عادل عامر..يكتب..أبعاد الحرب الروسية الأوكرانية 

 

وتعتبر روسيا انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي مزعجًا لها ويمثل خطورة على أمنها وحدودها واقتصادها، بسبب تشاركية الحدود بين البلدين. القلق الروسي سببه الفصل الخامس من اتفاقية «الناتو»، والذي ينص على انه في حالة أي هجوم يتعرض له عضو في الحلف يعتبر هجوماً على الحلف بأكمله، بمعنى أن أي هجوم عسكري روسي على أوكرانيا بعد ذلك سيضع روسيا في مواجهة مباشرة مع 27 دولة على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.

بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتحويل تهديداته إلى أفعال بعد نقل قواته العسكرية إلى أوكرانيا والتأهب لشن عملية عسكرية بداية من فبراير الجاري. يستمر التوتر بين روسيا والغرب في التصاعد بسبب الأزمة الأوكرانية، خصوصا بعد اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستقلال منطقتي دونيتسك ولوهانسك عن كييف،

ونشر موسكو قوات في الإقليمين الانفصاليين، والحشد العسكري على الحدود الشرقية لأوكرانيا الذي يرى فيه الغرب تمهيدا لاجتياح لهذا البلد. عندما انهار الاتحاد السوفيتي السابق، احتفظت روسيا بأكبر احتياطيات الغاز في العالم، لكن أوكرانيا ورثت خطوط الأنابيب. ومنذ ذلك الحين، اختلف البلدان حول هذا الإرث. و”نورد ستريم 2″ هو مشروع خط أنابيب جديد لنقل الغاز الطبيعي بطول 1200 كيلومتر، يمتد من غربي روسيا إلى ألمانيا تحت بحر البلطيق.

ويعتبر خط إمدادات الغاز الذي تبلغ كلفته مليارات الدولارات ورقة مساومة رئيسية في الجهود الغربية المبذولة للحيلولة دون غزو روسي محتمل لأوكرانيا. بدأت أعمال إنشاء خط “نورد ستريم 1” عام 2011، واكتملت في العام التالي.

post

التوترات بين روسيا وأوكرانيا حاليا يسبقها تاريخ يعود إلى العصور الوسطى، فكلا البلدين لديهما جذور في الدولة السلافية الشرقية المسماة «كييف روس»، لذلك، دائما ما يتحدث الرئيس الروسي بوتين عن «شعب واحد».

طبقا للتاريخ، كان مسار هاتين الأمتين عبر التاريخ مختلفاً، ونشأت عنه لغتان وثقافتان مختلفتان رغم قرابتهما، فبينما تطورت روسيا سياسياً إلى إمبراطورية، لم تنجح أوكرانيا في بناء دولتها، حسب موقع «دوتشه فيلا».

في القرن السابع عشر، أصبحت مساحة شاسعة من أوكرانيا الحالية جزءاً من الإمبراطورية الروسية، لكن وبعد سقوط الإمبراطورية الروسية عام 1917، استقلت أوكرانيا لفترة وجيزة، قبل أن تقوم روسيا السوفيتية باحتلالها عسكرياً مجدداً. وبدأ إنشاء خط “نورد ستريم 2” عام 2018، واكتمل في عام 2021. وتلقى المشروع منذ إنشائه دعما قويا من ألمانيا عبر حكومتي شرودر وميركل المتعاقبتين. وتأمل ألمانيا في أن يخفف خط الأنابيب الجديد الضغط عليها وعلى إمدادات الطاقة في أوروبا.

ومن المنتظر أن يؤدي تشغيل خط الأنابيب الجديد إلى مضاعفة كميات الغاز التي ترسلها روسيا إلى ألمانيا بعد موافقة الأخيرة على تشغيله. لكن المستشار الألماني أولاف شولتز قال إن التصديق على الخط لا يمكن أن يمضي قدما في ضوء التطورات الأخيرة من الجانب الروسي.

