لا أبرح حتى ابلغ

الداعيه الاسلامية. سلوى النجار

هو عنوان لصاحب كل هدفٍ يُريده، لصاحبِ كلِ مشروعٍ أو طريق يشقه حتى يبلغ، والعبرة أن تبدأ بقوة، لا تنظر إلى طول الطريق، ولكن انظر إلى الهدف فان كان ساميًا ، فلا بد له من بداية محرقة حتى تكون النهاية مشرقة.
ومعنى هذا أنّ الأخذ بالقوة في العمل من البداية بالجد والمثابرة والاستمرار في المحاولة والبقاء عليها دهراً، حتما ستجني فتوحاً عظيمة وإشراقات منيرة.
وهذا نبي الله موسى عليه السلام لمّا تبين له أنّ هناك من هو أعلم منه، عزم على السير إليه، قال تعالى: {وإذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف:60] , أي: لا أبرح السير. وقيل : لا أبرح لا أفارقك.
فهو يخبر أنه مستعد للاستمرار في السير لطلب العلم حتى يصل إلى غايته، أويظل يسير ولو لسنين {حُقُبًا} حتى يصل إلى العلم النفيس.
وفي هذا من الفقه رحلة العالم في طلب العلم، والاستعانة على ذلك بالخادم والصاحب، واغتنام لقاء الفضلاء وإن بعدت أقطارهم، وذلك كان من دأب السلف الصالح ، وبسبب ذلك وصل المرتحلون إلى الحظ الراجح، والسعي الناجح، فرسخت لهم في العلوم أقدام، وصح لهم من الأجر والفضل أفضل الأقسام، قال البخاري: ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث.
لذا فإن طلاب المعالي دائماً على مراكب الجد والهمة لا يتوانون ولا يتكاسلون وإن أجهدهم السير أو تراكمت في طرقهم العوائق، همهم الصعود إلى نجوم السماء بحثاً عن الحقيقة، أو إسهامًا في تقدم البشرية. يقول المتنبي :
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
والعزم على الجهد وبذله لا ينبغي أن يمنعه مانع أو يقطعه قاطع، مهما تكلف الأمر من جهد وعزم؛ لأن السالك في الطريق أمامه مفاجآت وقد يصل إلى أعظم مما تمنى، فلا يركن إلى الكسل؛ فيفوته ما تمنى وربما يضطر الى البداية من جديد.
والبدايات القوية مهمة؛ ولكن استمرار الهمة أهم؛ فأحب الأعمال إلى الله أدومها.
ولا يكون مثل هذا الذي أضناه الطريق فتولى ورجع على عقبيه.
فهذا الذي ينقطع دائما مع أي عارض؛ قال الله فيه: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّىٰ؛ وَأَعْطَىٰ قَلِيلًا وَأَكْدَىٰ} [النجم:33-34]. هذا كان على الطريق ثم تولى ولم يكمل لسببين: الأول: ضعف البداية {أَعْطَىٰ قَلِيلًا} تدبر كلمة قليلًا عطاءً ضعيفاً من البداية . الثاني: عدم مجاهدة النفس على الاستمرار عند العوارض{أَكْدَىٰ}ومعنى أكدى: توقف لما بلغ الكدية، أي المشقة والجهد البالغ.
فاثبت أيها الطالب الباحث العالم فما يثبت وسط الأعاصير إلا الجبال الشوامخ، ولو لم يثبت الصحابة على طريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما وصل الإسلام إلينا وإلى العالم كله. فانظر ماذا قدمت؟ وماذا تستطيع أن تقدم؟

زر الذهاب إلى الأعلى