إنسان مع العالم الآخر(١٢) نظرة وداع

عبد الحميد احمد حمودة

استيقظ صباحا وتوضأ وصلى وتلا ما أتاح له من القرآن وذهب إلى عمله. بعد الانتهاء من العمل، توجه إلى شاطئ البحر ليجلس هناك لفترة ويرى المياه الجارية ويستمتع بمشاهدتها والهدوء الذي يملأ المكان.
فجأة رأى شيخا يمشي على شاطئ البحر ويرمي عليه السلام، وكان يلبس عمامة بيضاء على رأسه ، ولحيته كبيرة ، وعلى كتفيه شال أخضر ناصع.
وقف الشيخ أمامه فقال:
اعتنِ بنفسك، (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً* وَأَكِيدُ كَيْداً* فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً)
اختفى الشيخ ولم يره ، فعلم أنه ليس إنساناً وأنه جن.
ذهب إلى بيته وجلس يقرأ القرآن ويدعو الله أن ينير له الطريق ويصرف عنه كل شر.
خرج إلى حديقة المنزل ليجلس فيها ، وهو مكانه المفضل دائمًا ، حيث يشعر بالهدوء والراحة
فرأى أمامه الأميرة واقفة وكانت حزينة جدا فسألها ما الذي أحزنها فسكتت ولم تتفوه بكلمة.
قال:
-هل انت متزوجة
كانت تنظر اليه وهي صامته ولم تقل كلمة واحدة
كرر السؤال لها مرة أخرى
قالت:نعم متزوجه
قال:كنت اعلم بذلك
قال:-ماذا تريدين الآن
قالت:إن أكون مسلمة
قال:
-ما الذي يمنع ذلك؟
قالت:أخشى أن ينتقم مني عائلتي وعائلة زوجي
قال:
-لا تخافين، لا أحد يستطيع الاقتراب منك بعد الآن، وما عليك فعله الآن هو
نطق الشهادتين بلسانك وقلبك
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
والقيام بالفرائض واجتناب المحرمات
قالت:أريد أولادي
قال:أين هما
قالت:
-أخذتهما أسرة زوجي مني ومنعتني من رؤيتهما مرة أخرى
فجأة رأتهم أمامها وقال لها:
-الآن أولادك معك وإذا أردت البقاء وإذا أردت الذهاب أنت بأمان إن شاء الله
قالت:أريد أن أبقى معك أنا وأولادي
قال:
-لكني أريدك ألا تكذبي بعد الآن
بدأ في اختبارها على عدة أمور ومعلومات ، وكانت صادقة في ما قالته حتى بدأت تكذب مرة أخرى ، ولم تكن تعلم أنه كان ينتبه لها ولم يأخذ ما قالته على محمل الجد.
عندما حان الوقت سألها:هل تريدين البقاء
قالت:نعم
قال:
-أنت تكذبين، كنت أعرف ما كان يجري وأن ملكًا عجوزًا جِدًّا أحبك لفترة طويلة وأرسل لك عرضًا للزواج لأنه كان على خلاف مع أبنائه وأرادك أن تحكمي بعد وفاته، وتريدين هذا ولكن تخشى أن تقتلي بعد عودتك لعبادة النار بعد أن أعلنتي إسلامك، كما أعلم أن الأمير ليس أخاك بل زوجك، وأنكما اتفقتما على القضاء على، لكنك خالفتي الاتفاق حتى تتخلصي منه وتصلين إلى أهدافك، كما أعلم أنك لم تدخلي الإسلام من منطلق إيمانا، بل كوسيلة للوصول إلى أهدافك، لكنك لم تستطيعي هذا، والآن تفكرين في الهروب، لكن خوفك يمنعك، الآن اذهبي حيثما تريدي، لن يوقفك أحد أو يؤذيك.
وقفت مندهشة مما سمعته ، ثم اختفت من أمامه.
جلس يفكر كثيراً في الأميرة لؤلؤة، وأنه لم يرها منذ فترة طويلة، وعندما يسأل عنها لم تأت، ولم يسمع أحدًا يتحدث عنها.
عندما حان وقت النوم، رآها في نومة ضعيفة جِدًّا وباهتة كما لو كانت تحتضر
عندما رآها نظرت إليه وكأنها نظرة وداع.
بعد عدة أيام، سمع صوتًا يخبره أن الأميرة لؤلؤة قد توفيت وتركت ابنتها في منزله، وذلك لتذكيره بها.
لقد حزن عليها كثيراً لأنها كانت صادقة معه في القول والفعل منذ صغره، وكان يحبها كثيرا

زر الذهاب إلى الأعلى