د.سحر السيد ..تكتب..برامج التوك شوك! ظاهره أم مؤامرة؟

تحتاج المجتمعات العربيَّة إلى الحوار لمعالجةِ أزماتِها ومشكلاتِها واستشرافِ مستقبلها، ولن يُصبح هذا الحوار مجدياً وفعالاً إلاَّ إذِا أدركنا بعمق أصوله ومقوماته، فالحوارُ هو أساس الحضارةِ الإنسانيَّةِ، وتعتبر قيمة الحوار جزءاً لا يتجزأ من منظومة الحقوق الأساسية للإنسان، وفي ظل عصر الوفرة الاتصاليَّة التي شهدها العالم أصبحت برامج التوك شو من أهم ما تبثه القنوات الفضائيَّة العربيَّة خصوصاً ما يُبث على الهواء مباشرة وقد شهدت برامج الرأي طفرةً في اتساع مساحة إبداء وجهات الرأي وحريَّة طرح الآراء والأفكار، وقد شكلت برامجُ التوك شو خلال السنوات الأخيرة مَعلماً رئيسيَّاً من معالم الإعلام الفضائي، و أصبحت جزءاً أساسيَّاً من طقوس الحياة اليوميَّة لكثير من المُشاهدين باعتبارها من أهم الوسائل التي تُستخدم لإعلام الجمهور بكل ما يدور حوله من مجريات الأحداث. وتُساهم برامج التوك شو في تشكيل ثقافة الجمهور من خلالِ ما تُقدمه من موضوعات وقضايا، وقد زادت أهميتُها حيث اتخذتْ من الحريَّةِ الإعلاميَّة شعاراً لها، وأُتيح لها عرض مختلف القضايا والموضوعات التي كان يُحظر عليها عرضها، في محاولة لتلبيَّة احتياجات ورغبات الجمهور على مختلف الأصعدة.

وبالرغم من أهميَّة هذا الدور، فقد كشف التناول الإعلامي لبرامج التوك شو، تواضع مستوى الأداء الإعلامي لهذه البرامج، وتباينت الآراء بشأن أدائها ما بين مؤيد ومعارض، ومدى التزام مقدميها بمعايير وأخلاقيَّات الأداء الإعلامي المهني. كما اجتمع غالبية الخبراء الإعلاميين علي أن بعض برامج التوك شو”، تتجاوز القيم والمبادئ المهنية، والاعتداء على الخصوصية بإثارة الفضائح التي تخدش الحياء، وعدم مراعاة الذوق العام، وتحويل البرامج إلى ساحة للقذف المتبادلة، والتهويل وعدم المصداقية في كثير من الأحيان. وأدى التنافس المحموم بين الفضائيات على بث برامج يختلط فيها “الغث مع السمين”، فعدد قليل من البرامج قد حافظت على مستوى مهني مقبول، بينما العديد منها أصبحت أقرب ما يكون إلى “صراع الديوك”، وأيضاً ساهمت في ترويج معلومات مشوشة، بل وغير صحيحة في كثير من الأحيان، وتفرد بعض البرامج مساحات واسعة لقضايا هامشية وتافهة.

ولا يمكن لغالبية هذه البرامج أن تساهم في بناء المجتمعات، ولا العمل على نشر ثقافة وتطوير وعي الناس، والمساعدة على حل المشكلات التي تعاني منها المجتمعات، بل باتت تعطي مفاعيل عكسية بانتهاك قواعد العمل الإعلامي وأهدافه، وخلق بلبلة في المجتمع، مما يستدعي وقفة لتقييم مضمون برامج “التوك شو”. فالإعلام اصبح أداة خطيرة ونحن على يقين بأنه يلعب دوراً كبيراً في حياتنا وفي تشكيل الرأي العام، بحيث أنه إذا أُحسن استخدامه وتوجيهه في مجتمع ما، كان قوة دافعة كبرى للبناء والتطوير والنهوض بالمجتمع، إلى درجة أنَّه قد يكون عامل رئيسي للاستقرار المجتمعي أو الفرقة والانقسام. وقد ظهر دور الإعلام في المجتمع ، مع زيادة هامش الحريَّة، حيث لجأ بعض رجال الأعمال والسياسيين إلى الاستثمار في مجال الإعلام المرئي عبر إنشاء قنوات فضائية جديدة، بعدما أيقنوا أهميَّة دور الإعلام في التغيير السياسي، وقد قدمت القنوات الفضائيَّة وجبات إعلاميَّة دسمة للمُشاهدين وأهتمت ببرامج التوك شو وفيها تم تناول الأحداث اليوميَّة بالتحليل والنقد باستضافة العديد من الخبراء السياسيين والاقتصاديين. وقد نالت تلك البرامج اهتماماً واسعاً ونجاحاً كبيراً، حتى أن الناس اعتادت الجلوس يومياً أمام شاشات التليفزيون لمشاهدتها، و بظل التنافس الإعلامي وانتشار الإعلام الفضائي، تشغل هذه البرامج موقعاً مهماً حيث جذبت شريحة كبيرة من المُشاهدين في العالم، كما أن هذه البرامج تُشبع حاجة الإنسان إلى الفضول المعرفي والسياسي، وتؤَّجج فيه مواقف محددة يقتنع بها، ثم يقوم بالدفاع عنها.

وما يميز هذا النوع من البرامج هو أنَّها تدافع عن القضايا الوطنية وتحاول تسليط الضوء على ما يدور من أحداث سياسية للبلاد، وفى تطور طبيعي لبرامج التوك شو ظهرت نوعية جديدة منها تعتمد على السخرية ونقد كل ما هو سلبي في المجتمع، وقد حققت شعبية ضخمة بل وخطفت الأضواء من برامج التوك شو القديمة التي أصابت المُشاهد بالاكتئاب والملل وأعادت للمواطنين ابتسامتهم رغم ما يعانونه في حياتهم اليوميَّة، كما أن تلك البرامج تناقش الواقع السياسي ولكن بشكل ساخر يجذب المشاهد.

 

post
زر الذهاب إلى الأعلى