سعيد جويد يكتب:”سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ 

 

“سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)ّ” أية قرآنية كريمة تذكرتها عندما اضطرت سلطة الاحتلال الغاشمة في الأونة الأخيرة لاتخاذ قرارا بوقف إطلاق النار، وذلك بعد مواجهة دموية عنيفة دامت حوالي أحد عشر يوماً بينها وبين المقاومة الفلسطينية الباسلة، وهذا يرجع إلى عدة أسباب من أهمها إعادة ترتيب أوراقهم والبحث عن بدائل وخيارات وحلول أخرى- لتحقيق أهدافهم وأطماعهم في الإستحواذ على الأراضي الفلسطينية- بعيدا عن المواجهة المباشرة على الأرض مع الثوار الفلسطينيين، وذلك نتيجة لخوفهم من الموت وعشقهم الشديد للحياة وتشبثهم بها، كما ورد في الأية القرآنية العطرة “ولَتَجِدَنَّهم أحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ ومِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا يَوَدُّ أحَدُهم لَوْ يُعَمَّرُ ألْفَ سَنَةٍ وما هو بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ العَذابِ أنْ يُعَمَّرَ واللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ”، ومن ثم فهم يشعرون بالرهبة والرعب من حرب الشوارع أو أي مواجهات عسكرية برية، وأكبر دليل هذا اعتمادهم اعتمادا رئيسيا على سياسية المكر والدهاء وبث الفتن بين صفوف المسلمين وتجنيد الخونة والعملاء من المنافقين المعاديين لأبناء جلدتهم، الخائنين لأوطانهم، وذلك لتحقيق أكبر مكتسبات ممكنة دون مواجهات عسكرية تكبدهم خسائر في الأرواح أو الأموال.

“لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ”

• تعتمد العمليات العسكرية الي يشنها الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى على القصف الجوي والطائرات المسيّرة، مما يذكرني أيضا بالأية القرآنية التي وردت في سورة الحشر “لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ” .

إنهم يحرقون أغصان الزيتون

post

• أمّا بالنسبة للمفاوضات السلمية، فقد عاودت السلطة المصرية والسلطةالأردنية ومجلس الأمن تقديم أغصان الزيتون مرة أخرى عن طريق الجهود الدبلوماسية رفيعة المستوى والتفاوض السلمي مع كل من الجانب الفلسطيني والجانب الإسرائيلي والإدارة الأمريكية من أجل الحفاظ على الأمن وعدم سقوط المزيد من الضحايا، فضلا عن الوفاء ببنود معاهدة السلام(كامب ديفيد) المصرية- الإسرائيلية التي وقع عليها كما هو معروف كل من الرئيس المصري الراحل” محمد أنور السادات” ورئيس الوزراء “مناحم بيغين” في حضور الرئيس الأمريكي “جيمي كارتر” في مارس سنة 1979.

 

معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل (كامب ديفيد)

• حظيت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بتأييد عالمي، ومن ثم حصل “السادات”-في ذاك الوقت- على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع رئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجن عام 1978 حيث يرى المؤيدون للمعاهدة أنّ التفاوض السلمي مع الجانب الإسرائيلي هو السبيل الوحيد المتاح في هذا الوقت لتسوية النزاعات وحقن دماء العرب والمسلمين وإنهاء الحروب بما فيها من ويلات وأهوال وخسائر بشرية ومادية وهذا من أجل تحقيق الأمن والسلام ليس في مصر فحسب بل في منطقة الشرق الأوسط كلها، ومن ثم بذلت الأطراف المؤيدة للسلام مثل أجهزة الدولة المصرية وأجهزة الأمم المتحدة- مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية- قصارى جهدهم لتحقيق السلام والأمن في المنطقة من خلال المفاوضات والحلول السلمية والجهود الدبلوماسية على الصعيد المحلي والدولي، هذا بالإضافة إلى تقديم المساعدات طبية والمادية في بعض الأحيان عن طريق الهلال الأحمر في وقت الأزمات التي يشهدها الشارع الفلسطيني من آن لآخر.

• وعلى الجانب الأخر ترى طائفة أخرى من العرب والفلسطينيين ممن عارضوا معاهدة السلام مع الجانب الإسرائيلي أنّ نجاح مفاوضات السلام بين إسرائيل والعرب مشروط بتحقيق مبدأ السلام مقابل الأرض، مبدأ لم يفي الجانب الإسرائيلي بتحقيقه قولا وفعلا، سرا وعلانية وأكبر دليل على هذا- من وجهة نظر المعارضين لاتفاقية السلام- هو سرقة مساكن الفلسطينيين تحت حماية قوات الأمن الإسرائيلية والتوسع في بناء المستوطنات الإسرائيلية ولا سيما في المناطق القريبة من القدس سعيا منهم لتهويده، ومن ثم شهدت الأراضي الفلسطينية سلسلة من الانتفاضات الشعبية المتوالية هدفها الدفاع-وليس الهجوم أو الإرهاب كما يتردد على ألسنة أعداء الدين والإنسانية- عن أراضيهم المغتصبة والتصدي للعدوان الإسرائيلي الغاشم، انتفاضات شعبية باسلة بدأت منذ 1948 وحتى وقتنا هذا حيث شهدت جميع شعوب العالم ما حدث بالأمس القريب الانتفاضة الشعبية التي عُرفت إعلاميا باسم انتفاضة الشيخ جراح.

