-د.سحر السيد. تكتب علم بلا دين أم دين بلا علم

لقد طرأت تغيرات هائلة علي المجتمع في القرنين الماضيين, فمع تطور العلوم والتكنولوجيا, قد تغيرت حياتنا اليومية بشكل كبير, ومن الأفكار التي تشكلت حديثاً أنه كلما اكتسبت العلوم والتكنولوجيا أهمية في حياتنا تراجعت أهمية الدين وأندثر مع الوقت. فمما لا شك فيه أن إشكالية العلاقة بين العلم والدين من الإشكاليات الفكرية المعقدة والصعبة والتي دار حولها نقاش وجدال شاق ومعقد، فالبعض ذهب إلي أن أساس هذه الإشكالية أو الصراع بين الدين والعلم سببها جهل رعاة العلم بالدين وجهل دعاة الدين بالعلم. فعندما كان البشر يعرفون القليل عن العالم المادي من حولهم وعن أنفسهم وطبيعة جسدهم, لم يكن الناس يفكرون بشكل منطقي لتفسير ما يحدث من ظواهر حولهم, ولذلك كانوا يؤمنون كثيراً بالقصص والحكايات والتي غالباً كانت ممزوجة بالخرافات والأساطير. ومع تزايد المعرفة الإنسانية واكتشاف الحقائق العلمية التي قدمت لهم تفسيرات يقبلها العقل نشأت العلمانية المادية. فعلي سبيل المثال كان الناس قديماً يعتبرون أن البرق والرعد هو فعل من أفعال الآلهة وكانوا يرتعبون ويعتبرون أن الإلهة تعاقبهم, ولكن الأن مع تقدم العلم عرفنا أن البرق هو تفريغ الكهرباء الساكنة, وان الرعد هو الأثر الصوتي لهذا التفريغ, وهكذا أزالت المعرفة الغموض عن العالم, ومنحنا العلم سبل فهم أسباب المشكلات وكيفية حلها. وكلما زاد تطور العلوم والتكنولوجيا تمكن البشر من تفسير الظواهر التي تحدث في حياتنا والتحكم بها, وكما اعتقد الكثير من العلمانيين انه لا مكان للدين مع تطور المجتمع وان العلم وحده سوف يهيمن على الحياة دون الحاجة للتدرع إلي أي قوة غيبية أو إلهيه, وان دور الدين سيقل ويندثر. فقد تنبئا بعض العلماء منذ حوالي خمسين عام بأن الدول المتقدمة علمياً كدولة أمريكا الشمالية وأوروبا ستصبح دول علمانية بالكامل, وان الناس ستبتعد عن الدين, وسوف تصبح معتقدات الناس عن العالم الطبيعي وعن أنفسهم معتقدات علمية بحتة, ولكن حدث العكس تماما ولم تستطع العلمانية مواصلة المسيرة العالمية على هذا الكوكب كما كان متوقعاً, فعلى سبيل المثال إيران والهند وإسرائيل والجزائر وتركيا، إما غيّرت حكوماتها العلمانية إلى حكومات دينية أو شهدت صعود الحركات القومية الدينية, وفي أمريكا و أوروبا كلما ازدهرت العلوم والتكنولوجيا أزداد التوجه للدين, وقد زاد أعداد المنتمين للكنيسة الإنجيلية عشرة أضعاف حجمها في سنة 2000, وكذلك أعداد المسلمين. ووفقاً للإحصائيات تعتبر أمريكا هي أكثر بلدان العالم تديناً, حيث يعرف حوالي 76% من سكانها أنفسهم علي أنهم مسيحيون, ويعتبرون أن للدين أهمية كبيرة في حياتهم. وهناك بعض الأسباب وراء فشل نظرية أن العلم سيحل محل الدين, فعندما يتوجه الناس بالاستغاثة والتقرب من الله, فأنهم يفعلون ذلك لانهم يعلمون أن الله يسبب كل هذه الأشياء بشكل غير مباشر. ولان الله خالق كل شيء, ولم يزال الله من وجهة نظرهم هو السبب المطلق وراء كل الأشياء التي تحدث, كالأمراض والسيول والفيضانات والعديد من الكوارث الطبيعية, فعندما يتوجهون بالدعاء إلي الله من أجل الشفاء أو النجاة, فهذا لأنهم يلتمسون العون من الله بصفته هو الخالق لكل شيء وهو القادر الوحيد علي إيقاف ما يحدث. وهناك سبب أخر يؤكد عدم تقلص دور الدين, وهو أن الدين وظيفته الأساسية تفسير الأمور وإزالة الشك وبناء الهوية الاجتماعية وزرع الأخلاق والترابط بالأماكن المقدسة, وهذه السمات للدين قد تكون عند بعض الأشخاص أكثر قيمة بكثير من تفسير العلم للأمور, وقد تجد بعض الأشخاص يتجاهلون التفاسير التي تقدمها المذاهب الدينية ولكن يظلون مترابطين بدينهم لانهم يقدرون الإحساس الروحاني الذي يقدمه الدين. والحقيقة الواضحة وضوح الشمس والتي لا ينكرها عاقل هي أن العلاقة بين الدين والعلم هي علاقة وطيدة وعلاقة تكامل وتعاون، رغم اختلاف ميدان كل منهما، واختلاف طبيعتهما، فمع ذلك كلاهما يكمل الأخر ويتعاون من اجل الوصول للحقيقة. بل أن الأديان تدعو للعلم وتشجع عليه وتحث الناس علي استخدام عقولهم واستنباط الحقيقة من الكون.

 

 

 

 

post
زر الذهاب إلى الأعلى