خطر الشائعات على المجتمع وموقف الإسلام منها

بقلم: ا.د / عطية لاشين أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر وعضو لجنة الفتوى بالأزهر

الشائعات مفهومها أنواعها الهدف من إثارتها سبب انتشارها مضارها وعلاج الاسلام لها

المسلم الحق لا يقول الا صدقا ولا ينطق الا بالحق ولا ينشر شيئا أو يذيع امرا إلا إذا تحقق فيما يذيعه أمران : الأول : أن يكون نافعاً للأمة.

 

الثاني : أن يتثبت تثبتا يجعل الامر الذي ينقله بلغ مبلغ اليقين وليس مرتبة الشك والاحتمال وعليه فشخصية من يبلغه محل اعتبار فإذا كان محل ثقة عند الجميع وتأكد من قطعية هذا الخبر وحصوله على جهه اليقين فإذا كان في نقله إلى الغير والتحديث به خير للأمة فعل ذلك وإلا عليه ألا يساهم في نشره وإلا تحمل عاقبة ذلك وكان مشاركا في الآثار السلبيه المترتبة على ذلك ولقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلم من التحديث وإشاعته ونقل كل ما يسمع فقال صلى الله عليه وسلم :”كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما يسمع” ، ومن قبل ذلك أمرنا القرآن من التثبت من يقينية الأخبار قبل إذاعتها وإشاعتها بين الناس فقال سبحانه وتعالى 🙁 يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسكم بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهاله فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).

 

 هذه مقدمة للموضوع وتمهيد له قبل البدء في بيان عناصره 

واما عناصره فهي على النحو الآتي :

 

  أولا : مفهوم الشائعة :

الشائعة أو الإشاعة هي: خبر أو مجموعه أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع ويتداولها العامة فيما بينهم على ظن منهم أنها صحيحة والشائعة تعتمد على الإثارة والتشويق أي كونها شيقة وتثير فضول الباحثين والمجتمع وغالباً ما تفتقد إلى المصداقية والمنهجية أي تفتقد إلى الدليل الذي يفيد صحتها وتمثل نسبه كبيرة من المعلومات التي يتفاعل معها الناس٠

 

 ثانياً : الهدف من إثارتها :

لإثارة الشائعات أهداف ومأرب تتنوع هذه الأهداف بتنوع مبتغيات مثيريها ، وهذه الأهداف ما يلي :

منها ما يكون الغرض منه ربحيا كترويج إشاعة لسلعة معينة بأنها على وشك نفادها من الأسواق حتى يثيروا لعاب الناس إلى الإقدام على شرائها أو كترويج شائعة أن الأسعار على وشك ارتفاعها حتى يقبل الناس على شراء السلع قبل ارتفاع سعرها خاصه إذا كانت سلعة ما كاسدة فتأتي الشائعة لترويجها

ومن الإشاعات ما يكون خلفها أهداف سياسية خاصة حينما تكون عن قائد معين حتى يثير البلبلة حول هذه الشخصية وزعزعة ثقة الرأي العام في هذا القائد٠

ومن الأهداف التي تطلق بسببها الشائعات اللعب واللهو وعادة ما تكون حول مشاهير اللاعبين والفنانين مثل إشاعة وفاة لاعب من قبل حساد والحاقدين على هذا اللاعب حتى تقل نجوميته وحتى تنخفض الآثار أو تنخفض الروح المعنوية للفريق الذي أثير حول لاعبه شائعة الوفاة لتتم هزيمته من قبل المنافس ٠

وأخيراً :

من الشائعات ما يتولى كبرها المجتمع بنفسه لجس نبض الشعب والتعرف على الرأي العام لأمر من الأمور ٠

 العنصر الثالث : سبب انتشار الشائعات :

من الأسباب الرئيسة للانتشار السريع والترديد لها بين فئات المجتمع إنعدام المعلومات وقلة الأخبار بالنسبه للأفراد وعلاج هذا السبب القيام بتزويد الشعب أولا بأول بجميع الأخبار التفصيلية والدقيقة الممكنة حتى يتبين أمر هذه الشائعات وتتحقق لديهم كذبها فلا يساهم أحد في إشاعتها ونقلها٠

 

ومن أسباب انتشار الشائعات المجتمعات غير المتعلمة أو الواعية وذلك لسهولة تصديقها لهذه الشائعات دون أن يكلفوا أنفسهم التأكد من صحة ما يرددون وعليه فالمجتمع الجاهل يكون تربى خصبة لانتشار هذه الشائعات حيث تنتشر فيها سريعا سرعه انتشار النار في الهشيم٠

ومن الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الشائعات عدم تعيين المعنيين بالأمر جهازاً تكون مهمته الكشف عن زيف هذه المعلومات وكذب هذه الشائعات٠

