محمد الناصر عباس: حقيقة البيتكوين والبلوكشاين والوضعية في العالم العربي

بقلم: سمير السبكي

أصبح في الآونة الأخيرة البيتكوين والعملة المشفرة، بصفة عامة، محور الحديث في أوساط الشباب العربي، حيث تعرف هذه العملة بقيمتها العالية، كما كثر الحديث أيضا حول طرق الحصول عليها واستعمالاتها والمتاجرة فيها… لكن كثرت التساؤلات أيضا حول تجريم استعمال هذه العملة الرقمية في البلدان العربية.
ما هي تقنية البلوكشاين؟ ماهو البيتكوين؟ ماهي طرق الحصول عليه؟ ماهو حكمه وتشريعه في الدول العربية؟ كل هذه الأسئلة سيجيبنا عليها في هذا المقال، الأستاذ محمد الناصر عباس، مستشار إداري.
البيتكوين هي عملة رقمية، تم إطلاقها لتسهيل التداول عبر البلوكشاين… بدأ الأمر سنة 2004 حيث تسابقت البنوك التجارية في وول ستريت في منح قروض عقارية (عالية الخطورة) لذوي الدخل المحدود، حيث كانت تقرضهم مبالغ طائلة من أجل شراء المنازل… ثم تهافتت البنوك الاستثمارية على اقتراض مبالغ بمليارات الدولارات من أجل شراء هذه القروض العقارية من البنوك التجارية حتى تقوم بتوريق هذه القروض في البورصة. ثم قامت هذه البنوك بتجميع هذه القروض المتداولة في البورصة وبيعها لبنوك استثمارية اخرى وصناديق استثمار ومستثمرين عبر العالم في شكل لوائح متفاوتة المخاطر… وتقوم البنوك فيما بعد بتسديد قروضها وتحقيق مرابيح سريعة. ( (CDOثم قام المشترون الذين اشترو هذه اللوائح بتأمينها عن طريق بوالص تأمين على هذه المستندات في حال حصول تعسر او تعثر او اي مشكل مالي… (CDS)
لكن ما حصل هو ان اصحاب الدخل المحدود لم يتمكنوا من خلاص الديون فبدأت البنوك بمصادرة المنازل وبيعها فخلق ذلك عرضا أكثر من الطلب وبالتالي انهارت أسعار المنازل. فخلق ذلك ازمة مالية تفاقمت إلى حدود سنة 2008 مسجلة ركودا هو الثاني من نوعه بعد الكساد الكبير في العشرينيات من القرن الماضي.
أدت هذه الأزمة إلى انهيار البورصة وانهيار كل الدول التي كان اقتصادها مربوطا بالاقتصاد الأمريكي… وكانت هذه الأزمة هي السبب وراء ظهور البلوكشاين والبيتكوين.
لقد عزمت مجموعة من الأشخاص لقبوا أنفسهم بـ”ساتوشي ناكاموتو” على تدمير نظام البنوك والغاء هيمنة الدولار الأمريكي على العالم وذلك بعد ان خسروا ثرواتهم بسبب ما اعتبروه بعض “القرارات الخاطئة” للبنوك.
البلوكشاين هو عبارة عن كتاب مالي رقمي موزع، يتكون من سلسلة من السجلات أو الكتل الثابتة من البيانات، تدون فيها المعاملات بين الأشخاص… شبكة البلوكشين مستقلة، ولا تخضع لأيّ سلطة مركزية، لأنها في الأساس سجل مُشترك وغير قابل للتغيير، والمعلومات الموجودة فيها مفتوحة ومُتاحة لأيّ شخص لكي يطّلع عليها. وبالتالي، فإنّ أيّ شيء مبني على البلوكشين هو بطبيعته شفّاف. كما أنّ المعاملات على البلوكشين مجانية وليست لها تكلفة مباشرة.
السجلات ثابتة في البلوكشاين ولا يمكن تغييرها أبدا، وتتكون السجلات من جزئيين أساسيين:
