قوة الطفره الجديده

بقلم : على امبابى

من الطفرات المستمرة بجدية بعد 2011، تلميع ثقافة العشوائيات أو ثقافة التوكتوك “الصغير، الرخيص، السريع، غير المقنن، سبوبة الغلابة، وحش العشوائيات” كتطور انسيابى دامج لثقافة الميكروباص والعشوائيات، التى بزغت فى نهاية السبعينيات. ومن هذه الثقافة تفجرت روافد مُخدرة تساعد سائقيه وركابه وجيرانه على مواجهة قسوة واقع يناضل ليحتفظ بوجوده.

تغير وطفو مفهوم القوة النازح من قاع ثقافة العشوائيات، قادنا لظاهرة تمكين التمرد على القديم، القوالب، الأنماط، الآداب، التقاليد. وتدريجيا فرضت طفرة ثقافة التوكتوك نفسها على الفكر والكلمة واللحن والشكل والسلوك والأداء، بالأغنية والفيلم والبرنامج والمقال والكتاب والملعب والشارع، وهو ما تكفل معه الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى بتوصيل قوة الطفرة الجديدة، لحواس الوعى الجمعى الجمالى المصري! لتكون المحصلة جيلا جديدا يستعر بكتب ملوثة، مقالات مُهجنة، أغانٍ مزرية، أفلام محبطة، سلوكيات متمردة، معاملات متدنية بالعلاقات الاجتماعية.

المشكلة المعاصرة، تدرج اغتيال الوعى الجمعى الجمالى للمجتمع المصرى بيد أهله، باستخدام أسلحة فائقة التطور غير مقننة أو معاقب عليها، بإساءة استخدام حق الإبداع وحرية التعبير والإعلام، فعندما نجح مثقفو التوكتوك بتأسيس ثقافة موازية بالفن الرمادي، وإرضاعه للمجتمع باستخدام الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ترسيخه كقوة ناعمة تتغلغل بعقلنا الباطن، لنتبنى صورا ذهنية جديدة لسلبيات مفجعة نشربها، تحت عنوان الإبداع واستحداث معايير جديدة للجمال، تفاقمت وكافأها الإعلام بفرصة الظهور وفرض نفسها بالأثير.

النتيجة الحقيقية، ظهور جيل جديد يتنامى بشراسة من صغار البلطجية، مشاريع مجرمين، وبذور فاسدين، وتقاوى غافلين لتنجح ثقافة التوكتوك بالصعود على أكتاف أجيال من الخبرات والعقول والمواهب والتقاليد، برؤية لا تستهدف الهدف الكسب المالى السريع، بل القدرة على التأثير بالآخرين وقيادة القطيع نحو التهيئه لمجتمع قوة العشوائية وعشوائية قوة ممنهجة للتخريب وليس البناء، لقتل الوعى الجمعى الجمالى المصرى ولو بغير وعى أو قصد، قتل الجمال هو أول خطوة لسقوط القيم والاحترام والانضباط والذوق، وبالتبعية سقوط الوعى الجمعى العام عن طريق التمرد والتطرف والانتقام والتدمير، ليسيطر فكر الجزر المنفصلة تدريجيا، على ثقافة التعايش والسماح والتوازن والقبول.

post

وليس أدل على ذلك، من معاصرة مصر حاليا لأزمات مفجعة لبعض منتجات الثقافة التوكتوكية لبعض نجوم السينما ومغنى المهرجانات وأصحاب الأقلام، المعبرين عن واقع حقيقى حجمه أخطر من الظاهر المُشجع لباقى القطيع ـ ومع ذلك فتباين رد فعل بعض اطياف المجتمع الرسمية والخاصة، يلزمنا بالاعتراف بقوة هذه الثقافة ومنتجاتها، لفرض نفسها على الوعى الجمالى المصري، والنجاح التدريجى بمسخه وتدميره لدرجة القتل المباح.

قانونا لا جريمة ولا عقاب إلا بنص، لكن الجارى الآن نوع من القتل المباح! بل إن بعض ردود أفعال الرسميين بتبنى بعض هذه المنتجات أو تشجيعها أو الدفاع عنها تحت أى مبرر، إنما هو نوع من الدعوة لتقنين هذا القتل! وفى المقابل فإن توجهات العديد من حملات المقاطعة والتأديب والعزل، ما قد يرقى لمحاولات تقنين قتل الإبداع “باعتبار منتجات الطفرة التوكتوكية تتضمن عناصر العمل الفني، بغض النظر عن الجودة”، ليتنوع الصراع بين الحق بالإبداع وبين جودة المحتوى وأداء مقدمه، المتراوح بين التمرد والتبجح والفجاجة والإفساد.

عندما تدمر مفاهيم ومعانى الجمال فأنت تدمر طفل وجيل المستقبل الذى سينشأ معتاد البذاءة، وعادية زنا المحارم والفساد والمخدرات وسهولة الكسب، لينقلب النصب لشطارة والبلطجة لإثبات وجود والقتل كدفاع للبقاء.

غير مقبول المجادلة بأنها مرحلة وستنتهى أو أن الفن الجيد يفرض نفسه أو دعهم يكملوا والمجتمع سيلفظهم لاحقا، فالمشروع بدأ وممتد ومستثمر فيه أموال وعقول وجهود بذكاء خارق! ولكننا بصدد واقع نرفض استبصاره، ونضيع بتفاصيله بدلا من استكشاف إطاره.

تقنين قتل الوعى الجمعى الجمالى المصري، أطروحة جديرة بالبحث والمناقشة، توصلا لسؤال بسيط جدا

من هو القاتل وماذا نحتاج لوقف نزيف مشاعر وغضب وتدمير جمال المصريين وتعاطفهم على يد الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي؟

كيف يعى القتيل المضرج بدمائه الملونة والمنغمة والمحرفة، بأن الوقت لم يمت بعد لرفع راية الإفاقة أو طلب الإنقاذ؟

متى يعلم أصحاب القلم بأن يوما ما وقريبا جدا سينقلب السحر على الساحر، وأن هندسة وتعمير وتطوير وتنمية الإنسان وجمالياته، لا تقل أهمية عن جماليات الأرض التى يمشى عليه

زر الذهاب إلى الأعلى