عصفورة الجنة سلوى حجازي “

د.سحر السيد 

” تنبأت لي قارئة الفنجان بالشهرة ولم أكن بعد معروفة للناس.. لماذا لم أسألها في أي أرض أموت؟!.. إن الإنسان في حقيقته ضعيف مهما تجبر!».

كلمات كتبتها مذيعة التليفزيون المصري والشاعرة سلوى حجازي في إحدى أوراقها، حيث كانت تشعر أنها تنتظرها نهاية مأساوية، وهو ما حدث بالفعل في عام ١٩٧٣.

 

سلوى حجازي هي إعلامية مصرية جمعت بين الثقافة والجمال والبساطة والتلقائية فملكت قلوب الجميع لا سيما قلوب الأطفال، كانت رمزاً للجمال والشياكة واللباقة، واشتهرت بقدرتها على محاورة رموز الفن في الزمن الجميل، ومنهم أم كلثوم ونجاة الصغيرة وبديع خيرى ونزار قباني وغيرهم، ولها عدد من البرامج التليفزيونية المتميزة، ومثلما تميزت إعلامياً فإنها تميزت أيضاً في الأدب كما جرى تكريم اسمها وشعرها في فرنسا عام 2003، وقد كرمتها أكاديمية الشعر الفرنسية وحصلت منها على الميدالية الذهبية مسابقة الشعر الفرنسي الدولي.

post

 

ولدت الإعلامية سلوى حجازي في 1 يناير عام 1933 وهي من مواليد بورسعيد، وظلت تتنقل بين المحافظات المصرية بسبب عمل والدها في السلك القضائي، درست سلوي حجازي في مدرسة الليسيه الفرنسية، وهي من أوائل خريجي المعهد العالي للنقد الفني، وكانت من جيل الرواد الذين بدأوا العمل في التليفزيون المصري في بداية أرساله سنة 1960، وقدمت العديد من البرامج الناجحة خلال13 سنة قضتها في العمل التليفزيوني، تزوجت سلوى حجازي من القاضي محمود شريف رئيس المحكمة بمكتب المدعي العام لاشتراكي، الذي كان أحد أبطال النادي الأهلي في لعبة الجمباز، وكانت سلوى حجازي أيضا من بطلات الجمباز والباتيناج في النادي الأهلي، وأنجبت منه رضوى ومحمد وآسر وهاني، قامت سلوى حجازي بتقديم العديد من البرامج الرائعة، لا سيما برامج الأطفال مثل «عصافير الجنة» الذى التف حوله ملايين الأطفال واعتبروا “ماما سلوي” أمهم الحنونة، وحققت بتقديمه أمنية ظلت تداعب أحلامها التليفزيونية منذ اللحظة الأولي لعملها، والذى نال شهرة واسعة وكان من أحب البرامج إلى قلبها، كما نشرت كتاباً بعنوان “حكايات ماما سلوى” لأنها كانت لديها موهبة في سرد الحكايات والربط بين الخيال والواقع خصوصاً أنها كانت تخاطب أطفالاً عمرهم ما بين 3 و10 سنوات فحصلت على حب الأطفال، وكان من أهم برامجها أيضاً برنامج «شريط تسجيل» الذى حقق نجاحاً كبيراً لأنه يعتبر من البرامج الثرية جداً، فكانت تستضيف ضيفاً كبيراً في مجاله وهو الذى يختار الضيوف الذين معه، وأيضاً برنامج «تحت الشمس» من البرامج التي لاقت نجاحاً كبيراً وجعلتها تقترب من الناس لأنه كان عبارة عن تصوير خارجي في الشارع مع الناس، كما بدأت سلوى حجازي عملها في إذاعة الرياض، ثم انتقلت للعمل كمذيعة تتحدث بالفرنسية مع بداية إرسال التليفزيون المصري عام 1960، وكانت تكتب أشعارً باللغة الفرنسية مستوحاه من الطبيعة، وأصدرت أربعة دواوين «أيام بلا نهاية و سماح و إطلالة و ظلال وأضواء»، وقد ترجم أحمد رامي شعرها إلى اللغة العربية لكى يصل لكل الناس لأنه مليء بأحاسيس جميله، وقال عنها «كأنك عصفورة فوق غصن شجر» وأيضا كامل الشناوي ترجم شعرها بالإضافة إلى صالح جودت، والي جانب تألقها في عملها الإعلامي وكتابة الأشعار والقصص فقد كانت متعددة المواهب.