وأخيراً من أسباب انتشار الشائعات ظهور وسائل الاتصال الحديثة كالفيس والوتس والتليجرام وغير ذلك من وسائل التواصل الاجتماعي حيث يسمح ذلك بسهولة تداول الشائعى في أقصر جزء من الزمن وربما لا يبلغ الفيمتو من الثانيه بل أقل ٠

 

أنواع الشائعات من حيث سرعه انتشارها :

هناك شائعات تسمى الشائعه الزاحفة ، وهي التي تروج ببطء ويتناقلها الناس همسا وبطريقة سرية بحيث تنتهي في آخر الأمر إلى أن يعرفها الجميع وهي غالبا ما توجه ضد رجال الحكومة والمسؤولين بهدف محاولة تلطيخ سمعتهم ومثلها ايضا الشائعات التي يكون هدفها عرقله أي تقدم اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي كاطلاق شائعات تتنبأ بوقوع أحداث سيئة مستقبلية تمس هذه الموضوعات٠

ومن أنواع الشائعات شائعات العنف ومثل هذه الشائعات تروج للعنف وهي تنتشر في وقت بالغ القصر ومن أمثلة هذا النوع من الشائعات تلك التي تروج عن الحوادث والكوارث أو عن الانتصارات الخارقة أو الهزائم المنكرة في زمن الحرب٠

 

ومن الشائعات ما تسمى بالشائعات الغائصة وهي ما يتم ترويجها أول الأمر ثم تختفي وتغوص تحت السطح ثم تعاود الظهور مره أخرى في الوقت المناسب.

 

خطر الشائعات على المجتمع ٠

 

للشائعات آثار نفسية وحسية بالغة فبمقدورها القضاء على مجتمعات بأسرها إن لم تواجه من قبل المجتمع بمحاربتها وقتلها في مهدها وإماتتها قبل استفحالها فالشائعة تقلب الحقائق وتجعل الخطا صواباً والصواب خطا وقد يقف في صفها بعض وجهاء المجتمع لشيء في نفس يعقوب وتظهر الآثار المدمره للشائعات وقت الحروب وإعمال الشغب والكوارث والكوارث واعمال الشغب والكوارث والأوبئة وما نبأ فيروس كورونا عنا ببعيد الذي يروج له على أنه ظاهرة طبيعيه كونيه بينما ثبت تخليقه وتدخل البشر في وجوده وحقق من وراء ذلك أهدافا طائلة وأرباحا كثيرة وآثاره المدمرة لم يسلم الدين وبيوت الله من هذه الآثار ٠

 العنصر الأخير موقف الدين تجاه الشائعات :

 

بدهي ونحن نتكلم عن موقف الدين من الشائعات أن نتلو قول الله تعالى 🙁 يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبا فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )، حيث نزلت هذه الآية الكريمة في الوليد بن عقبه ابن أبي معيط على أحد الأقوال حينما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق فلما ابصروه أقبلوا نحوه فهابهم فحينما رآهم رجع لتوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بأنهم ارتدوا عن الإسلام ثم يطلق أو يبعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد وأمره أن يتثبت ولا يعجل فانطلق خالد تنفيذا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فاتاهم ليلا فبعث عيونه فلما جاءوا خالد أخبروه أنهم متمسكون بالإسلام وسمعوا بينهم الأذان والصلاة فلما أصبح فلما أصبحوا اتاهم خالد ورأى صحة ما أخبر به فعاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فنزلت هذه الآية فكان يقول نبي الله صلى الله عليه وسلم :” التاني من الله والعجله من الشيطان “، وهذه القصة تحتمل من المعاني والعبر والعظات الكثير حيث لم يتسرع صلى الله عليه وسلم في تصديق ابن أبي معيط في الشائعة التي روجها ضد هؤلاء ولو أنه تسرع لوقعت آثار مدمرة وأجريت أنهار من الدماء بين أمة الإسلام ولحاربهم صلى الله عليه وسلم لكنه لم يفعل ذلك فبعث من يتأكد من صحة هذه الشائعة وثبت كذبها على يدي خالد بن الوليد حينما تأكد من صحة بقائهم على دين الله عز وجل من خلال إقامتهم شعائر الدين وأركان الإسلام وبذلك جنب النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع المسلم من الأرواح التي كانت ستزهق ومن الدماء التي كانت ستراق لو أنه تسرع في تصديق هذه الشائعة ثم إن الآية المباركة وصفت مروج الشائعة بالفسق ولن يزول عنه هذا الوصف إلا إذا ثبت صحة ما أشاعه ونقله بين الناس ٠

هذا والله أعلم

اد عطية لاشين