عزيز نيسين..يكتب..شارلى شبلن الأدب التركي

كتبت أكثر من ألفي قصة حتى أجبر الناس على الضحك والتأمل وبكل ماأملك من قوة حاولت أن أقوم بهذا الواجب تلك كانت مقاصدى ..
صاحب الأسلوب الساخر والقلب الجرىء والنفس الطويل ماأن تقرأ له كتاباً تجدك تجزم بضرورة الوصول إلى المزيد . قضيته الأهم أحوال الضعفاء والفقراء والمظلومين ، مثقل هو بهموم من حوله وكأنما وّد بحرص وصدق لو يستطيع أن يخفف من معاناة الإنسان في بلاده وفي كل مكان
لتتمثل رحلة أمه المضنية في الحياة عبر مشوار عمرها القصير والتى رحلت في ريعان شبابها باباً مفتوحاً للإلهام تنفذ منه الألام وتتجد به الشجون فقد شكلت طبيعة وتفاصيل حياتها بظروفها القاسية جرحاً لا يندم ظل محفوراً في وجدانه فمنها إمتلاء بالشفقة على الأخرين والتأثر لهم والتحدث عنهم ، كان يأمل نيسين أن يمتد العمر بأمه ليعوضها عن سنوات الفقر والحرمان والمكابدة التى عاشتها ،كان يستنكر وينقم على المجتمع في نظرته القاصرة والظالمة للمرأة في بلاده ولطلما أفرد لها مساحات متنوعة بكتاباته يتناول سيرتها بهالة ملائكية تكشف عن محبة عميقة وتبجيل وتقدير كبيرين هائلين ، و متحدثاً عنها بواحدة من قصصه قائلاً : مهما تعلّمت وما من شيء جيد أعرفه إلا وأعزوه إلى أمي.
عزيز نيسين الكاتب التركى وأحد أعلام الأدب الساخر عالمياً في القرن العشرين وواحداً من عمالقة الأدب التركى الذى كتب أكثر من ألفين قصة قصيرة و 145كتاباً و17 مسرحية عُرضت على مسارح سبع دول كما تُرجمت كتبه إلى 23 لغة كان إلى العربية وحدها ترجمة ما يقرب من الخمسين كتاباً
كما نال العديد من الجوائز الأدبية العالمية
وذاعت شهرته عالمياً ومحلياً بعزيز نيسين وهو أسم مستعار إنما اتخذه لتلافي ملاحقة الجهات الأمنية في بلاده تركيا وعلى الرغم من ذلك لم ينجو و جرى إعتقاله عدة مرات أما أسمه الحقيقي فهو محمد نصرت نيسين والذى وُلد بالعشرين من ديسمبر لعام 1915 في جزيرة “هيبليادا” المطلة على بحر مرمرة في إستنبول ،لأبوين من الأناضول ينتميان لأسر فقيرة دفعتهما الظروف الإجتماعية القاسية إلى العمل في خدمة إحدى العائلات الثرية , وأبنهم محمد هو الوحيد الذى بقي على قيد الحياة من بين كل ما أنجبوا . دخل مدرسة داخلية بلا نفقات لظروفه المعيشية ومن بعدها بالأكاديمية العسكرية بأنقرة وفي عام1935 أنهى دراسته الإعدادية العسكرية وفي نفس العالم إلتحق بالحربية كما درس لعامين بكلية الفنون الجميلة أما بعد أن تخرج من الحربية ضابطاً وبالتزامن كتب ببعض الصحف والمجلات التركية قصائد وقصص ساخرة بأسم مستعار هو عزيز نيسين ونشر أول كتاباته القصصية في مجلة الأمة ومن بعدها صدرت تلك القصص عن دار نشر “الرجل الجديد” أما الأشعار فكان ينشرها بأسم “بديعة نيسين ” وكانت تلقى قبولاً وإشادة من القراء ويعلق عزيز مازحا على هذا قائلا ربما لاقت قصائدى هذا الترحيب والرواج لأنها بديعة !. وظل يكتب قصصا ساخرة و مقالات يتناول فيها تدرى الأحوال المعيشية بسبب بعض السياسات مما أدى إلى إلقاء القبض عليه وإيداعه السجن فكان ذلك سبباً مباشراً في تسريحه من الجيش وذلك عام 1944 ويبدو أن نيسين وجدها فرصة ليعمل على تحقيق حلمه الأكبر في أن يصبح كاتباً مهماً ومؤثراً فتوجه إلى إستنبول وعمل بجريدة “فيديجين” ثم أسس مجلة إسبوعية أسمها “السبت” والتى لم تستمر إلا لأسابيع ثمانية فقط ، فقام بتأسيس جريدة مع زميل له صحفياً تدعى “التان” ولكنها أُحرقت من قبل مناصرين للحكومة ، وبعدها بفترة تعاون مع آخر وأسسوا معاً جريدة جديدة أطلقوا عليها أسم “ماركو باشا ” أنتقد على صفحاتها الأوضاع الأقتصادية والسياسية داخل بلاده مما دفع الحكومة لإعتقالهم وإغلاق الجريدة و بعد الإفراج عنهما عادا لإصدار آخرى لتغلق هى الأخرى بأمر من الحكومة كما تعرض نيسين للنفى إلى جزيرة بورصة لأنتقاده الرئيس الأمريكى “هارى ترومان”
واُدخل السجن لشهوراً بدون توجيه تهمة واضحة إليه وبعد الإفراج عنه
وبسبب التضيق عليه اضطر إلى العمل مصوراً ثم إفتتح متجرا لبيع الكتب والذى لم يجنى منه أى مكسب مادى فإنغمس في الكتابة وأنجز عدداً من الكتب المنوعة وفي 1966 تتعرض دار النشر التى تصدر كتبه للحريق وتم رصد ما يقرب من مائتين دعوى قضائية ضده تهدف إلى كسر قلمه وإجباره على التوقف عن الكتابة والتصدى بقلمه إلى أشكال الفساد وهضم الحقوق وخاصة الفقراء لصالح الأغنياء هناك وهو الأمر الذى كان يملئه بالحزن والغضب فكان يكتب بلاتوقف غير أبهاً بأى نتائج وقد دفع ثمن مواقفه غالياً ولكنه كمن نذر قلمه لصالح الفقراء والمناداة بحقوقهم وتحقيق العدالة الإجتماعية وتوفير العيش الكريم في ظل أنظمة متعاقبة تسحق البسطاء وتتجاهل حقوقهم وتحسين ظروفهم برفع مستوى معيشتهم
من مؤلفاته : صراع العميان ,الرجل الذى أضاع أسمه، دعها إنها راشدة، سر نامة ,الطريق الطويل , صحوة الناس, بتوس الحلوة , مجنون على السطح, خصيصاً للحمير،أسفل سافلين ، لاتنسي تكة السروال ، قطع تبديل للحضارة , آه منا نحن معشر الحمير،الهداف
ومن المسرحيات : خمس مسرحيات قصيرة , وثلاثة مسرحيات أراجوزية كوحش طووس ,هل تأتون قليلاً,جيجيو
ومن الجوائز التى نالها : جائزة السفعة الإيطالية في 1956 ،وفي
1957 نالها للمرة الثانية ، وبالقنفذ الذهبى من بلغاريا ،
شارك في مؤتمر اتحاد كتاب أسيا وأفريقيا في القاهرة من عام 1966
وفي 1967 أُنتخب نائباً لرئيس إتحاد الأدباء الأتراك ثم رئيساً لنقابة الكتّاب الأتراك بعد تأسيسها ,شارك في مؤتمر اتحاد الكتّاب السوفيت بموسكو عام 1967, ونال الجائزة الأولى في المسابقة التى أُجريت في تركيا تخليداً لذكرى الشاعر الشعبى “قراجا أوغلان” عن مسرحياته ثلاث مسرحيات أراجوزية، وجائزة التمساح الأولى من الإتحاد السوفيتى حينها وذلك من عام 1969 ،ونال جائزة المجمع اللغوي التركى عن مسرحيته “جيجو” ،وجائزة اللتوس الأولى عام1975 من اتحاد كتّاب أسيا وأفريقيا
تجرعه مرارة الفقر وشعوره بمعاناة غيره ربما ما دفعه إلى التفكير في تقديم ما يخفف عنهم ولكن مؤكد أنه وإنطلاقاً من إنسانية خالصة ونفس مشبّعة بالعطاء ومحبة الغير عمل نيسين وقف خيري نذر له ريع كل أعماله الأدبية على أن يتم توفير الرعاية للأطفال الأيتام
حتى الوصول إلى مرحلة الدراسة الجامعية وتأمين عمل أومهنة لمن تعّثر في دراسته وقد تفعل الوقف وبدأ فى إستقبال الأطفال الأيتام بأواخر عام 1977، للكاتب عزيز نيسين أربعة أبناء هما :علي، أحمد ،أويا، أتيش من زيجتين الأولى من السيدة ميرال جيلين من عام1939 وحتى 1948 ثم الزيجة الثانية من السيدة فيديا نيسين وذلك من عام 1956إلى 1967. رحل عزيز في السادس من يوليو بعام 1995 في إثر أزمة قلبية ألمت به عن عمر ثمانون عاماً ودفن في قبر غير معلوم بناءاً على وصية منه بذلك ضمن الوقف الخيرى الذى انشأه لصالح الأيتام
غادر نيسين الحياة وبقيت بيننا أعماله وكل مؤلفاته التى يقبل القراء العرب عليها على نحو ملحوظ مؤخراً .

زر الذهاب إلى الأعلى