ممنوع من العرض+18 (مقال حصري ومعلومات تُنشر للمرة الأولى)

سعيد جويد
لا يختلف إثنان على ما للأعمال الدرامية –ولا سيما السينمائية- من تأثير قوي وإمكانيات مبهرة قادرة على تشكيل وعي الأمم والشعوب سواء بالسلب أو بالإيجاب مما يحمّل وزارة الثقافة والجهات المختصة مسئولية كبيرة فيما يخص ضرورة البحث عن الموهوبين والمثقفين-وهم كثُر- ودعمهم وتدريبهم سعيا من أجل تأهيل وإعداد كوادر جديدة خاصة في مجال التأليف والإبداع، والتصدي للفساد والمجاملات والمحسوبيات ووضع الأكفاء من المثقفين والمؤهلين أكاديميا وعلميا في مكانهم الطبيعي في صدارة المشهد وصناعة القرار، أمّا اجهزة الرقابة على المصنفات الفنية فلابد أن تحرص على تقييم ما يقدم من أعمال فنية تقيما موضوعيا وفقا لمعايير الجودة والمواثيق الأخلاقية التي تليق بمجتمعاتنا الشرقية الأصيلة وفلترة وفرز واستبعاد الأعمال السطحية غير الهادفة أو الدراما الهابطة التي تفسد الذوق العام، وتعمل على تدمير المجتمع فكريا وأخلاقيا وثقافيا والجدير بالذكر في هذا الصدد أنّ صنّاع السينما في الماضي كانوا لحد كبير يتوجسون خيفة من عدم تمرير أفلامهم ومنعها من العرض لأبسط الأسباب بالرغم من وجود قامات فنية كبيرة أنذاك في كافة المجالات الفنية، -ولا سيما في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي- حين منعت الرقابة عرض الكثير من الأفلام السينمائية رفيعة المستوى الفني لمجرد وجود كلمة أو جملة غير لائقة في الحوار أو مشاهد مخلة في السيناريو، ويكفي حالة الجدل والضجة التي أثيرت بين النقاد وقتئذ –على سبيل المثال-بسبب جملة مثل “يا ابن الكلب” قالتها ممثلة كبيرة مثل “فاتن حمامة” في نهاية فيلم “أريد حلا” وذلك بالرغم من أهمية الفيلم الفنية ودوره الرئيسي-كما هو معروف- في تغيير قانون الأحوال الشخصية.
أفلام مصرية منعتها الرقابة والسبب مشاهد جنسية تجاوزت الخطوط الحمراء
 “أبي فوق الشجرة”
الفيلم إنتاج شركة صوت الفن عام 1969 والإخراج للمخرج المعروف حسين كمال- وكان وقتها في بداياته، وقصة وسيناريو وحوار “إحسان عبد القدوس”، وقام بالبطولة “عبد الحليم” بالإشتراك مع “نادية لطفي” و”ميرفت أمين”؛ حقق الفيلم إيرادات قياسية، لكن الرقابة صنفته “للكبار فقط”، ومنعت عرضه على شاشات التلفاز، نظراً لما يحتويه من قبلات ومشاهد ساخنة، وهذا من وجهة نظري الشخصية من السلبيات التي تؤخد على الفيلم وعلى القائمين على العمل فيه لعدم حاجتهم لهذه الأساليب المبتذلة سعيا وراء تسويق الفيلم و تحقيق مكاسب مادية كبيرة بدلا من الاعتماد على مقومات فنية مشروعة ومقبولة اجتماعيا وأخلاقيا مثل موهبة “حليم” وعذوبة ألحان بليغ والموجي ومنير مراد ومحمد عبد الوهاب(منتج الفيلم) وبلاغة أشعار الأبنودي ومرسي جميل عزيز.
أوجه التشابه والاختلاف بين “البنات والصيف” و “أبي فوق الشجرة ”
قصة إحسان عبد القدوس” في فيلم “أبي فوق الشجرة ” تشبه لحد كبير قصته في فيلم “البنات والصيف”(القصة الثالثة) الذي قام “حليم” أيضا ببطولته حيث قام “إحسان” في الفيلمين بتسليط الضوء على الخيط الرفيع بين الحب العذري وما فيه من مشاعر سامية وبين الرغبة التي لا تعرف سوى الأنانية والتملك والشهوات الحيوانية.