في ديسمبر عام 1991، كانت أوكرانيا، بالإضافة إلى بيلاروسيا، من بين الجمهوريات التي دقت المسمار الأخير في نعش الاتحاد السوفييتي، غير أن موسكو أرادت الاحتفاظ بنفوذها، عن طريق تأسيس رابطة الدول المستقلة «جي يو إس».كان الكرملين يظن وقتها أن بإمكانه السيطرة على أوكرانيا من خلال شحنات الغاز الرخيص، لكن ذلك لم يحدث، فبينما تمكنت روسيا من بناء تحالف وثيق مع بيلاروسيا، كانت عيون أوكرانيا مسلطة دائماً على الغرب.

أزعجت أوكرانيا الكرملين بميلها للغرب، ولكن الصراع لم يصل إلى ذروته طوال فترة التسعينيات، لأن حينها كانت موسكو هادئة، لأن الغرب لم يكن يسعى لدمج أوكرانيا، كما أن الاقتصاد الروسي كانت يعاني، والبلاد كانت مشغولة بالحرب في الشيشان، حسب «بي بي سي».

في عام 1997 اعترفت موسكو رسمياً من خلال ما يسمى بـ«العقد الكبير» بحدود أوكرانيا، بما فيها شبه جزيرة القرم، التي تقطنها غالبية ناطقة بالروسية. عندما انهار الاتحاد السوفييتي مطلع التسعينيات، كانت أوكرانيا، الجمهورية السوفيتية السابقة، تمتلك ثالث أكبر ترسانة أسلحة نووية في العالم.

وعملت الولايات المتحدة وروسيا على نزع الأسلحة النووية الأوكرانية، وتخلّت كييف عن مئات الرؤوس النووية إلى روسيا، مقابل ضمانات أمنية لحمايتها من هجوم روسي محتمل. شهدت موسكو وكييف أول أزمة دبلوماسية كبيرة حديثة بينهما في عهد فلاديمير بوتين، ففي خريف عام 2003 بدأت روسيا بشكل مفاجئ في بناء سد في مضيق كريتش باتجاه جزيرة «كوسا توسلا» الأوكرانية.

السبب الرئيسي للازمة الحالية، الرفض القاطع الروسي لانضمام أوكرانيا ضمن حلف الشمال الأطلسي الناتو. وبدأ الرئيس فلاديمير بوتين منذ شهر ديسمبر عام 2021، بتوجيه رسائل للولايات المتحدة الأمريكية بشكل علني ألا تسمح بانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو أو تتلقى مساعدات عسكرية، لكن الحلف لم يرضخ لهذه المطالب، وسعى حثيثًا نحو ضم أوكرانيا.

تذكر هذه التوترات بأجواء الحرب الباردة (من نهاية الحرب العالمية الثانية لعام 1989) التي لم يكن خلالها الصدام مباشرا في أحيان كثيرة بين المعسكر الغربي والاتحاد السوفياتي السابق. ولفترة طويلة شكلت المنطقة العربية إحدى المحاور الأساسية لهذا النزاع. فمن الصراع العربي-الإسرائيلي إلى الحرب العراقية الإيرانية، والحرب الأهلية اللبنانية، وحرب اليمن، وقضية الصحراء الغربية، تركت الحرب الباردة بصمتها على الدول العربية التي اصطفت خلف هذا المحور أو ذاك.

ومرة أخرى، بعد أكثر من ثلاثة عقود على انهيار جدار برلين (في نوفمبر/تشرين الثاني 1989)، تجد هذه الدول نفسها وسط صراع نفوذ ومصالح بين الشرق والغرب ستكون له دون شك تداعياته عليها بسبب موقعها الجغرافي بينهما، وبسبب ارتباطاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو روسيا. وسيكون لتجارة الأسلحة الروسية دون شك دورا في حسم مواقف الدول العربية، إذ عملت موسكو خلال السنوات الأخيرة على استعادة مكانتها في دول عربية كان لديها نفوذ فيها في الحقبة السوفياتية، واعتمدت على تجارة الأسلحة بشكل كبير لتحقيق هذا الهدف. إذ ضاعفت روسيا صادراتها من الأسلحة إلى الجزائر، أكبر الدول العربية والأفريقية مساحة، محافظة على مكانتها كأول مزود للجيش الجزائري الذي تبلغ ميزانيته السنوية الخاصة بالتسليح نحو عشرة مليارات دولار، تحصل روسيا على نصيب الأسد منها. كذلك عادت روسيا لتزويد العراق بالسلاح على الرغم من التحولات التي شهدها بعد الغزو الأمريكي وإعادة بناء الجيش الذي اعتمد منذ ذلك الحين على الأسلحة القادمة من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. وبجانب كل ما تقدم، فإن روسيا وأوكرانيا من أهم مصدري القمح لعدد كبير من الدول العربية.