رأس السجل: يحتوي على رقم إصدار البرنامج، ورمز تعريف (previous hash) السجل السابق، وتاريخ تسجيل السجل، والمبالغ المالية للمعاملات المسجلة…
متن السجل: يحتوي على المعاملات المُثبَتة في السجل، إضافة إلى معلومات حول الأشخاص المعنيين بالمعاملات، لكن بدلًا من استخدام الأسماء الحقيقية، يتم تسجيل المعاملات وعمليات الشراء باستخدام معرّف وهمي وحيد (public key)، وهو الاسم الظاهر للمستخدم، ولن تكون هناك حاجة للإدلاء بأيّ معلومات شخصية.
يحتوي كل سجل على رمز تعريف (hash) الخاص به، هذا الرمز وحيد ومختلف عن بقية السجلات، هذا الرمز مؤلف من سلسلة طويلة من الحروف والأرقام (مثلا 000000000004almdqfq094bfa4edb1245c347e42452e4418e9fe5a1d24e335b16)
في حال حدوث معاملات جديد في السجل (شراء أو تحويل أموال)، يتم أن يتم التحقق من هذه المعاملة عن طريق بقية الأشخاص المنتمين للسجل، في حال الحصول على ستة موافقات تتم العملية وتسجّل في البلوكشاين.
الأشخاص الستة الأوائل الذين تحققوا ووافقوا على العملية يحصلون على عمولة بالبيتكوين (التعدين او Mining) ولكن في الواقع تقوم آلات التعدين بالموافقة وليس البشر خلف الشاشات لأن عملية التحقق تحتاج قوة تحليل عالية جدا، ويمكن شراء هذه الآلات عن طريق الانترنات أو صناعتها لمن لهم مهارات تقنية عالية، وربطها بحسابك في البلوكشاين لكي تقوم بالتحقق من المعاملات ورصد المكافئات لك.
ولتسهيل المعاملات عبر البلوكشاين، وللحد من هيمنة الدولار الأمريكي، قامت هذه المجموعة سنة 2009 باصدار البيتكوين…
البيتكوين هي أول عملة رقمية لامركزية، أي دون وجود بنك مركزي، يمكن إرسالها من شخص إلى أخر من دون وسيط أو طرف ثالث، وبالاعتماد على طريقة الند للند (Peer to peer)، يتم الحصول عليه أساسا من التعدين (مكافآة التحقق من العمليات على البلوكشاين) كما يمكن استبداله بعملات وبضائع أخرى وخدمات.
عند اطلاقه، كان البيتكوين الواحد يساوي 0.001 دولارا أمريكيا. ليصبح سعره اليوم 070 37 دولارا أمريكيا، وما منحه هذه القيمة العالية هو أن البلوكشاين غير قابل للاختراق، لأنه سيتوجب على المخترق اختراق كل السجلات في العالم في نفس الوقت وتغيير معطياتها وهو أمر مستحيل… كما أن البلوكشاين يخفي هوية المالك الحقيقي للأموال وهو ما جعل عديد الناس تتهافت عليه.
يبقى العائق اليوم، أمام الشباب العربي، في الاستثمار في هذه التكنولوجية، هو أن عديد الدول وخاصة العربية منها لا تعترف بل تجرّم التعاملات بالبيتكوين والعملات الرقمية، ويعود ذلك إلى أن هذه الأموال غير خاضعة للرقابة الجبائية ولا يمكن تتبع مصادرها، الأمر الذي يربطها مباشرة بقضايا الإرهاب وتبييض الأموال… لذلك يبقى الأمر راجعا لتقنين السلطات لاستعمالات هذه العملة ولكن الجانب السلبي لهذا الحل هو أن قيمة البيتكوين قد تتدهور نتيجة لذلك، فتدخل السلط والحكومات في المعاملات يتعارض تماما مع مبدأ الشفافية واللامركزية اللذان ساهما في الارتفاع الخيالي لقيمة البيتكوين.

زر الذهاب إلى الأعلى