د. سحر السيد..عليّ وعلى أعدائي»

علي وعلي أعدائي هو مثل شعبي يعني سأهدم كل شيء، ولتحل المصيبة بي وبأعدائي، أي أنه يصوِّر الرغبة في إيذاء العدو حتى لو تسببت في هلاك نفسه، فهذا المثل ارتبط في الموروثات الشعبية بشخصية «شمشون الجبار» فمن هو شمشون الجبار.
كان هناك رجل من صرعة، من عشيرة دان اسمه منوح، وكانت امرأته عاقرا لا تلد، فجاء ملاك للمرأة وقال لها (إنك عاقر لم تلدي، ولكنك ستحملين وتلدين ابنا، فانتبهي الآن ولا تشربي خمرا ولا مسكرا، ولا تأكلي شيئا نجسا وأن لا يحلق أو يقص المولود شعره أبدا) وإن الولد سيخلص الإسرائيليين من الفلسطينيين، فأنجبت المرأة ولدً وأسمته شمشون وقامت بتربيته على هذه النصائح حتي كبر، كان شمشون بن مناح، أحد قضاة بني إسرائيل، تولى منصبه مدة 20 عامًا، وتزوج امرأة فلسطينية على غير رغبة أبويه وبالمخالفة للقانون، سافر من بلاده حتي يري المدن الخاصة بالفلسطينين وقد احب امرأة فلسطينية، وفي طريقه لأهل هذه المرأة لطلب يدها قام أسد بمهاجمته فقام شمشون وحده بقتله بدون سلاح، وفي أثناء مروره بعد فترة لحضور الزفاف وجد جثة الأسد الذي قد قتله وبها النحل الذي عشش بها فاخذ منها العسل وأعطي والديه، وعند وصوله إلى بلدة زوجته اخبر بعض الفلسطينيون أحجية ليقوموا بإيجاد حل لها ووعدهم بثلاثين قميص وثلاثين قطعة ثياب مما اغضب الفلسطينيون لعدم معرفتهم جواب الأحجية فذهبوا إلى زوجته وقاموا بتهديدها بالقتل هي ووالدها فأخبرتهم عن حل الأحجية، وعند ذهاب الفلسطينيون لحل الأحجية عند شمشون غضب لتهديدهم زوجته وقام بقتل ثلاثين شخص من جنود الفلسطينيون وأعطي ثيابهم لثلاثين شخص فلسطيني ممن حضروا الحفل، وهجر عروسه الخائنة، ثم بعد فترة أراد مصالحتها، لكنه وجدها تزوجت غيره ورفضت مقابلته، ووجد والدها قد أهداها لصديقه كزوجة وعرض عليه أن يتزوج أختها فغضب شمشون وقام بوضع بعض المشاعل على ذيول ثلاثمائة ثعلب فجرت خائفة في حقول الفلسطينيون تشعل كل ما يأتي في طريقها حتي أحرقت مزارعهم، وعند معرفة الفلسطينيون السبب في أحراق أراضيهم، قاموا بأحراق زوجة شمشون ووالدها حتي الموت فقام شمشون بقتل عدد هائل من الفلسطينيون انتقاما لها واستمر القتل لمدة عشرون عام، ثم لام اليهود على شمشون أنه أثار عليهم الفلسطينيين، فعرض على قومه أن يقيدوه ويسلموه إلى أعدائهم ليكُفُّوا عنهم، وبالفعل سلّمه قومه إلى الفلسطينيين، وما أن أحاطوا به حتى مزق قيوده، وتناول عظم فك حمار وقاتلهم به حتى قتل ألفًا منهم.
بعد ذلك ذهب شمشون إلى مدينة غزة الفلسطينية، حيث تعرف إلى واحدة من البغايا اسمها دليلة، وأحبها إلى حد أنه كان يبيت عندها، فلما عرف أعداؤه ذلك أغروا دليلة بالمال كي تحتال لمعرفة سر قوته الخارقة، فتدللت عليه وسألته عمّا يمكن أن يقيِّد قوته، فحاول خدعها وأخبرها أول مرة أنه يضعف إذا شُدّ وثاقه بسبعة أحبال من الكتان، فاستغلت نومه وربطته بها فقام فمزق الحبال، ثم أعادت الإلحاح عليه فقال لها إنه يضعف إذا شُد وثاقه بحبال حديدية لم تُستخدم من قبل، فاستغلت نومه وربطته بها فقام فمزق الحبال، فعادت إلى إلحاحها عليه فقال لها إنه يضعف إذا قُيدَ بحبال آلة النسيج فقيدته بها في أثناء نومه، تكرر قطع الحبال وإلحاح دليلة، فاعترف لها بأنه منذور إلى الله منذ كان في بطن أمه، وأن المَلَاك قد وعد الأم بأن يكون ابنها قويًّا شريطة أن لا يحلقوا شعره، باحت دليلة إلى الأعداء بالسر الخطير، فاستغلوا نوم شمشون وجزُّوا شعره ثم قيدوه وانتزعوا عينيه، ونظموا الاحتفالات بهزيمة عدوهم وسقوطه في أيديهم، وكانوا يربطونه إلى الطاحونة لتدور به كما يفعلون بالبهائم، وفي يوم الاحتفال الكبير بالنصر، قاد الفلسطينيون شمشون الأسير إلى معبد إلهم داجون(إله الخصوبة والزرع)، واحتشد منهم ثلاثة آلاف ليشاهدوا الجبار الذي صار أسيرًا أعمى وهو يُلعَب به، فلما دخل شمشون إلى المعبد تضرع إلى الرب أن يمنحه القوة مرة أخيرة للانتقام من أعدائه، فاستند إلى اثنين من أعمدة المعبد وصاح «لِتَمُت نفسي مع الفلسطينيين»، ثم دفعهما ليسقط البناء على كل من فيه ويموتون جميعًا.
ففي كل الأحوال، وبغض النظر عن مدى دقة ما بلغنا من قصة شمشون، فإن رسالتها «عليّ وعلى أعدائي»، أو ما يصفه الدكتور عبد الوهاب المسيري بـالانفجار الأخير الذي قد يقضي على الذات، لكنه يقضي على الآخر أيضًا، بقيت بعد ذلك أسلوبًا لتفكير الكثيرين ونمطًا مألوفًا في صراعات عدة، باختصار تحول شمشون من شخصية محل جدل إلى فلسفة حياة وأمرًا واقعياً بالنسبة إلى ناس كثيره.

 

زر الذهاب إلى الأعلى