المحافظة على البيئة مسؤولية شرعية ومجتمعية

بقلم: ا.د / عطية لاشين أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف

 

نقسم الحديث عن هذا الموضوع إلى مقدمة وثلاثة عناصر كما يلي :

 

المقدمة :

post

تعد عملية المحافظة على البيئة ، وحمايتها من التلوث من اهم الأمور التي يجب على الإنسان ان يأخذها بعين الاعتبار وذلك للحد ولتقليل الآثار المترتبة على التلوث وللحد من التدهور الذي يهدد بدوره كلا من صحة الحيوانات والبشر والنباتات على المدى القصير والبعيد بفعل الأنشطة البشرية ٠

أصبحت قضية التلوث البيئى أمرا يؤرق العالم بأكمله لما لها من تبعات مدمرة على المدى القريب والبعيد ، ولذلك يجب على جميع الأفراد والمؤسسات التكاتف للحد من هذا التلوث ، وتوعية الناس لمدى خطورته ، وتأثيره السلبي على الحياة ٠

 

بعد هذه المقدمة نتكلم عن العناصر كما يلي :

 

العنصر الأول :

اهتمام الشريعة الإسلامية بالمحافظة على البيئة٠

 

إن الشريعة الإسلامية جاءت لتنظيم وتقنين أمور الدنيا والآخرة وبعبارة أخرى جاءت لتنظم أمور المعاش والمعاد ، ومن لم يهتم بأمور معاشه لم يهتم بأمور معاده أي خسر الدنيا والآخرة قال الله تعلى :(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)٠ القصص آية (٧٧)، والناظر في الآية القرآنية المباركة يجد في ختامها نهي عام من الله عز وجل بعدم الإفساد في الأرض ، وهو نهي عام يشمل الإفساد بجميع أشكاله وجوانبه سواء كان إفسادا معنويا كالأمور التي تؤثر سلبا على ثقافة وفكر وأخلاق الإنسان ، أو كان فساداً ماديا كالسلب والنهب والتخريب والسرقة وقطع الطريق ، وفعل ما يلوث المحيط الذي يعيش فيه الإنسان – البيئة٠

 

الأدلة الشرعية على اهتمام الشريعة الإسلامية بالمحافظة على البيئة٠

 

أولا : الأدلة العامة :

 

الدليل الأول: قول الله تعالى :(وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)٠ البقرة آية (٢٠٥)، تحكي الآية بعض صفات المنافقين ومنها: أنهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون فكل من أفسد البيئة ولم يحافظ عليها من التلوث كان منافقا وكان جزاؤه الأخروي الدرك الأسفل من النار ٠

 

الدليل الثاني : قول الله تعالى : (إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلْأَرْضِ فَسَادًا) سورة المائدة من الآية (٣٣)، والآية الشريفة وإن نزلت في سبب خاص وهو علاج الحرابة والإفساد في الأرض إلا أن العبرة كما يقول المفسرون :”بعموم اللفظ لا بخصوص السبب” ، وتلويث البيئة إفساد في الأرض بالمعنى العام فيدخل في الوعيد المذكور في الآية٠

 

الدليل الثالث : قول الله تعالى :(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) سورة الأعراف الآية (٥٦) ، والآية تفيد بطريق الإيماء أن الله خلق الأرض مهيأة للحياة دون ضرر يلحق الإنسان ، وأي فعل أو نشاط يؤدي ممارسته إلى أن تكون الأرض تفقد صلاحيتها للعيش عليها يكون إفسادا ، وإبعادا لها عن صلاحيتها للحياة التي أوجدها الله عليها ، فيعتبر هذا إفسادا في الأرض وقد نهانا رينا في الآية المباركة عن ذلك٠

 

ثانيا : الأدلة النبوية الدالة على اهتمام الشريعة بالمحافظة على البيئة من التلوث٠

وردت أحاديث كثيرة عن سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه تضمنت مناهي عديدة الغرض منها المحافظة على البيئة من هذه الأحاديث ما يلي :

 

الدليل الأول : قول سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا يبولن أحدكم في الماء الراكد قم يغتسل منه”.

