كيف أسهمت الشفرة النوبية فى تأمين الإتصالات العسكرية المصرية خلال حرب 1973؟

أيمن بحر 

قُيد الجندى المصرى أحمد إدريس بالأغلال بأمر من الرئيس الراحل محمد أنور السادات بعد أن طلب إحضاره بشكل مفاجئ الى مكتبه. تصور إدريس أنه سيتهم بالجاسوسية ولا سيما أن هذا المشهد يأتى فى ظروف صعبة، فى سنوات ما بعد إحتلال إسرائيل شبه جزيرة سيناء عندما إخترقت إسرائيل الإتصالات المصرية أكثر من مرة.

لكن الأمر لم يكن كذلك كما يقول أحمد إدريس فى فيلم تسجيلى أنتجته القوات المسلحة المصرية بإسم الشفرة بعدها بنحو 45 عاماً: وجدت السادات يضع يده على كتفى بطريقة حانية كالآباء وأخبرنى أنه جاء بى بتلك الطريقة حتى لا ينكشف أمر المقابلة. ثم سألنى عن اللغة النوبية.

أحمد إدريس الجندى المصرى السابق الذى وافته المنية قبل أيام عن عمر ناهز 84 عاماً كان صاحب فكرة إستخدام اللغة النوبية فى الإشارات العسكرية بين أفراد الجيش المصرى للحفاظ على سرية المعلومات لأن اللغة النوبية لم تكن شائعة الإستخدام كما أنها غير مكتوبة..
يضيف إدريس: أخبرت السادات الذى طلب إحضارى بعد أن أخبره قادتى فى الجيش بالفكرة أنه يمكننا إرسال المعلومات بالنوبية ثم ندونها باللغة العربية.

النوبية هى لغة قبائل النوبة التى تنتشر بصفة رئيسية فى مصر والسودان بالإضافة الى عدة دول أفريقية، وهى لهجة للحديث لكنها لا تُكتب ولا تُقرأ وتمتد جذورها الى آلاف السنين كما تعد من أقدم اللغات على الأرض.
أمر السادات بعد مقابلته مع إدريس بنشر 344 فرداً نوبياً من الجيش المصرى مع القادة لإستقبال الإشارات وإرسالها، وكان لذلك دور فى تأمين الإتصالات العسكرية فى الحرب التى شنتها القوات المصرية الى جانب القوات السورية ضد إسرائيل فى أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973.

post

كانت الحرب إنتقام وثأر لرد الكرامة على مؤامرة حرب الأيام الستة التى منى بها الجيشان فى مصر وسوريا عام 1967 وإحتلت نتيجتها إسرائيل شبه جزيرة سيناء فى مصر وهضبة الجولان فى سوريا وإستولت على الضفة الغربية من الأردن فيما تسميه الأدبيات العربية بالنكسة.

يشرح اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والخير الأمني ومكافحة الإرهاب أن إستخدام اللغة النوبية فى 1973 بين مركز العمليات الرئيسى ومراكز العمليات الميدانية كان عاملاً مهماً فى إفشال إختراق الطرف الإسرائيلى لمعرفة نوايا الهجوم المصرى وشكله وإتجاهاته وتوقيته. ويضيف الزيات أن الهم الأكبر لمصر كان تأمين شبكة الإتصالات بين مركز العمليات وقيادات الجيوش والمناطق فى الميدان خاصة مع إختراقات الإسرائيليين للإشارات ومعرفتهم بالعربية.

ويقول رئيس مؤسسة النيل للدراسات الأفريقية محمد عز الدين، إن كل جهود تعليم النوبية لم تثمر بما فيه الكفاية لأنها تستهدف الكبار الذين لم يتعودوا على التحدث بالنوبية فى المنازل وشتى مناحى الحياة. ويضيف رئيس مؤسسة النيل للدراسات الأفريقية لبى بى سى أنه لا توجد مراكز لتعليم اللغة النوبية للشرائح العمرية الصغيرة .
ويوضح عز الدين أن التراكمات الثقافية من الدول التى وفدت الى مصر، مثل اللغة العربية التى فرضت نفسها، جعلت الحياة الثقافية والدينية والإجتماعية باللغة العربية على حساب اللغات الأخرى مثل الأمازيغية والقبطية والنوبية.

وقبل سنوات إبتكر مهتمون بالحفاظ على التراث النوبى فكرة لتدوين كلمات اللغة النوبية فى قاموس خاص. وقامت المؤسسة المصرية النوبية للتنمية بتقديم دراسات خاصة ودرجات علمية للغة النوبية مع الجامعات المصرية والسودانية.
ولا توجد إحصاءات رسمية عن النوبيين فى مصر، غير أن باحثين فى التراث النوبى قدروا العدد بأكثر من ثلاثة ملايين.

زر الذهاب إلى الأعلى