العولمة

بقلم شمس الأصيل

 

شهد العالم في السنوات الأخيرة من القرن العشرين مظهرا من مظاهر التطور،وسم بعنوان العولمة بوصفه مرحلة انقالية وسمة الحقبة الجديدة التي تشهد تطور المجتمع البشري،الذي انصهر مع التحولات العلمية والمعرفية والاقتصادية والثقافية والسياسية ذات النسق التصاعدي السريع بصورة مذهلة أجبر العالم على مسايرة هذا التطور حتى يواكب العصر.

 

فماهي جذور العولمة؟ وكيف تشكلت كظاهرة؟ و ما هي خصائصها وتجليتاها ؟ وماتأثيراتها العميقة على الناشئة.

post

ندرك جيدا أن طبيعة الإنسان الشغوفة بحب التملك و النزوع إلى اكتشاف غمار الحضارة المعاصرة ليسابق التحديث عبر التحدي غمرته في عالم التكنولوجيا.

 

غير أنه اصطدم بحدود العولمة التي تشابكت فيها العديد من الانعكاسات المدوية كالاستعمار و استغلال الشعوب الفقيرة وتحويلها الى اسواق استهلاكية ومخابر تكنولجية مختلفة فضلا عن تداخل الحضارات التي اصبحت تماهي النموذج الغربي مقابل الاغتراب عن الهوية .

 

وقد تخامرنا العديد من الأسئلة ويتصدرها سؤال :ما تأثيرات العولمة السلبية في سلوك الطفل ؟ وما هي سبل الإرشاد الكفيلة لتوجيه الطفل كي يتبع مناهج صحيحه تساهم في تنمية ذاته؟ تعتبرالطفولة اللبنة الأولى وحجر الأساس لبناء الشعوب .

 

وقد يتراءى لنا ظاهريا أن الطفولة مرحلة عمرية قصيرة وعابرة وسرعان ما تضمحل من ذاكرة الطفل عند مرحلة النضج والأصح أنها تشكل الخطوط الأساسية لبناء هوية رجل المستقبل. فالطفل ورقة بيضاء تسطرها العائلة وتلونها بجملة من المفاهيم والقيم والمعارف وهي مرحلة حاسمة في بناء معالم وسمات شخصية الفرد مستقبلا في أبعادها الجسمية والعقلية والنفسية والثقافية التي تحاكي شخصية الوالدين فهما المدرسة الأولى بعبارة احمد شوقي” ألأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الاعراق” وهذا يتطلب تحصين الطفل من كل ما يدفع به نحو الإستلاب والتغريب والانحراف.

 

ولكن ما يجب الانتباه إليه أن الطفل لم يعد يستقي معارفه وقيمه من والديه الذين غدا منشغلين بالعمل خارج البيت طوال اليوم وممارسة الأنشطة الإضافية لتوفير متطلبات الحداثة من وسائل تكنولجيةو سيارة فاخرة واحدث المعدات المنزلية،وأصبح الطفل بمقتضى هذا التحول الراهن يتفاعل مع ثقافات جديدة تحملها وسائط إلكترونيه يتعامل معها بعفوية تامة وبحرية مطلقة ودون رقابة.

 

وغالبا ما يقع بسرعة فريسة الاستقطاب السلبي دون وعي وإدراك وكثير ما يتأثر بأفكارها العدوانية المدمغجة فينهل منها وتنعكس على مستوى سلوكاته فتظهر شخصية الطفل المتنمر العنيد المتمرد والمفرغ من مقومات التربية الرشيدة .

 

وتتحول هذه الثقافة والقيم التكنولوجية الهجينة المنافس للوظيفة التربوية والثقافية التي انصرفت عنها الأسرة وتتولاها المدرسة التي غدت تواجه صعوبات كثيفة كعزوف الطفل على مطالعة القصص والقيام ببحوث فردية فضلا عن افتقاره لمعنى احترام معلمه وتقبل نصائحه ومواعظه .

