الله يرحم زمن العيش والملح

بقلم – فتحي المصري

فى زمن ما قد لا اتذكره بل يكاد أن يكون قد نسيناه جميعاً إلا من رحم ربي ، فبعد أن حلت علينا لعنة التحضر والتمدن والميديا والتواصل الإجتماعي فقد نسينا بعضاً من الكلمات التي اغتالتها بعض المظاهر الضارة فى عالمنا الجديد أنه زمن العيش والملح ، فلقد كان يطرق آذاننا بعض الكلمات  ” خليه ياكل عيش.. ده ما كانش عيش وملح.. هان عليه العيش والملح. وحياة العيش والملح تلك العبارات كانت مفردات للحوار اليومى بين المصريين والذى لا يخلو من القسم بـ عليه النعمة أو وحياة العيش والملح ثم يمسك أحدهما رغيف العيش ويضعه على عينيه المغمضتين ويحلف بما يريد وينبغى على الطرف الآخر أن يصدقه لما لهذا القسم من قدسية ومصداقية ، فلقدكان الحلف برغيف الخبز بمثابة عقد وعهد من الصعب مخالفة بنوده أو حل أواصره ولو حدث لاستوجب الاحتقار ووصم المخالف بالخيانة وعدم الرجولة.

لقد كان الحلف بالعيش والملح له قدسية ودلالات قوية باعثة على الإخلاص والوفاء والالتزام واحترام المواثيق والأعراف والمودة والتراحم وصلة الأرحام والتودد واحترام العهد والوعد . مصر البلد الوحيد الذى يطلق فيه كلمة «العيش» التى تعنى الحياة على رغيف الخبز. فى ا العيش والملح لم يكن مجرد مكونات لوجبة المواطن المصرى الفقير بقدر ما كان فضيلة يستمسك بها المجتمع وقيمة يتباهى بها صاحبها دليلاً على الوفاء وعنواناً للشهامة والإخلاص والرجولة، العيش والملح ركيزة الصداقة والصدق.. كلمة شرف وضمير حى فى مواجهة فساد الذمم وخراب النفوس.

هل نحن مازلنا بحاجة لأن نأكل معاً وتتجدد فينا هذه القيم النبيلة أم أن نوايانا قد تغيرت وأخلاقنا قد تبدلت واصبحنا نقاسي ويلات زمن العولمة والتحضر الذي أدى إلى قطع صلات الارحام فى البيت الواحد .
الله يرحم زمن العيش والملح .

 

post
زر الذهاب إلى الأعلى