الموسيقى الشعبية العربية والإفريقية تراث يعبر عن الهوية

د / ناديـة عبد الفتاح الباجـورى دكتوراه فى الأنثروبولوجيا الثقافية
يرجع تاريخ الموسيقى الشعبية إلى ظهور الإنسان الذى عرف الموسيقى قبل أن يعرف اللغة، استخدم -على سبيل المثال- دقات الطبول، والنفخ فى الأبواق، والقرون، ثم تطورت الموسيقى مع تطور وجود الإنسان على الأرض، وارتبطت الكلمة بالموسيقى فبدأ الإنسان يسجل تاريخه الذى يتمثل فى العادات والتقاليد الخاصة بدورة حياته من المهد إلى اللحد.
والموسيقى لفظ يوناني الأصل ومعناه الفنون بصفة عامة وهى فن تنسيق الأصوات فى شكل نغمات وألحان تلذ للأذن وتطرب النفس، وقد نشأت للتعبير عن أحاسيس ومشاعر الإنسان.
ولم تكن للموسيقى فى البداية حروف تساعد على قراءتها وبقيت هكذا حتى وضع لها بعض المهتمين بشئونها أحرفًا هجائية تساعد على قراءة الألحان ؛ ووضعوا لها اصطلاحات وقواعد استخلصوا البعض منها ممن سبقهم مضيفين لها ما رأوه ناقصًا حتى تلخصت مجهوداتهم جميعًا فى قواعد علم الموسيقى.
إن الموسيقى تعد أحد الأنشطة المتميزة والفريدة التى يمارسها الإنسان فى أى زمان ومكان، ومهما كانت بيئته ومستواه الاجتماعى والاقتصادى والثقافى، سواء كمستمع أو كمؤدى ممارس، هاويًّا أو محترفًا، منفردًا أو مشاركًا للآخرين، لذلك فهى تمثل جزءًا من حياته بمختلف أدوارها منذ مولده حتى مماته، مستخدمًا كل الوسائل المتاحة له، وبأساليب تختلف من أبسطها وأسهلها وأيسرها شكلاً وأداءً ، إلى أكثرها تطورًا وتعقيدًا.
والموسيقى هى امتداد لرغبة الإنسان الطبيعية والتلقائية فى التعبير عن ذاته وعن مشاعره وأحاسيسه، منذ أن أصبح واعيًا وقادرًا على إدراك ما حوله، والإحساس بذاته وكيانه على الأرض بين المخلوقات الأخرى متفاعلاً مع من حوله ككائن حى مؤثر ومتأثر.
لذلك فالموسيقى تعد عاملاً مساعدًا قويًا له القدرة على تحقيق التواصل والتفاهم بين الإنسان وما حوله بالشكل الذى لا تستطيع الكلمات ولا الإشارات تحقيقه مهما كانت بليغة ودقيقة ومفهومة أحيانًا،
فالنشاط الموسيقى له أهمية عظيمة ويؤدى دورًا كبيرًا فى المجتمع ويعتبر عنصرًا متكاملاً ووظيفيًّا من عناصر الثقافة، ففى التنظيم السياسى تظهر وظائف الموسيقى فى الأغانى التى تمدح الزعماء، وحتى الأدوات التى تستخدم لها معانٍ ووظائف مثل الطبول؛ حيث ترمز إلى القوة السياسية عند كثير من شعوب أفريقيا لدرجة أنه لا يسمح باقتناء مثل هذه الطبول لغير عائلة الزعيم أو الملك. وفى مجال التنظيم الاجتماعى تظهر بوضوح وظائف الموسيقى فى مراسم الميلاد والزواج والموت ، وكذلك تؤدى الأغانى وظيفتها فى الحياة الاقتصادية؛ حيث تستخدم لتشجيع العمل التعاونى، وهكذا فى المجال الدينى فدورها معروف، كما تعتبر وسيلة لنقل الحقائق التاريخية للفئات غير المتعلمة.
ومع أن الموسيقى لغة إنسانية عامة فإن لكل ثقافة موسيقاها الخاصة المميزة التى تعبر عن روحها وقيمها وشخصيتها، شأنها فى ذلك شأن بقية الفنون، كما أن الأوضاع والتقاليد والتاريخ تتدخل فى تكوين الذوق العام السائد فى المجتمع، فلكل شعب خصوصيته الفنية والموسيقية المتميزة.
والإنسان الأفريقى، هو إنسان الطبيعة إنسان الهواء الطلق، إنسان يحب أرضه فأحبته وأعطته التراث، وهو إنسان الحركة، والإيقاع، والنغم، رقص خلاق، أغانٍ كلها عاطفة، عاطفة آخذهَ فى الصعود منعكسة على قسمات الوجه الأفريقى بمعانى الصدق والطهارة وذلك لأن الفن فى أفريقيا مرتبط بالحياة الاجتماعية الواقعية إلى أبعد الحدود . ذلك لأنه كما سبق القول الفن هو الدافع القوى نحو العمل والإنتاج، والتنافس للمزيد من بذل الجهد والعطاء.
وما يميز الفن الأفريقى عن بقية فنون العالم هو ارتباطه بعضه ببعض فما من أغنية إلا تصاحبها رقصة تعبيرية، وما من آله موسيقية إلا ولها وظيفة مقصودة بعينها .
ومن جماليات الموسيقى العربية والأفريقية الشعبية ، فن الارتجال، أى اتخاذ الشكل البدائى فى الأداء الموسيقى دون إعداد أو تفكير فى شكل خاص؛ وقد يكون الارتجال فى الموسيقى ، فى لحن موضوع ومعروف وهنا تتميز الموسيقى العربية والأفريقية بفتح المجال للإضافة من العازف والمؤدى، أى أن التعبير الموسيقى الموضوع ليس نهائيًّا، بل أنه يترك المجال لأى إضافة تلقائية مبتكرة من طرف العازف أو المطرب طالما أنها تضيف جمالاً إلى اللحن الأصلى، بل إن هذه الإضافة تعد دليلاً على قدرة العازف أو المؤدى.
ونستنتج مما سبق أن الموسيقى عرفت منذ بداية ظهور الثقافة الإنسانية وهى تنشأ فى أى بيئة، وتعيش فى ذاكرة الناس، مجهولة المؤلف، تتميز بالتكرار الإيقاعى الذى يحقق قدرًا من المتعة بالنسبة إلى المتلقين، والموسيقى الأفريقية تتميز عن موسيقى العالم كله بإيقاعاتها المركبة، وآلاتها المصنوعة من مواد الطبيعة، كالطبول والخشاخيش . ومؤلفها الأصلى شخص غير مدرب موسيقيًّا أو غير محترف، ومن ثم فإنها لا تدون عند ابتكارها، وتنتقل بشكل شفاهى عن طريق مغنين وعازفين غير مدربين أو محترفين؛ لذلك من الممكن أن تدخل عليها بعض التعديلات والتغيرات وهى تعبير صادق عن الجماعة الشعبية، تصل إلى أعماق النفس البشرية وتتميز ببساطة مكوناتها فهى سهلة الأداء ولا تحتاج لترجمة مثل كلمات الأغنية؛ لأن التعبير الموسيقى يصل إلى وجدان المستمع ويوحى إليه بمضمونه ويزداد الفهم مع تكرار الاستماع.
أعجبني

تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى