مؤامرة الست فتكات ..!

محمد أبوزيد محمد
الست فتكات تَسكن بعمارة أبو عطيات بحي “السقا مات” كلاهما ورثا العقار، هو عن أبيه وهي ورثة الشقة بحكم إقامتها مع العائلة ذات الكرامات، الكل يحقد على ميراث الكرامة التي ورثتها عن عائلتها من قراءة الكَف والفنجان والطالع للمستقبل وفيما هو آت، لكن الناس لا تترك أحد في أمره هذا ما لا شك فيه ولا جدال .

إعتقادالست فتكات جاء من منطلق إمتلاكها ما لايملكه الساكنين بالعقار والحي بأكمله، الكل يُحيط بها مكرًا، الكل يريد الكرامه، تريده أم شوقي لتتزوج ابنتها المتأخرة في الزواج، بحجة الجامعة، أما ابنة فتكات تَزوَّجت دون الخامسة عشر، حتى وإن كان زوجها يضربها كل ساعة أو عاطل أو مدمن حشيش “طيش شباب، المهم جالها عدلها”

لكن هم يتآمرون عليها وكلما تَدَخّلَّت أم شوقي، أو احد الجيران لحل مشكلات ويكا أبنها يمنعوا عنه مكروه وذلك بحكم العشرة والعيش والملح، هم مازالوا في نظرها حاقدون على ويكا لأنه زينة الشباب ولد مجدع يجيب القرش ومكفي بيته.

هذه العقلية الغارقة في الجهل واغرقت أبنائها في الوحلّ، ترى نظرية المؤامرة تحيط بها من كل اتجاه وتستهدف أركان الحصن الهشّ أو بمعنى أدق أركان الوهم، عدم اعتراف الإنسان بنقصه والمكابرة دائماً ما يدفع به لوهم الكمال والآخرون يريدون فقط أن يُنـقصون منه .

الست فتكات نموذج الضحية والجلاد، ضحية لما ترَبَّت عليه وجلاد لأولادها ومن حوّلها، وربما الكثير من أهل حي “السقا مات” يخشون مواجهة حقيقة أنفسهم، مثلما كان يخشى المعلم شوشة السقا الموت، وظل يطارده هذا الخوف طوال رواية الاديب يوسف السباعي، السقا مات ” كذلك نحن نخشىى المواجهة في الكثير من الأحيان، وكما قالها صديق لي نحن نريد أن نتكلم لكن لا نريد أن نسمع الحقيقة، وبالطبع فنلجأ للوهم فيعمي أبصارنا وبصائرنا، ولا نرى إلا ضباب،

post

الوهم وباء اسوء من الكوليرا والطاعون وكرونا، وباء نمط من أنماط التفكير المُظلم الضيق ضيق ثقب الإبرة، و أعراضه قاتله لصاحبها بالحياة يظن أنه يحيى وهو جسد بلا روح، يجعله نكتة وشر ما فيها أضحوكة للعالمين ويعبّر عن أحد هذه الأنماط المتنبي في أمر البعض من أهل مصر وقتذاك :

أغايةُ الدِّينِ أن تُحْفوا شواربكمي

ياأمةً ضحكتْ من جهلها الأمم

يقول المعري في شرحه هذا البيت:

“من عادة أهل مصر إحفاء الشوارب (أي استئصالها). فيقصد المتنبي انكم اقتصرتم الدين على ذلك، وعطلتم سائر أحكامه! ورضيتم بولاية كافور عليكم مع خسّته، حتى ضحكت الأمم منكم واستهزءوا بكم وبقلة عقلكم”.

(شرح أبي العلاء لديوان المتنبي- تحقيق عبد المجيد دياب).

لا شكَ أن الصراع قائم، لكن لا نجعل كل همنا وشغلنا الشاغل الوقوف على قدم وساق لكل هفوة والتنديد بكل احدوثة، العلَّة كلها في فراغ العقل وان تَفَرَّغ العقل أصبح خواء، كلما أتت ريح احدثت صفير، فيقول صفير اتى من الغرب يريد أن يشتت الأجيال عن المجد القديم، ولا يبقى إلا صوت أعاصير النَدّب والعويل. وكما قال محمود درويش:

قَصَبٌ هياكلنا

وعروشناقَصَبُ

في كُلِّ مئذَنةٍ

حاوٍ، ومغتصبُ

يدعو لأندلس

إن حُوصرتْ حَلَبُ.

– مديح الظل العالي | محمود درويش

وربما يقرأ أحدهم مقالي هذا ويُأمِّن عليه، و بعد لحظات ينسى، ولما لا..! إن آفة حارتنا النسيان، بل و اللا منطق والتشدق بالكلمات الرنانة بالمؤتمرات والساحات وقاعات الأحزاب والصحف والمجلات، او الدعاء كل جمعة وبعد كل صلاة على المتآمرين، لكني احاول واردد وراء نزار :

أحاول رسم بلادٍ…

لها برلمانٌ من الياسمين.

وشعبٌ رقيق من الياسمين.

تنام حمائمها فوق رأسي.

وتبكي مآذنها في عيوني.

أحاول رسم بلادٍ تكون صديقة شعري.

ولا تتدخل بيني وبين ظنوني.

ولا يتجول فيها العساكر فوق جبيني.

أحاول رسم بلادٍ…

تكافئني إن كتبت قصيدة شعرٍ

وتصفح عني ، إذا فاض نهر جنوني

أحاول رسم مدينة حبٍ…

تكون محررةً من جميع العقد…

فلايذبحون الأنوثة فيها…ولايقمعون الجسد…

رحلت جنوبا…رحلت شمالا…

ولافائده…

فقهوة كل المقاهي ، لها نكهةٌ واحده…

وكل النساء لهن إذا ما تعرين

رائحةٌ واحده…

وكل رجال القبيلة لايمضغون الطعام

ويلتهمون النساء بثانيةٍ واحده.

أحاول منذ البدايات…

أن لاأكون شبيها بأي أحد…

رفضت الكلام المعلب دوما.

رفضت عبادة أي وثن…

قصيدة : متى يعلنون وفاة العرب | نزار قباني

و يبقى الطرب يشدوا بأمجاد العرب ولا تسمع هنا سوى تنديد الغضب كلما قام أحدهم من مجلسه، أو اشعل سيجارته، أو رمى ورقة في قارعة الطريق، نعتقد أن العالم كله متآمر علينا وعلى العرب وعلى الاسلام وحتى على الست فتكات ..

زر الذهاب إلى الأعلى