انتفاضة الشيخ جراح

يقع حي “الشيخ جراح” في الجانب الشرقي من مدينة القدس القديمة وتعود بداياته إلى نكبة العرب والمسلمين في عام 1948 عندما نزحت بعض العائلات الفلسطينية إلى مدينة القدس التي كانت في ذاك الوقت تحت سيادة الأردن، وبعدها بعدة سنوات أبرمت السلطات الأدرنية اتفاقا مع وكالة غوث على إقامة منازل لهؤلاء اللاجئين الفلسطينيين في حي الشيخ جراح، فتولت الوكالة عمليات تشييد هذه المباني لتمليكها فيما بعد بتسهيلات وتيسيرات في الدفع في مقابل تقسيط مبلغ رمزي تدفعه هذه العائلات على فترات طويلة.

إسرائيل تقلب الأوراق وتلعب دور الخصم والحكم

• استقرت هذه العائلات الفلسطينية في ديارها المملوكة لها بحي “الشيخ جراح” لسنوات طويلة، ولكن عقب احتلال القوات الإسرائيلية لمدينة القدس الشرقية عام 1967، نسبت بعض المنظمات الإسرائيلية ملكية الأرض التي بنيت عليها تلك المنازل لليهود الذين رحلوا من القدس خوفاً على حياتهم عام 1948، ومن ثم لجأت تلك المنظمات للقضاء الإسرائيلي لنزع ملكية الأرض من المستوطنين الفلسطينيين، فأصدرت إحدى المحاكم الإسرائيلية حكما قضائيا بأنّ جزءاً من الحي “كان مملوكا بالفعلً لليهود الشرقيين الذين استقروا هناك إبان العهد العثماني”.

الكيان الإسرائيلي يلعب دور القاضي والجلاد

وعلى خلفية ذلك الحكم القضائي، نفذت السلطات الإسرائيلية عدة قرارات إخلاء بحق العائلات الفلسطينية المقيمة بالحي فصارت مهددة بالطرد والتشريد فانتفض الشارع الفلسطيني، وأشعلت مشاعر السخط والغضب شرارة المقاومة الباسلة التي كشفت النقاب عن شجاعة الشعب الفلسطيني وصموده وجهاده في سبيل الله، وتضحيته بالنفس دفاعا عن الأرض والعرض والشرف.

حرب شوارع وقصف جوي مستمر

• اندلعت المواجهات في حي الشيخ جرّاح بين الأهالي والقوات الإسرائيلية جرّاء إجبار السكان على إخلاء منازلهم بالقوة.

فتصاعد التوتر وتحول إلى قصف متبادل بالصواريخ بين الفصائل الفلسطينية في غزة والقوات الإسرائيلية مما أسفر عن سقوط قتلى من كل من الجانب الإسرائيليي والجانب الفلسطيني في غزة حيث قُتل عشرات الشهداء بالقصف الإسرائيلي الغاشم معظهم من النساء والأطفال ولا تزال المناوشات وحملات الإعتقال مستمرة حتى الآن بالرغم من مرور أيام قليلة على قرار وقف إطلاق الذي أشرت إليه أنفا والجهود الدبلوماسية والدعوات العالمية والعربية والمنظمات دولية لوقف التصعيد والاعتداء على الأهالي في قطاع غزة والأراضي المتاخمة لبيت المقدس، وهذا لا يقلل من المكتسبات الكبيرة التي حققتها انتفاضة الشيخ جراح حتى وقتنا الراهن، وللحديث بقية في المقال القادم بمشيئة الله.

مكتسبات انتفاضة الشيخ جراح

• قررت المحكمة العليا الإسرائيلية تأجيل الجلسة المقررة بشأن طرد المزيد من العائلات الفلسطينية إلى موعد لاحق يحدد خلال ثلاثين يوما، كما طالبت منظمة العفو الدولية إسرائيل بوقف ترحيل سكان حي الشيخ جراح والقدس الشرقية، ومن جانبه طالب ملك الأردن، عبد الله الثاني الجانب الإسرائيلي إلى ضرورة وقف الإجراءات غير الشرعية لتهجير أهالي حي الشيخ جراح في القدس، وللحديث بقية في المقال القادم بمشيئة الله.

 

زر الذهاب إلى الأعلى