لم يحقق فيلم البنات والصيف نفس المكاسب المادية والإيرادات الخيالية التي حققها أبي فوق الشجرة، إلا أنّ معالجة “فطين عبد الوهاب” مخرج “البنات والصيف” -القصة الثالثة- تفوقت على معالجة “حسين كمال” مخرج “أبي فوق الشجرة” من ناحية نجاحها في التعبير الصادق عن رؤية المؤلف وتجسيد فكرة تناولها إحسان –كما تناولها قبله الكثيرون من الكتّاب والأدباء العالميين- وهي فكرة الفرق الكبير بين الحب الطاهر النقي وما فيه من تضحية وإنكار الذات وبين الشهوات الحيوانية والعلاقات الجنسية العابرة التي لا تستهدف سوى المتعة الرخيصة التي قد تصل في بعض الأحيان إلى السادية والماسوشية وتلذذ طرف من طرفي العلاقة بامتهان كرامة الطرف الأخر ، الفكرة التي تناولها “إحسان” أيضا بالتفصيل في قصته المعروفة “النظارة السوداء” والتي تحولت لفيلم سينمائي يحمل نفس الاسم.
قدم” حليم” في “البنات والصيف” أغنتين رائعتين من ألحان “كمال الطويل” وأشعار “مرسي جميل عزيز”، الأولى أغنية “جواب” وهي أغنية رومانسية جميلة غناها “حليم” في بداية الفيلم للتعبير عن حبه ومشاعره المتدفقة لبطلة الفيلم، وفي نهاية الفيلم شدى بأغنية “راح..راح” للتعبير عن شعوره بالصدمة والخيانة، خيانة خطيبته التي شاهدها بصحبة شاب أخر داخل سيارة مرت من أمامه ، وساعدت كلمات هذه الأغنية ولحنها ومشهد الغروب الرائع- المعبر عن غروب شمس علاقته العاطفية- على خلق أجواء رومانسية حالمة افتقدها المشاهد كثيرا في فيلم “حسين كمال” “أبي فوق الشجرة” ومعالجته السينمائية التي اعتمدت لحد كبير على الألوان الطبيعية -المبهرة وقتها- خاصة في مشهد الشمسيات وألوانها المبهجة في أغنية “قاضي البلاج” ومشهد القمر والنجوم المضيئة في أغنية “يا خلي القلب” بالإضافة إلى التركيز على مشاهد الجنس وغرف النوم الحمراء –مستهدفا إثارة غرائز الجمهور- مشاهد تتنافى مع رؤية المؤلف التي تحدثت عنها أنفا.
“أعز الناس” أغنية رومانسية حذفها المونتير
سبب الفشل الذريع لفيلم “المستحيل” أزمة نفسية لمخرجه “حسين كمال” -وكان أول أفلامه- نتيجة لاعتماده على رموز ومعاني تجريدية لم يفهمها الجمهور مما دفعه إلى تغيير مساره الفني مائة وثمانين درجة في فيلمه التالي “أبي فوق الشجرة” حيث استهدفت صناعة الفيلم بالدرجة الأولى شباك التذاكر وحصد الإيرادات الخيالية من خلال الاعتماد على مشاهد الجنس والقبلات كما أشرت مسبقا، وأكبر دليل على صحة كلامي هو قيام “حسين كمال” بحذف أغنية “أعز الناس حبايبنا” -وهي من أروع أغاني حليم- بعد تصويرها وذلك لطول مدة الفيلم- وهذه معلومة أكدها حليم نفسه في حديث إذاعي كما أكدتها بطلة الفيلم “ميرفت أمين”- ولم يفكر المخرج وقتها في حذف مشاهد الجنس والقبلات والرقصات -بدلا من حذف أغنية تعبر عن رؤية المؤلف تعبيرا راقيا صادقا- والاستعاضة عن المشاهد المخلة بالرمز والتلميح لاختصار مدة الفيلم كما يقول، ومن ثم لم ينجح الفيلم في ترجمة فلسفة العمل الأدبي المأخوذ عنه ولم يحقق الهدف المرجو منه حيث استحوذت مشاهد الجنس والإثارة على انتباه الجمهور ووجدانه وظلت هي دون غيرها العالقة بذهن المشاهد وقت خروجه من دور العرض، وهذا خطأ جسيم ومسئولية يتحملها المخرج من ناحية وجهاز الرقابة على المصنفات الفنية من ناحية أخرى الذي أجاز عرض الفيلم بدون حذف، واكتفى وقتها بعرضه للكبار فقط ومنع عرضه على شاشة التلفاز، وللحديث بقية بمشيئة الله في المقال القادم، انتظروني.

زر الذهاب إلى الأعلى