العائد
شيرين العدوي
بعد ثورة يناير استيقظت على جلبة تحت منزلي لسارقين قررا أن يخفيا الغنيمة تحت سيارتي كانت أصوات تنم عن أشياء ثمينة ونحاس وما شابه ، فنظرت من شباك منزلي الأنيق المرتفع عن البنايات ” كفيلا مستقلة في عمارة” لأجد حريقا مشتعلا في أحد الفنادق الشهيرة التي أطل عليها . بعد عدة أيام تعرضت في أول يوم لاستلامي العمل بإحدى الجامعات المرموقة لحادث خطف حقيبتى “بموتوسكل” يمشي عكس اتجاه السير تعلقت حقيبة الكمبيوتر التي أحملها في يد بمرآة إحدى العربات الراكنة على جانب الطريق وتشبثت بحقيبة يدي الأخرى التي كان ينازعني عليها السارقان حتى وقعت على الإسفلت وانتهيت بنزيف في قدمي ووجهي وعدة كدمات شديدة، لا أعرف لم نقلت الأموال التي كانت في الحقيبة إلى جيبي ومسكت الموبايل بيد حقيبة الكمبيوتر قبل الحادث بدقائق؟! لأول مرة أمضى لشوارع القاهرة بمفردي دون حارس ، هكذا تربيت في بيت والدي ألا أخرج دون شخص يحميني من العائلة أو العاملين لدى العائلة، كان غريبا أن أحقق أحلامي كلها بعد ثورة يناير وهي حصولي على الماجستير ، محاولة تحمل المسؤولية، عدم تحكم أحد في، رفع الظلم نعم لقد تحررت مصر من الظلم وأنا أيضا سأفعل سأحرر نفسي مما يؤلمني. وهذا اليوم بالذات قررت أن أتغلب على خوفي وأمضي في الشارع بمفردي في السادسة صباحا إلى “باص” الجامعة دون خوف رغم أن المسافة قصيرة جدا بضع دقائق تقريبا لكني كنت مستمتعة : أنا أملك شوارع مصر بمفردي، لم تكتمل فرحتي وحدث ما حدث معي من حادث السرقة، ورغم أني نهضت وأكملت للباص وذهبت للعمل بملابسي الممزقة ووجهي النازف حتى لا أتهم بالتقصير من أول يوم ، فقد قررت عند عودتي أن أذهب لتحرير محضر السرقة الذي لم يسفر عن أي شيء، لأني ببساطة أحترم آداب الطريق، فلا أنظر في وجوه الغرباء وهم يمضون بجانبي. كما أن الحادث كان مباغتا ولم يكن الموتوسيكل يحمل أي لوحة للأرقام ؛ ناهيك عن أن الشرطة وقتها كانت تعاني من تشويه سمعتها وكم البلاغات فلم أعامل يومها بما يليق بي من وجع لا أستحقه في يوم فرح حقيقي . كانت المرة الأولى التي أذهب فيها لقسم شرطة والثانية كانت من أجل ابنى الكبير بعدها بعدة أشهر عندما تعرض لسرقة موبايله وتهديد بالسلاح الأبيض. هل قامت مصر بالثورة لنشهد كل هذا الدمار؟ ثم كان ما كان من أحداث يعرفها الجميع إلى أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي.
سأترك القارئ مع كلمات لأحد أقاربي الذي يعمل في الصحراء وقد غاب عن القاهرة لسنوات عديدة بعد ثورتين ثم قرر زيارتها فجأة فماذا قال؟: ” كانت تجربة فريدة زيارة القاهرة بعد عدة أعوام، ونظرا لضيق الوقت كان شغلنا زيارة أكبرقدرمن معالمها وبيوت الأهل .ربما علمتنا القاهرة قديما أن يوما واحدا بالكاد يكفي مهمة واحدة نظرا لازدحام الشوارع، لكن هذه المرة يبدو أن شيئا ما تغير؛ فمن مدينتي في الدلتا للقاهرة استغرقت الرحلة ساعة ونصف فقط بعد أن كانت تستغرق ثلاث ساعات. وصولي لمدينة نصر من مدخل القاهرة في يوم عمل لم يستغرق سوى نصف ساعة،واستغرق الوقت من مدينة نصر للمعادي 25 دقيقة،ومن العباسية إلى مصر الجديدة 10 دقائق. زرنا متحف الحضارة واستغرق الوقت في الذهاب إليه من العباسية ربع ساعة. أعجبنا النظام والدقة ونأمل في افتتاح باقى القاعات التى لم تفتتح بعد. استغرقت المسافة من المتحف إلى وسط البلد 20 دقيقة. يبدو ما ترسخ في أذهاننا عن زحام القاهرة قد تلاشى وعادت القاهرة مدينة شابة عصرية تملك حلولا للتكدس.انتقلنا من العباسية إلى الشيخ زايد في نصف ساعة مما انعكس بالإيجاب على استهلاك البنزين. ثم أردف قائلا: لا يبدو أثر الدولة القوية في عصر الرئيس السيسي مركزا في العاصمة فقط فهناك في قلب الصحراء التي أحيا فيها بحكم عملي تظهر قوة سيطرة الدولة بعد فترات غابت الدولة كثيرا عن تخومها، حتى الطرق هناك أصبحت تختصر المسافات لتظهر التنمية في أماكن لم يسمع أحد بها من قبل في الصحراء الغربية. فقلت له: لماذالا يرضى بعض المواطنين عن أداء الرئيس؟ فأجاب: ربما يعاني المصريون قليلا من برنامج الإصلاح الاقتصادي، فالكثيرون غير مدركين لوضع مصر وما تحاول أن تصل إليه من خلال برنامجها الإصلاحي.بشكل ما هناك فجوة بين ما يتمناه المواطن من مستوى الرفاهية وما يستطيعه. كذلك غياب الثورة الإنشائية ذاتها في الأقاليم. الأقاليم تعاني بشكل ما من التخبط والعشوائية وعدم سيطرة الدولة رغم سيطرتها على حدود مصر الذي شاهدته بنفسي . انتهى كلام قريبي الشاب الثورجي المتزوج الذي خرج في الثورتين في بلده المنصورة. كنت حريصة على نقل صوت الشباب دون تدخل منى. ربما يجب أن نقول لفخامة الرئيس شكرا لأنك تسعى لإعادة مصر وربما لا يحتمل الوقت مع مشكلة سد النهضة أي انتقادات لكنك بالفعل حاولت أن تؤدي الأمانة مخلصا ودافعت عن مصر في الداخل والخارج وأعدتها إلى مكانتها التي تليق بها. وفقك الله في ملف سد النهضة وألهمك الصواب في تلك المعركة الشرسة، من الخيانة ألا تناصرك أقلام الكتاب الآن بعد كل ما فعلت. في انتظار باقي الإصلاحات التي نحلم بها كمواطنين. “إن ينصركم الله فلا غالب لكم”.