بقلم / دكتور احمد الحلواني
باحث في الشريعة الاسلامية
حين نلفظ هذه اللفظة (مَلَكُوتُ ) وحين نسمعها نجد لها وقع مُميَّز، وجمال في ملفوظيتها ، ليس المُلك فقط، بل {مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }
لقد تكرَّرت لفظة ( مَلَكُوتُ ) في كتاب الله العزيز أربع مرات فقط، أولها في سورة الأنعام {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} ، و في سورة الأعراف، {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} ثم في سورة (المُؤمِنون)
{قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }
إذا فهناك {مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } وهناك ملكوت السماوات والأرض: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }
{ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} ، في المرتين الأوليين ملكوت السموات والأرض، أي في الأنعام والأعراف، في المرتين الأُخريين {مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } {قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ }
والرابعة والاخيرة { فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } من سورة يس.
إذا ما هو الملكوت؟
فالملكوت مصدر , لكنه مصدر فيه معنى المُبالَغة، تشعر لأنه فيه زيادة في المبنى بزيادة في المعنى، مُلك وملكوت! وهذا المصدر على وزن فعلوت هو قليل جداً، ألفاظه قليلة، ولذلك اقتصرت موارده على ألفاظ معدودة تُعَد، فمنه الملكوت، ومنه الجبروت، ومنه الرهبوت ، ومنه الرغبوت، والعرب كانت تقول رهبوت خيرٌ من رغبوت ، لئن تُرهَب خيرٌ من أن تُرغَب أو يُرغَب فيك، والجبروت واضحة ، والملكوت في كتاب الله في أربعة مواضع.
حين تُفكِّر وتُقابِل بين المُلك والملكوت تجد أن المُلك بلا شك مُنضَمٌ مُحتوىً مشمولٌ في الملكوت، لا ملكوت بغير مُلك ، لكن المُلك ليس هو الملكوت، لا يُعادِله.
فقد جاء في كتاب الله – تبارك وتعالى – الله يُؤتي المُلك مَن شاء، {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} ، {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء} وهناك ملوك في الأرض.
لكن ولا مرة ورد أنه يُؤتي الملكوت ، الملكوت هو أن يملك الله – تبارك وتعالى – أن يكون المُلك بيده ، {بِيَدِهِ الْمُلْكُ } ، وكما نقول في الأذكار والتسبيحات، فهو تعبير قرآني مُضافاً إليه التحكم والتسيير في هذا المُلك , المُهندِس يصنع بيتاً ثم يتركه ، لا يملكه وإن ملكه لا يستطيع أن يتحكَّم في مصيره ، لكن صاحب الملكوت – لا إله إلا هو – يملك المُلك زائداً التحكم فيه ، التحكم فيه والسيطرة عليه بقوانينه ، وهذا معنى أنه {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} .
فاللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً، اهدِنا لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي مَن تشاء إلى صراط مُستقيم. اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المُنكَرات، وحُب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضنا إليك غير مفتونين، برحمتك يا أرحم الراحمين.