الدكروري يكتب عن خباب وأصحابة مع الرسول

 

محمـــد الدكـــروري

لقد ذكرت كتب السير النبوية الشريفة أنه ذات يوم كثر التعذيب على خباب بن الأرت وإخوانه المسلمين المستضعفين، فذهب مع بعض أصحابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان متكئا في ظل الكعبة، وقالوا يا رسول الله، ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال لهم رسول الله ” قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون” رواه البخاري، فزاد كلام النبي صلى الله عليه وسلم، خبابا وأصحابه إيمانا بنصر الله.

وإصرارا على دعوتهم، فصبروا واحتسبوا ما يحدث لهم عند الله عز وجل، وكانت أم أنمار تأخذ الحديد الملتهب ثم تضعه فوق رأس خباب الذي كان يتلوى من شدة الألم، ومرّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، والحديد المحمّى فوق رأسه يلهبه ويشويه، فطار قلبه حنانا وأسى، ولكن ماذا يملك صلي الله عليه وسلم يومها لخبّاب ؟ لا شيء الا أن يثبته ويدعو له، هنالك رفع الرسول صلى الله عليه وسلم كفيه المبسوطتين الى السماء، وقال ” اللهم انصر خبّابا ” ويشاء الله ألا تمضي سوى أيام قليلة حتى ينزل بأم أنمار قصاص عاجل، كأنما جعله القدر نذيرا لها ولغبرها من الجلادين، وقد أخذ الله عز وجل بحق خباب من هذه المرأة المشركة حيث أصيبت بسعار جعلها تعوي مثل الكلاب.

ولا علاج لها إلا أن تكوى رأسها بالنار، فكان الجزاء من جنس العمل، وروى البخاري أيضا عن قيس قال أتينا خباب بن الأرت رضى الله عنه، نعوده وقد اكتوى سبعا، فقال لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به، وقد تعرض خباب لشتى ألوان العذاب، لكنه تحمل وصبر في سبيل الله، فقد كانوا يضعون الحديد المحمي على جسده فما يطفئ النار إلا الدهن الموجود في ظهره، وقد سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يوما عما لقى من المشركين، فقال خباب يا أمير المؤمنين، انظر إلى ظهري، فنظر عمر، فقال ما رأيت كاليوم، قال خباب لقد أوقدت لي نار، وسحبت عليها فما أطفأها إلا ودك ظهري ” أي دهن الظهر”

post

ولم يكتم خباب بن الأرت رضى الله عنه، إسلامه عن أحد، فما لبث أن بلغ خبره أم أنمار فاستشاطت غضبا وتميزت غيظا، وصحبت أخاها “سباع بن عبد العزى” ولحق بهما جماعة من فتيان خزاعة ومضر جميعا إلى خباب، فوجدوه منهمكا في عمله، فأقبل عليه سباع وقال لقد بلغنا عنك نبأ لم نصدقه، فقال خباب وما هو؟ فقال سباع يشاع أنك صبأت، وتبعت غلام ابن هاشم، فقال خباب في هدوء ما صبأت، وإنما آمنت بالله وحده لا شريك له، ونبذت أصنامكم، وشهدت أن محمدا عبد الله ورسوله، فما أن لامست كلمات خباب مسامع سباع ومن معه حتى انهالوا عليه، وجعلوا يضربونه بأيديهم ويركلونه بأقدامهم، ويقذفونه بما يصلون إليه من المطارق وقطع الحديد، حتى هوى على الأرض فاقد الوعي والدماء تنزف منه.

زر الذهاب إلى الأعلى