ..
خاطبها فكرها الأسود ،
من أين لبركة بهذا الخير كله ؟؟
فأختبأت حتي العتمة ..
بجوار الدار عند جذع شجرة ،،
فرأت..
شيخ الجامع محمود ..
يتلفت يميناً ويساراً ليطمأن ،،
أن الطريق لدار العمة أمن ، و خالي من المارة ،
وأشار علي عجل ..
لزوجته عطاء أن تسرع ، وبدت خائفة أن يراها أحد ، تخفي وجهها ، تحمل الطعام علي رأسها في مشنة ، مغطاه بمنديل ،،
قالت سويداء ..
والله لأفضحن الأمر ،،
فجأة..
ظهرت من خلفها الجارة «حنة» وادركت نواياها .. وما تنوي صنيعه
امسكت..
بها وأوجعتها ضرباً وكانت حنة ممتلئة الجسد ..
قالت :والله أن أعدتي صنيعك أو أسأت للعمة بركة لأقعدن عليك حتي أسويك أرضاً ،،
فقامت «سويداء» مسرعة ..
وأغلقت عليها دارها وهي تردد لا .. لا .. لن أكررها ،،
أشارت حنة .. لعطاء أن تسرع وتدخل حِمْلِهَا ،،
دخلت علي عجل أطعمت العمة ووضعت قبلة علي رأسها ونظفت الدار وتركت لها ما يكفيها ..
كانت بركة ترفع يداها ..
وتدعو اللهم زد عطاء ومحمود عطاء فوق العطاء ،،
وفى ذاااات يوم ..
لم تجلس العمة علي باب الدار !! كعادتها ..
ففتحوا النسوة باب الدار ، فوجدوها ملقاه علي الأرض ،
فأسرعوا بنقلها لمشفى قريب ، وعندما أستردت وعيها ، طلبت ان تتحدث مع الشيخ محمود ، فجاء علي عجل ،
قالت ..
ادام الله عليك الخير ، ورزقك البركة ،
فوضع قبلة علي رأسها ..
قالت ..
أسلمك داري أمانة ..
علي أن تجعله دار لتحفيظ القرآن ،،
وفارقت الحياة ..
وبعد أن ودعها أهل الحي لمثواها الأخير ،،
اجتمع ..
الشيخ محمود و سكان الحى ، وهدموا الدار القديمة وبنوا دار جديدة كتبوا عليها
دار «العمة بركة» لتحفيظ القرآن
ورجع الشيخ محمود متعب ..
من يوم شاق ، فجاءته العمة في المنام تبتسم ،،
أبشر ..
وهبك الله بركة ..
فأستيقظ ، مستبشر ، فأخبرته زوجته أنها حامل ، بعد انتظار دام عشرة أعوام دون أمل ،
فسجد لله وحمده ، وقال سأسميها بركة ، فتبسمت عطاء ، وأشرق وجهها ،،
وقالت .. نعم حبيبتي بركة .
“أحسن يحسن الله إليك ” .
قال تعالي :
{ هَلۡ جَزَآءُ ٱلۡإِحۡسَٰنِ إِلَّا ٱلۡإِحۡسَٰنُ }

زر الذهاب إلى الأعلى