حلوى المَولِد«العلاليق» بين الحكم الشرعي والموروث التاريخي الثقافي

حلوى المَولِد«العلاليق» بين الحكم الشرعي والموروث التاريخي الثقافي




تقرير: عمر وحلمي

 

جرت العادة في شهر ربيع الأول من كل عام أن يحتفل المصريون بالمولد النبوي في مظاهر متنوعة.

كما تعد حلوي المولد التي عرفت بـ «العلاليق» , من أهم هذه المظاهر وأشهرها التي ينفرد بها المولد النبوي الشريف في مصر , كما تصنع من الحلوى بعض لعب الأطفال التي تؤكل بعد انتهاء يوم المولد وهي عروس المولد للإناث والحصان للذكور.

post

 

وهناك وثائق تاريخية تؤكد أن الفاطميين ، هم أول من شرع بروتوكول الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بطريقة رسمية ، حيث كانوا يعدون الولائم أثناء المولد النبوي وكانت تتضمن الحلواء التي صنعت خصيصاً لتلك المناسبة السعيدة.

 

كما ترجع الأهمية التاريخية لهذه الاحتفالات إلى أنها كانت بمثابة الترويج السياسي لحكم الفاطميين, عن طريق استمالة قلوب المصريين نحوهم بإقامة مناسبات دينية على رأسها الاحتفال بالمولد النبوي , فكانوا هم أصحاب الريادة في صناعة حلوى المولد , كما قاموا بعمل مخازن لصناعة الحلوى، وقبل المولد النبوي بشهرين تُجهّز الحلوى وتوزع مجانا على الرعية ، وعندما زادت الاحتياجات بدأ ظهور محلات لبيعها، وحلويات المولد كانت تسمى «العلاليق»، لأنها كانت تعلق على أبواب المحلات التجارية في سوق مخصوص للحلويات كان يسمى «سوق الحلوين» ، ومن ثم أصبحت بروتوكول سنوي متوارث مستمر حتى يوم الناس هذا.

 

حلوى المولد والعروس والحصان موروث تاريخي ثقافي

ذكر المقريزي المؤرخ العربي الإسلامي : «أن العروسة كانت تصنع من السكر على هيئة حلوى منفوخة، وتجمل بالأصباغ، ويداها توضعان في خصرها وتزين بالأوراق الملونة والمراوح الملتصقة بظهرها.

فمنذ ذلك الحين أصبحت الحلوى من المظاهر التي ينفرد بها المولد النبوي الشريف في مصر».

 

ويرى بعض المؤرخين أن عروس المولد : ظهرت خلال عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله , الذي كان يحب إحدى زوجاته ، فأمر بخروجها معه يوم المولد النبوي ، فظهرت في الموكب بردائها الأبيض وعلي رأسها تاج الياسمين فقام صناع الحلوى برسم الأميرة في قالب حلوي ، بينما الآخرون يرسمون الحاكم بأمر الله وهو يمتطي حصانه وقد صنعوه من الحلوى.

 

كما تعد عروس المولد من أهم مظاهر التكافل الاجتماعي عند المصريين في هذا الفترة وحتى وقتنا هذا فكانوا ولا يزالوا يقومون بشراء الحلوى وتوزيعها على الأهل والأقارب كما يتصدقون بها على المساكين في المولد النبوي من كل عام.

 

ويذكر أن الحكام الفاطميين كان يشجعون الشباب علي عقد الزواج يوم المولد النبوي ولذلك أبدع صناع الحلوى في تشكيل عرائس المولد وتغطيتها بأزياء تعكس روح العصر الفاطمي.

 

قصة الحصان الحلاوة

الحصان الحلاوة هو : رمز للفروسية والرجولة والشجاعة , وكان يُصنع على شكل حصان مزين بألوان زاهية يمتطيه فارس شاهرا سيفه ، وخلفه علمه ، وهو شكل يثير روح الفروسية والبطولة لدى الأطفال والكبار, حيث كانت هذه القيم تزرع داخل الأطفال منذ الصغر.

 

أما أصل قصة حصان المولد ؛ فيها قولان للمؤرخين , القول الأول : هو أنه يمثل الخليفة صاحب الفتوحات والانتصارات، وهو يجلس فوق الحصان ويحمل السيف.

القول الثاني : هو أن الحاكم بأمر الله، قام بمنع الاحتفال بالمناسبات الدينية في مصر أثناء فترة حكمه لمصر فلم يبقى سوى الاحتفال بالمولد النبوي. ويذكر أن الاحتفال بالزواج كان من بين الاحتفالات التي توقفت أثناء زمن الحاكم بأمر الله ، وهذا ما دفع المصريون أن يجعلوا موسم الزواج كل عام في يوم المولد النبوي وبهذا اجتمعت في يوم المولد النبوي المناسبات الدينية المتمثلة في الاحتفالات الدينية من مدائح وأناشيد وتلاوة للقرآن ابتهاجاً وفرحاً بالمولد النبوي , وكذلك المناسبات الاجتماعية المتمثلة في حفلات الزفاف وعقود القران ، كما كان الحصان رمز يمثل الزوج الذي استطاع أن يظفر بعروسه في هذا اليوم.