 

نهى الحديث عن إفساد أهم مقوم من مقومات الحياة لا تحقق الحياة إلا به وهو الماء الذي جعله الله سببا لحياة كل كائن حي قال تعالى :(وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) سورة الأنبياء من الآية(٣٠)، ومن هذا الحديث نستطيع أن نقول : إن العائمات التي تبنى على النيل ويتم تصريف مياهها المسماة بمياه الصرف الصحي يتم تصريفها في مياه النيل يعتبر ذلك إفسادا في الأرض وتلويثا للبيئة وإفقاد الماء صلاحيته للحباة وكل ذلك منهي عنه شرعا٠

 

الدليل الثاني : روت كتب السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :”اتقوا الملاعن الثلاث : البراز في طريق الناس ،وفي الظل، وتحت الشجرة المثمرة “٠

ففي هذا الحديث اهتمام من الشريعة الإسلامية بالمحافظة على البيئة وسلامتها من التلوث حيث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن أشياء من أتى واحدة منها كان ملعونا مطرودا من رحمة الله عز وجل ، وإنما نهت السنة عن إتيان واحد من هذه الأشياء لأنها مما تلوث البيئة وتضر بالناس ، وتفسد على الناس حياتهم هذه الأشياء الثلاثة محل النهي هي : البول أو البراز في الطريق الذي يسير فيه الناس حيث بقضاء الحاجة فيه يتم إفساده على الناس.

 

وقضاء الحاجة بولا أو براز في مكان أجتماع الناس في الصيف وهو الظل، أو مكان اجتماعهم في الشتاء وهو المكان المشمس حيث يترتب على ذلك خروجه عن انتفاع الناس به جلوسا أو تحدثا فضلا عن ان في ذلك تلويثا للبيئة٠

 

ومن الأشياء التي نهى الحديث عنها لإتلافها منافع الأشياء على الناس وتلويثها البيئة قضاء الحاجة تحت الشجرة المثمرة وإن لم يكن عليها ثمر أثناء ذلك طالما أن من طبيعتها الإثمار ٠

 

العنصر الثاني :

دور مؤسسات الدولة في الحفاظ على البيئة٠

 

تقوم الدولة بدور رئيس في هذا المجال وحيوي ومؤثر لأن بيدها الثواب والعقاب ومن وظيفتها سن القوانين الرادعة ويظهر ذلك مما يلي :

أولا : دور مراكز الأبحاث العلمية :

يوجد لمراكز البحث العلمي دور مهم في تقديم حلول للمشاكل التي تعاني منها البيئة ومحاولة اكتشاف طرق بديلة وصديقة للبيئة عوضا عن الطرق المسببة لتدهورها.

 

ثانياً : دور الهيئات الإعلامية :

يكمن دور الإعلام في نوعية الناس لمخاطر التلوث البيئي وأثره على صحة الكائنات بجميع أنواعها وذلك عن طريق عرض برامج توعوية يتم فيها توعية الناس وترشد الأفراد حول كيفية التعامل مع البيئة بشكل صحيح فضلاً عن تسليط الضوءعلى كيفية إعادة تدوير المخلفات والتخلص منها٠

 

ثالثاً : دور المؤسسات التعليمية من مدارس ومعهاد وجامعات عن طريق استحداث مقرر خاص بالبيئة والاهتمام بها وحمايتها من التلوث ،وطرق علاج التلوث إذا وقع٠

 

رابعاً : دور المؤسسات الإدارية تقع المسؤولية الأكبر في المحافظة على البيئة على عاتق المؤسسات الحكومية من خلال سن قوانين صارمة ، ونظام مراقبة لطبيعة المواد الكيمائية المستخدمة في الصناعات وإدارة مسببات التلوث بشكل صحيح والحد من الأشياء المسببة للتلوث٠

 

 

العنصر الثالث :دور الأفراد في الحافظة على البيئة من التلوث٠

 

للأفراد دور رئيس في المحافظة على البيئة وصونها عن التلوث من خلال التزامهم بتنفيذ وتفعيل ما جاء في الشريعة قرآنا وسنة والانتهاء عما نهتهم عنه الشريعة حتى يحظوا بثواب الامتثال لما جاء في دين الله عز وجل فإن فعلوا ذلك فبها ونعمت وذلك ما كنا نبغ وإلا اي إن لم يكن عندهم بقية من دين أو وازع من ضمير يحملهم من تلقاء انفسهم على الامتثال لما جاء في دين الإسلام هنا ياتي دور مؤسسات الدولة التي تحمل الناس حملا، وتلزمهم إلزاما بما جاء في شرع الله عز وجل٠

 

وكتبه : ا.د /عطية لاشين – أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر وعضو لجنة الفتوى بالأزهر

زر الذهاب إلى الأعلى