 

فقد اصبح الطفل ينكر المعارف الصادرة من معلمه فهي لا تثيره كما تثيره الرسوم المتحركة والأفلام الكارتونية والألعاب(العنيفة) الجذابة والمغرية التي يدمن عليها تحت عنوان البرنامج الموجهة للطفل والحقيقة أنها تكشف عن مفهوم العولمة الجارفة التي غزت أفكار الطفل وقيمه حتى اصبحت تحددشخصيته وعلاقاته ونظرته للعالم من حوله .

 

فماهي السبل الرشيدة التي يمكن أن نتبعها كي نضمن النمو المتوازن لأطفالنا وأجيالنا؟. كيف توقف مداد هذا التيار و هذه السيرورة الممنهجة؟

ماهي الوسائل الناجعة في عملية غرس بنية ثقافية متجذرة في الهوية والخصوصية وكيف نغرس قيمنا ومبادئ السلام في عقول أطفالنا حتى تنصهر في سلوكاته وشخصيته في مراحل حياته ؟

لا يجب أن نغفل أن واقع الثقافة العربية المعاصر ة في المجتمعات العربية التي تتسم بازدواجية الثقافة والتعليم كان له اليد الطولى لبروز الانعكاسات السلبية على ثقافة الطفل فبقدر ما يحرص التعليم النظامي على ترسيخ القيم الأصيلة والخصوصية الذاتيه بقدر ما تسعى الثقافة الإلكترونية المتداولة على زعزعة ذلك من خلال المضامين التي تمررها الثقافة الإلكترونيه الممنهجة نشأت البعد الاستراتيجي وهي صادرة عن المجتمعات الغربية الرأسمالية منذ أكثر من عقدين لزرع هذه الإيديولوجيا وتكريسها في المجتمعات الاسلاميه من خلال زرع سياسة العنف والصراع والبعد المادي في الحياة وتدمير مفهوم الهوية وتشويه التاريخ والتشكيك في المعنى الحقيقي للدين ولعل نموذج والت دنزي الأمريكية وهاري بورتر خير دليل على سلوك هذا المنهج المبرمج.

 

لذلك يجب التأكيد على أهمية نشأة الطفل على الإيمان وتقوية إنتمائه الحضاري الإسلامي الذي يحمل معاني السلام وتحصينه ضد عوامل الإنحراف التي تأثير بها إثر مشاهدته لنماذج لأبطال خيالية متوحشة فيتقمص شخصيتها ويحاكيها .

 

لذا يجدر نشر ثقافة السلام و تكثيف الزيارات للمواقع التاريخية العريقة والاحتفال الدولي بعيد التراث لتعزيز احترام الطفل لهويته ليقتنع بغزارة وثراء التراث الوطني وعظمة مصادره وتنوع فنونه وثقافته وعمق أصالته .فعبرىالإستفادة من هذه العوامل يمكن ان تصبح المنهل الرئيسي للطفل المسلم والرافد الذي لا ينقطع في تثقيف أطفالنا وتوعيتهم وحثهم على الالتزام بالثوابت الإسلامية المستمدة من عقيدتنا في إطار منهج إسلامي ينبثق من القرآن ومفاهيم السنة والتراث الاسلامي الصحيح كما نشير انه يجب تخصيص حصة يومية لعرض الحكم والمواعظ وتكليف الأطفال بقراءة القصص الورقية الهادفة والتي تحمل راية السلام والفعل البناء والحرص على رسم الأحداث الشخصيات الفاعلة التي تستهوي الطفل لتترسخ هذه السلوكات الإيجابية في ذاكرته فيستخلص العبر .

اضافة الى التشجيع على المسابقات في الرسم والكتابة والمسرح لصقل مواهبهم وخلق اجيال عريقة تنبني على اسس اخلاقية فاضلة وفاعلة وبشخصية ريادية منتجة ومصقولة بقلمي شمس الاصيل العابد الخبيرة الدولية في حقوق الانسان والتواصل بين الثقافات1503 تونس الخضراءالعولمة والإرشاد

زر الذهاب إلى الأعلى