 

ويذكر أنه كان هناك أكثر من 1000 شكل تمثل حلوى المولد، ولكن أشهرها الحصان العروسة.

 

الاحتفال بالمولد النبوي كان على رأس اهتمامات الحملة الفرنسية

ذكر الجبرتي المؤرخ المصري الحديث : أن نابليون بونابرت كان مهتماً بإقامة بروتوكول للاحتفال بالمولد النبوي الشريف عام 1798م ، بتكلفة مالية مقدارها 300 ريال فرنسي , حيث قام بإرسالها إلي منزل الشيخ البكري نقيب الأشراف في مصر والكائن بحي الأزبكية , كما أرسل إليه أيضاً الطبول الضخمة والقناديل , وأقام كذلك الألعاب النارية في سماء القاهرة ليلا احتفالا بالمولد النبوي وتكرر هذا الاحتفال في العام التالي ، بهدف استمالة قلوب المصريين إلي حكم الفرنسيين , لكن المصريين لم يمنعهم ذلك من مقاومة الغزاة حتى تحررت الأرض وخرج الفرنسيون من مصر.

 

كما تجدر الإشارة إلى أن المتحف القبطي يتميز بأنه يضم العديد من القطع الأثرية لقوالب صنع حلوى المولد على شكل العروسة والحصان ، كما يشتمل كذلك على القطع الأثرية المصنوعة من الخشب والحجر التي تمثل عروس المولد والحصان.

 

هذا وبعد أن تعرفنا على المظاهر التاريخية والسياسية والاجتماعية والدينية للاحتفال بالمولد النبوي, تجد الإشارة إلى أن وزارة الأوقاف المصرية هي الآن الجهة الرسمية المعنية بوضع بروتوكول سنوي لتنظيم الاحتفال بالمولد النبوي.

الحكم الشرعي المتعلق بحلوى المَولِد«العلاليق»

نتعرف على الحكم الشرعي في الاحتفال بالمولد النبوي بشراء الحلوى التي تعرف بحلوى المولد والعروسة والحصان

 

بناء على ما تقرر ذكره يتضح لنا أن هذه الأشياء من باب العادات الحسنة المتعارف عليها في المجتمع,

وأنها ليست من قبيل العبادات في شيء, وبناءا على ذلك فلا يليق بنا أن نصفها بالبدعة لأنها ليست قربة يتقرب الناس بها إلى الله.

 

كما يمكننا أن نعتبر ذلك عبادة نتقرب بها إلى الله على اعتبار أنها مظهر من مظاهر الفرح والبهجة والسعادة بمولد النبي صلى الله عليه وسلم, والجدير بالذكر أن النبي كان يعجبه الحلوى والعسل.

 

كما تعد حلواء الفالوذج من أشهى المأكولات عند العرب المسلمين, وهي عبارة عن خليط من الدقيق والسمن والعسل كان هذا قديما, أما الآن فهي تصنع من النشا والسكر والزبيب والمكسرات وبعض الماء مضافا إليه ماء الورد.

 

هذا والمعروف فقهياً أن العرف الذي تعارف عليه الناس من مصادر التشريع الإسلامي, ومنه العرف الحسن الذي يستحسنه الناس ولا يتعارض مع الإسلام في شيء.

وخلاصة القول : هو أنه لا تعارض مطلقاً بين بين الحكم الشرعي والموروث التاريخي الثقافي في حلوى المُولِد

وأنه لا مانع شرعا من الاحتفال بالمولد النبوي بأي صورة من صور الاحتفال لأنها تعبير عن الفرح والحب للنبي صلى الله عليه وسلم , ولا حرج في الأساليب والمسالك ؛ لأنها ليست عبادة في ذاتها ، فالفرح به صلى الله عليه وسلم عبادة وأي عبادة ، والتعبير عن هذا الفرح إنما هو وسيلة مباحة.

كما أكد أهل العلم أن ما اعتاده الناس من شراء الحلوى والتهادي بها في المولد الشريف أمر جائز في ذاته، لم يقم دليل على المنع منه أو إباحته في وقت دون وقت، لا سيما إذا انضم إلى ذلك مقصد صالح كإدخال السرور على أهل البيت أو صلة الأرحام فإنه يكون حينئذ أمرا مستحبا ومطلوبا يثيب الشرع على مثله والقول بتحريمه أو المنع منه ضرب من التنطع المذموم.

ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحب الحلوى والعسل, بل كان ذلك من أحب طعامه, ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.

 

هذا والله أعلى وأعلم.

زر الذهاب إلى الأعلى