وتمر معظم هذه الصادرات عبر البحر الأسود الذي يقع في محور الأزمة الحالية. فإن التهديدات لصادرات القمح الأوكرانية تشكل “أكبر خطر على الأمن الغذائي العالم”.إذ اشترت مصر نحو نصف وارداتها من القمح في 2021 من روسيا وحوالي 30 في المئة من أوكرانيا. ومصر من أكبر مستوردي القمح في العالم، ويمكن أن تتسبب الأزمة في تراجع وارداتها من هذه المادة الأساسية التي يعتمد عليها نحو ثلثي سكان البلاد.

كذلك فإن روسيا هي المزود الرئيس للجزائر بالقمح وتليها أوكرانيا، بينما أدى توتر العلاقات مع باريس لتراجع صادرات القمح الفرنسية إلى هذا البلد. ويعتمد لبنان على أوكرانيا في تغطية نحو 50 بالمئة من احتياجاته من القمح. كذلك تزود كييف ليبيا بـ43 بالمئة من وارداتها من هذه المادة، واليمن بـ22 في المئة، والمغرب بـ26 بالمئة.

وأدت العوامل المناخية والسياسية إلى تراجع الإنتاج الزراعي في الدول العربية، وبشكل خاص القمح. وتشير تقارير رسمية إلى أن مصر والمغرب تملكان احتياطيا من القمح يكفي من أربعة إلى خمسة أشهر. بينما أدت الأزمة السياسية في تونس إلى نقص كبير في الحبوب.

كل هذا يجعل إيجاد بدائل لاستيراد هذه المادة أمرا ضروريا. وهنا تأتي الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وكندا وفرنسا على رأس الدول التي يمكن أن تغطي هذا النقص، ولكن هذا يمكن أن يكون أيضا عرضة لضغوط تفرضها المتغيرات السياسية.

أولاً: الأعمال السابقة والحالية للأطراف:

1-الجانب الروسي:

يوم الثلاثاء 22 فبراير 2022، وطبقاً للتقارير الواردة، واصلت روسيا نشر القوات البرية والطائرات المقاتلة والهليوكبتر بأنواعها وذلك في مناطق التجمع المحتملة بالقرب من الحدود الأوكرانية في جوميل بيلاروسيا، وبلغورود بروسيا. وقد رصدت صور الأقمار الصناعية الغربية معسكراً ميدانياً عسكرياً روسياً جديداً به أكثر من 100 مركبة في جوميل بيلاروسيا. أبلغ مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي البيلاروسية عن دبابات روسية طراز T-72. كما نشرت روسيا حوالي 30 طائرة هليوكبتر هجومية من طراز Ka-52 وطائرة هليكوبتر من طراز Mi-8 في مدينة غوميل البيلاروسية. وطبقاً للتقارير أيضاً، شوهد تحرك مجموعة تكتيكية تصل كل منها لقوة كتيبة مدعمة تابعة لمنطقة بيلغورود الروسية. كما رصدت صور الأقمار الصناعية الغربية تزايد المدرعات الروسية في بيلغورود وفالويكي الروسيتيين والوقعتين على الحدود الأوكرانية.

 

واعتباراً من أمس الأربعاء 23 فبراير 2022، بدأت روسيا في سحب جميع الموظفين الدبلوماسيين من كافة المكاتب الدبلوماسية الروسية المتواجدة بالمدن الأوكرانية، وذلك بعد قيامهم باتلاف كافة الوثائق الخاصة بهم. في المقابل، طالبت وزارة الخارجية الأوكرانية المواطنين الأوكرانيين في روسيا بمغادرة روسيا على الفور اعتباراً من نفس اليوم 23 فبراير.

وفي مقابل العقوبات الغربية المتوعدة من جانب الولايات المتحدة وأوروبا، هددت الخارجية الروسية برد ما اسمته بـ “القوي وليس بالضرورة المتماثل” دون تحديد طبيعة هذا الرد، وذلك على العقوبات الأمريكية في 23 فبراير. وأن العقوبات الغربية غير مؤثرة ولا تمنع روسيا من “الدفاع بقوة عن مصالحها”.

ومن جانب آخر، واصل الكرملين اتهامات كاذبة للقوات الأوكرانية بمهاجمة الأراضي الروسية في 23 فبراير لإضفاء الشرعية على العمل العسكري الروسي ضد أوكرانيا. ادعى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) أنه منع الهجمات الإرهابية على كنائس القرم التي نظمها أنصار الجماعة القومية الأوكرانية “القطاع الصحيح” في 23 فبراير، وأنه قد تم اعتقال ستة مواطنين روس قاموا بتحريض اليمين المتطرف عبر الإنترنت لتفجير عبوات ناسفة محسنة. كما اتهم الكرملين سابقاً القوات الأوكرانية (وأظنه كذب) بمهاجمة مدينة روستوف جنوب روسيا بالمدفعية والقوات البرية في 21 فبراير.

وعلى الصعيد المعلوماتي (الإليكتروني والنفسي)، كثفت روسيا العمليات السيبرانية الهجومية ضد مواقع الحكومة الأوكرانية، وجنود الخطوط الأمامية الأوكرانية في 23 فبراير. كما تم تنفيذ هجمات إلكترونية روسية لشل السيطرة السبرانية الأوكرانية (DDoS) في وزارتي الخارجية والدفاع الأوكرانية، وضد مجلس الوزراء، والبرلمان، وجهاز الأمن الفيدرالي، والبنوك. وكذا قامت أنظمة الحرب الإلكترونية الروسية بإرسال رسائل نصية دعائية موجهة إلى أفراد الكتائب الأوكرانية المنتشرة بالقرب من خط المواجهة وأبلغت الجنود أن الوحدات الروسية انتشرت في دونباس بموافقة موسكو للهجوم في 22 فبراير. دعت الرسائل الجنود الأوكرانيين إلى ترك مواقعهم لإنقاذ حياتهم.

وبشكل مُعلن، وتحديداً فجر اليوم الخميس 24 فبراير 2022، أصدر الرئيس الروسي بوتين أوامره للقوات الروسية بالانتشار في الأراضي الأوكرانية التي يسيطر عليها العناصر الأوكرانية الموالية له والمدعومة بعناصر روسية والمتواجدة على خط التماس مع القوات الأوكرانية، مع تنفيذ هجوم بواسطة القوات الروسية عبر الحدود الأوكرانية،

حيث قامت بغزو باقي الأراضي غير المسيطر عليها من قبل العناصر الموالية لروسيا في ولايتي دونيتسك ولوهانسك الأراضي غير المحتلة من قبل روسيا). مع توسع القوات الروسية في غزو مناطق محدودة في عمق أوكرانيا في نفس الوقت، وذلك بعد قيام قادة ولاياتي  دونيتسك ولوهانسك بمطالبة بوتين رسمياً بنشر القوات الروسية في باقي الأراضي غير المسيطر عليها والتبعتين لجمهورياتهم المعلنة من طرف واحد. وتزامن ذلك مع الموافقة المسبقة من البرلمان الروسي على طلب بوتين بنشر قوات عسكرية لحفظ السلام في بصورة غير محدودة لنشر القوات الروسية في الخارج لأي غرض يختاره اعتباراً من يوم الثلاثاء 22 فبراير.

وتشير العمليات الإعلامية الحالية للتلفزيون الحكومي الروسي، جنباً إلى جنب مع خطابات بوتين وتصريحاته المُعلنة، إلى أن بوتين قد ينوي ضم معظم أراضي أوكرانيا (وربما كلها) مباشرة إلى روسيا بعد احتلالها، وذلك لإجهاض أي احتمال لإقامة نوع من الدولة العميلة في كييف. ومع ذلك، لا تزال الأدلة على نوايا بوتين بعد الغزو غير حاسمة في هذا الوقت.

مبررات الغزو المُعلنة من الجانب الروسي:

–           أن أوكرانيا بادرت بتنفيذ أعمال عسكرية ضد ولايتي دونتيسك ولوهانسك فور إعان انفصالهما كجمهوريتين.

