همس الألوان

ليبيا..سالم الغبار

الهوس بالألوان نسج من نسيج الروح اودعته في القلب أمي حين كانت تمد الصوف الذي غزلته خيوطا بمختلف الألوان , أوحين ترتق بيتنا الريفي بقطع قماش قديمة فتمتلئ جنباته بذكرى ملابس من رحلوا والأمر حينها لايخلو من شجن فهي صفحة وفيات كثيرا ما أطالعها في كل أرجاء البيت , لكن الربيع دائما يسكب في روحي ابتهاجا حين يزين السهول بمختلف ألوان الزهور فأطالع التكامل في التمايز في الأرض وفي السماء , واليوم على مقعد الدرس ابهجتني علبة الألوان بشكلها الجميل والوانها الستة التي اصطفت بجوار بعضها البعض في تناسق جميل الأصفر والأحمر والأسود والأزرق والأخضر والأبيض , كنت أحشر وجهي في الحقيبة لأتأملها متحينا الفرصة لأرسم أشجارا وبحرا وشمسا .
في البيت احتدم الصراع بيني وبين إخوتي كل منا يريد الظفر بالألوان كاملة كان الصراع عنيفا أفضى إلى تقسيمها حين تدخلت أمي لتوزع الألوان بيننا , لونان فقط لكل واحد منا فكان اللونان الأبيض والأسود من نصيبي , اشتدت بي الحيرة ماذا أفعل بلونين فقط هما ليل ونجوم كنت أريد اللونين الأخضر والأحمر لأرسم العلم , كما لم أجد لونا للشمس والأشجار والورود , وسمعت أخي طارق يتحسر وكان يحلم أن يرسم الأرض والليل والبحر قائلا – ماذا أفعل بلون الدم والخريف فقد كان الأحمروالأصفر من نصيبه عمل جاهدا ليرسم الشمس لكن الليل لم يبح له بشيء , وهتف أخي فتحي
– ماذا أفعل ببحر بلا شاطيء وبلا شمس ؟
لقد كان من نصيبه اللونان الأزرق والأخضر , كان حلمنا أن نرسم ريفنا وقد صار مدينة , وقد احتاج كل منا إلى الوان الأخر , فكان لزاما علينا أن نتفق على لوحة واحدة تجمع توقنا وحينها رسمنا مدينة بشمسها وربيعها ونجومها وبحرها وترابها وأشجارها ورفعنا في سمائها العلم .

زر الذهاب إلى الأعلى