 

وبالإضافة لذلك فقد كانت وسيطة بين المخابرات العامة المصرية وعملائها في الخارج بعد نكسة ١٩٦٧، فقد نفذت العديد من المهام والعمليات المخابراتية الخطيرة في أوروبا وأمريكا وروسيا، حيث كانت حلقة الوصل الذهبية بين جهاز المخابرات العامة المصرية وعملائها في الخارج، وقامت بتوصيل رسائل وتعليمات عديدة من المخابرات العامة المصرية إلى عملائنا في أوروبا وأمريكا وروسيا، واستلمت العديد من الرسائل السرية والمعلومات والخرائط الخطيرة من عملائنا في الخارج وتسليمها إلى القاهرة للمخابرات العامة المصرية، وآخر مهمة لها كانت استلام ميكروفيلم ورسومات تخطيطية لتحركات الجيش الإسرائيلي ومواقع الرادارات الإسرائيلية في سيناء، وفي رحلة العودة من ليبيا انطلقت طائرة حربية إسرائيلية لتعترض الخط الملاحي الجوي بين مصر وليبيا، وبالفعل قامت الطائرة الحربية الإسرائيلية بإطلاق صاروخ على الطائرة المدنية التي تستقلها سلوى حجازي، فقتلت كل من كان عليها ، ونجا خمسة أشخاص فقط بينهم مساعد الطيار، حيث أجبرت عاصفة ترابية شديدة الطائرة للانحراف عن مسارها ودخول المجال الجوي لسيناء “الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي في ذلك الوقت” وبينما كان قائد الطائرة يريد أن يعدل مساره ليعود للقاهرة، إذا بطائرات الجيش الإسرائيلي الفانتوم تضرب خزانات الوقود للطائرة الليبية وتسقطها على أرض سيناء، وكان على متن الطائرة أكثر من 100 راكب من مصر وليبيا غير طاقم الطائرة الفرنسي الجنسية، وكان بين راكبي الطائرة “صالح بو يصير” وزير خارجية ليبيا والمخرج التليفزيوني المصري “عواد مصطفى” والمذيعة الشهيرة “سلوى حجازي”، وكما زعمت إسرائيل أن الطائرة كانت تحمل أجهزة تصوير فوق منطقة عسكرية، وأنهم حذروا الطيار الذي لم يستجب للتحذير فأسقطوها، ورغم ثبوت كذبهم بعد ذلك إلا أن القضايا التي رفعت للمطالبة بالتعويض لأسر الضحايا كان مصيرها الرفض، وقد منح الرئيس السادات الراحلة سلوى حجازي بعد مصرعها وسام العمل من الدرجة الثانية باعتبارها من شهداء الوطن وكرمها الرئيس حسنى مبارك بمنحها وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، وغابت للابد الابتسامة الجميلة التي كانت تريح النفس علي الشاشة الصغيرة، وفقد الأطفال ماما سلوى التي كانت أما لكل الأطفال، هذه السيدة صاحبة الفضل الأول في تدمير رادارات إسرائيل في سيناء شهيدة الوطنية والتي تركت وصيتها قبل سفرها لليبيا لأبنائها، وكانت تعلم أنها لن تعود إلي مصر ألا أشلاء ودونت فيها، ” لعل تكون هذه أخر كلمات لي بينكم ابلغوا عني من عاش لنفسه مات بلا اثر يذكر له وستقص لكم عني الأيام اني عشت لوطني فلا تتعجبوا ستعلموا يوما أن ما اتخذته من قرار افضل لي عند الله تجاه وطني مصر وأهله وسيأتي يوما تفتخروا بأمكم ليس كمذيعة أنما كمناضلة واشتركت بحرب اعلم باني لن أكون بينكم لاري فيها صنيع عملي وبلغو أهلي من المصرين أن لم أعود فإسرائيل قد اغتالتني لانهم خلفي من روما لمصر وساجدهم خلفي بليبيا فان استشهدت فلا تحزنوا وافتخروا باني تركت لكم اثر طيب تفتخروا به فلا تلوموني وادعو لي بالرحمة”.

 

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى