الاهتمام بالنشء في الإسلام

 
عطية لاشين – عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف
مقدمة :
شرع الله الزواج بين الذكر والأنثى أو بين الرجل والمرأة لأغراض سامية، وحكم عالية وأهداف متعددة من بينها تواصل الأجيال واستمرارها وعدم انقطاعها وتعاقب النسل ، وإعمار الكون بذرية موحدة مؤمنة طائعة عابدة تعمر الكون بطاعة الله سبحانه، وعبادة الخالق جل جلاله ولن تكون الذرية كذلك عابدة طائعة موحدة عامرة للكون بطاعة الله إلا إذا اهتم بها أولياء الأمور وعودوهم منذ نعومة أظفارهم على طاعة الله والسير على شرعه وهداه.
بعد هذه المقدمة نتناول هذا الموضوع من خلال العناصر الآتية :
العنصر الأول : الاهتمام بالنشء يبدأ منذ التفكير في الزواج .
العنصر الثاني : الاهتمام بالنشء بعد الزواج وقبل وجوده.
العنصر الثالث : الاهتمام بالنشء منذ اللحظة الأولى من مولده.
العنصر الرابع : غرس تعليم الدين في النشء منذ تمييزه .
ثم بعد ذلك الخاتمة.
كل ذلك بتوفيق الله ومعيته وهدايته والله المستعان.
العنصر الأول :
الاهتمام بالنشء منذ التفكير في الزواج.
لكي نوجد نشئا ربانيا مهديا بهداية الله لابد من تهيئة التربة التي ينبت في هذا النشء وإيجاد المناخ اللازم والمناسب لذلك من خلال زوجين أشربا حب الله ، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب طاعتهما لكي يكون أولادهما كذلك
ومن أجل الوصول إلى هذا الغرض النبيل، والهدف المنشود وجه الإسلام نظر من يفكر في الزواج من خلال اختياره لشريكة حياته، ومؤنسته في الحياة أن يكون هذا الاختيار منطلقه وأساسه الدين ويؤثر هذا ويفضله على الجوانب المادية الأخرى فإنها أي الجوانب المادية زائلة حيث إن الله كل يوم هو في شأن فلا يكون اختياره لمن تكون زوجه مبنيا على المال والجمال والحسب والنسب فقط بل لابد بالإضافة إلى ذلك أن يكون مبنيا على الجانب القيمي والروحي والمعنوي وهو الدين ونحن أو بمعنى أصح الإسلام لا يغفل الجوانب المادية عند اختيار الزوجة بل يجعلها مشروعة لكن الإنكار ينصب فقط على الجوانب الدنيوية من غير أن يكون للدين مساحة أو نصيب من هذا الاختيار .
قال صلى الله عليه وسلم : ( تنكح المرأة لأربع : لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك )
أما أن يكون الاختيار مبنيا على الجوانب المادية فقط مع إغفال جانب مهم وأساس وهو الدين فذلك لا يساعد على إيجاد نشء صالح وجيل نافع يعمر الكون بطاعة الله ، وكان الزواج فضلا عن ذلك معرضا للانهيار ، وعم الدوام والاستمرار لأنه أسس على شفا جرف هار هوى بطرفيه إلى التعاسة والشقاء.
قال صلى الله عليه وسلم 🙁 من تزوج امرأة لجمالها لم يزده الله إلا دناءة، ومن تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلا ،ومن تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقرا، ومن تزوجها لدينها بارك الله فيها له وبارك فيه لها).
وقال صلى الله عليه وسلم :(لا تتزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يطغيهن ، ولا تتزوجوا النساء لأموالهن فعسى أموالهن أن ترديهن ، ولكن تزوجوهن على الدين ولأمة سوداء ذات دين أفضل )
ولكي يكتمل البيت المسلم، وتتعاون أركانه في إيجاد جيل صالح ونشء طائع أمر الشرع أولياء أمور الزوجة وهم يختارون زوجا لابنتهم أن يكون اهتمامهم الأكبر ولا أقول الأوحد بالدين لدى الزوج والفضائل والأخلاق والشمائل والسجايا الإسلامية وأن كان لا يمانع الدين التماسهم الجوانب المادية لدى الزوج لكن ينبغي ان يكون للدين الاهتمام الكبير من بين هذه الجوانب .
فإن كان اختيار أمور الزوجة لمن يكون زوجا لفتاتهم مراعى فيه الدين والخلق ضمنوا لابنتهم حياة سعيدة ملؤها السعادة والسكينة والمودة والرحمة فضلا عن دوامها واستمرارها ، وإن كان العكس أي لم يكن للدين نصيب من هذا الاختيار ولا اهتمام بل كان اهتمامهم بمنصب الزوج أو ماله أو حسبه فقط كان ذلك سببا لنشر الفساد في الأرض حيث يكون الأولاد ماديين على شاكلة أبويهما وتولوا نشر الفساد في الأرض فكان جيلا ناشئا على غير مرضاة الله وطاعته وكانوا أداة هدم وتخريب للمجتمع وليس أداة بناء وتعمير .
قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ).
العنصر الثاني : الاهتمام بالنش بعد الزواج وقبل وجوده.
بعد اكتمال البيت المسلم بزوج وزوجة يتقون الله ويخشونه صالحين متدينين لله طائعين تبدأ الخطوة الأولى للمساهمة في إيجاد نشء صالح لنفسه نافع لمجتمعه أمر الشرع الزوج أمر ندب واستحباب بذكر الله وهو يمارس العلاقة الحميمة مع زوجه فذكره الشرع بعدم نسيان ذكر خالقه ، وإعمار قلبه بذكر مولاه وهو يأخذ حقه الجنسي من زوجته ، فإن فعل الزوج ذلك أي ذكر ربه ولم ينس خالقه وهو في قمة شهوته فإن قدر الله بنشء أي بحمل من هذه المعاشرة كان بعيدا عن الشيطان قريبا من الرحمن وإذا كان كذلك رجي له أن يكون عنصرا فاعلا وايجابيا في مجتمع الإسلام.
قال صلي الله عليه وسلم(من أتي امرأته فقال : اللهم جنبنا وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن قدر بولد لم يقربه الشيطان أبدا).
العنصر الثالث : الاهتمام بالنشء منذ اللحظة الأولى من مولده.
أمر الشرع الحكيم ولي أمر المولود عند ولادته أن يحنكه بتمر وهذا اهتمام بالجانب الصحي لإيجاد نشء قوي وان يؤذن برفق في أذن المولود اليمنى ، وأن يقيم في أذنه اليسرى فيكون أول ما يقرع سمعه الأذان والإقامة المشتملين على وصف الله بالأكبرية ، والمتضمن للشهادتين لله بالوحدانية وللنبي صلى الله عليه بالنبوة والرسالة ، والمشتمل على الدعوة إلى الصلاة المؤدية بفاعلها إلى الفلاح ، ثم يختم الأذان بما بدئ به من وصف الله بالأكبرية ، ونفي الألوهية عمن سواه ، وأنه لا إله إلا الله يسمع الطفل منذ اللحظة الأولى له في الحياة ذلك ويقر في قلبه ذلك فتكون حياته بعد ذلك ونتيجة لذلك عامرة بالإيمان ،معلقة ببيوت الرحمن وحينئذ فلا يرجى منه إلا كل خير ،والبعد عن كل ما يبعده عن الله
فإذا ما جاء يوم السابع على ولادة المولود أمر الشرع ولي أمره أن يعق عن ولده شكرا عمليا للمنعم على نعمة المولود فيذبح إذا كان في سعة عن المولود إذا كان ذكرا شاتين ، وإن كان أنثى شاة ويمكن أن يجزئه عن الذكر شاة أيضا .
قال صلى الله عليه وسلم : (كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ، ويحلق ويسمى )
يوزع لحم هذه العقيقة ويقسم أثلاثا : ثلث لأهل بيت المولود، و ثلث هديه للأهل والأصدقاء والجيرن وإن كانوا أغنياء ،وثلث للفقراء وأهل الحاجة عموما .
وفي نفس يوم العقيقة يقوم ولي أمر المولود.بحلق رأسه برفق والتصدق بزنة الشعر المحلوق نقودا للمعوزين .
وفي نفس بوم العقيقة كذلك يسمي الأب ولده اسما حسنا لا يعير به بين أقرانه ويكون حسنا لأن كل شخص له من اسمه نصيب .
قال صلى الله عليه وسلم : ( إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء أبائكم فحسنوا أسماءكم )٠
العنصر الرابع : غرس تعاليم الدين في النشء منذ التمييز .
إذا بلغ النشء سن التمييز وأصبح يفرق بين الخير والشر، والحسن والقبيح، والضار والنافع وبالجملة أصبح يفهم الخطاب ويعي الكلام تعهده أبوه بالرعاية والعناية ، وتحبيبه بأسلوب حسن وحكمة بالغة يحببه في الدين وعلمه تعليما نظريا و تطبيقيا ، وقدويا أي من خلال القدوة أركان الدين واستعمل من أجل الوصول إلى ذلك الترغيب واللين وتجنب الشدة والترهيب والتعسير حتى لا يحدت العكس فيكره الولد الدين ،ويصبح الدين عدوا لدودا عند النشء البرئ.
قال صلى الله عليه وسلم :(مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر ) , وبخصوص الصيام كان الصحابة يصنعون لأولادهم اللعبة من الصوف حتى يتلهوا بها وينشغلوا من خلال ذلك عن الطعام والشراب حتى يحين موعد ذلك بدخول وقت المغرب .
وبشأن تعليم القيم والفضائل والآداب الإسلامية وضع الطعام ذات مرة بين يدي المعصوم صلى الله عليه وسلم ومعه بعض الصحابة ومن بينهم طفل فجعل يده تطيش في آنية الطعام يأخذ الطعام من جميع جوانبها فأرشده صلى الله عليه وسلم برفق فقال له :(يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك ).
وعلى الوالد أن يكون قدوة حسنة لصغاره في كل شيء فلا يكذبهم أمامهم لكي لا يرثوا منه هذه العادة الممقوتة لأن الولد في صغره يتشكل كما يشكله أبوه فإن شكله على الخير تشكل والعكس صحيح
قال الشاعر : وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما عوده عليه أبوه
وفي القرآن الكريم يقول الرب القدير 🙁 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)[النور58].
والشاهد أن ولي الأمر يغرس في نفوس نشئه تعاليم الدين منذ نعومة أظفارهم، ومنها آداب الاستئذان حتى لا يستغرب ذلك إذا ما بلغ سن التكليف .
وختاماً :
إن أولادكم أمانة في أعناقكم فأحسنوا أداء هذه الأمانة، وأحسنوا التعامل معها واغرسوا تعاليم الإسلام وشعائر الدين في هذه الأمانة حتى تؤدوها ألى أنفسها أي حتي يبلغ الصبي ،ويكون مسئولا عن تصرفاته محاسبا عليها فإذا ما نشأ في صغره على الدين شب عليه ، وإذا شب عليه شاب عليه وإذا شاب عليه مات عليه، وإذا مات عليه لقي الله عليه، والعكس صحيح.
أصلح الله أبناءنا، وهدى الله نشأنا ،وتولى الله بحفظه ورعايته أولادنا .
اللهم آمين

زر الذهاب إلى الأعلى