–           أن أوكرانيا ليست دولة ذات سيادة على ولايتي دونتيسك ولوهانسك.

–           أن الجمهوريتين المعلنتين من طرف روسيا لهما حق السيادة على أراضيهيما.

–           أن من حق روسيا حماية الروس ومن هم من أصول روسية والمقيمين بالولايتين.

2-        الجانب الأوكراني:

رداً على حصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على السلطة القانونية لنشر القوات في الخارج، أعلنت الحكومة الأوكرانية التجنيد الإجباري لجنود الاحتياط، كما أعلنت حالة الطوارئ والموافقة على بروتوكولات الأحكام العرفية يومي 22 و 23 فبراير. كما تم التصويت بالبرلمان الأوكراني على زيادة نفقات الدفاع لـ 900 مليون دولار إضافية، وتم تأييد فرض عقوبات على النواب الروس الذين صوتوا للاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين. وأعلنت قيادة الحدود الأوكرانية فرض قيود على حركة مرور المدنيين وحركة البحر وأنشطة أخرى في المناطق المتاخمة لروسيا وبيلاروسيا وشبه جزيرة القرم ودونباس التي لا تخضع لسيطرة الحكومة.

3-        الجانب البيلاروسي:

لم يتم رصد أي تحركات هامة سوى تصريحات رئاسية داعمة لروسيا ولاحتمال امتلاك قدرات نووية روسية للدفاع. كما أن بيلاروسيا تفتح أراضيها لنشر أي قوات روسيا لتطويق أوكرانيا من الشمال، دون تدخل عسكري بيلاروسي يذكر.

4-        الولايات المتحدة:

في 22 فبراير 2022، أعلنت الولايات المتحدة عن قيامها بإرسال 5000 جندي أمريكي إضافي إلى أوروبا، وأن الهدف من إعادت تمركز ونشر القوات الأمريكية في أوروبا الشرقية هو ردع العدوان الروسي ودعم حلفاء الولايات المتحدة. كما أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عن تحركات القوات في رومانيا وبلغاريا والمجر وبولندا وألمانيا. وقام الفيلق الثامن عشر المحمول جواً الأمريكي بنقل مركز قيادة متطور يمكن البنتاجون من قيادة قوة المهام المشتركة في ألمانيا. كما قمت الولايات المتحدة بنشر 4700 فرد من الفرقة 82 المحمولة جواً وعناصر دعم غير محددة إلى ألمانيا. كما تم نشر لواء مشاة مدعم في بولندا.

 

وقد نفذ زعماء الولايات المتحدة وحلفائها وعودهم بإلغاء الاجتماعات مع كبار المسؤولين الروس حيث بدأت روسيا غزوها شرق أوكرانيا المحتلة بالوكالة. وألغى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين اجتماعاً كان مقرراً في 24 فبراير في جنيف مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في 22 فبراير، مشيراً إلى غزو روسيا لأوكرانيا والرفض الشامل للدبلوماسية.

5-        المملكة المتحدة:

زادت بريطانيا من حزم الدعم الاقتصادي والعسكري لأوكرانيا لردع وتخفيف العدوان الروسي. وأعلنت وزيرة الخارجية البريطانية عن حزمة اقتصادية جديدة لدعم الاستقرار الاقتصادي في أوكرانيا، وضمنت بريطانيا قروضاً من بنك التنمية متعدد الأطراف لأوكرانيا للتخفيف من آثار العدوان الروسي المستمر على أوكرانيا في 23 فبراير. وأعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عن تقديم بلاده مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا بما في ذلك أسلحة دفاعية غير محددة ومساعدات غير مميتة. وطلبت وزيرة الثقافة البريطانية من المنظمين الإعلاميين في المملكة المتحدة مراجعة رخصة البث لقناة الأخبار الروسية المملوكة للدولة RT واتهمت القناة رسمياً بأنها أداة تضليل للكرملين.

6-        الناتو والاتحاد الأوروبي والحلفاء:

يومي 22 و 23 فبراير 2022، أعلنت الدول الغربية عن عقوبات ضد روسيا، تزامناً مع ما تم إعلانه في نفس الصدد من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ودعماً له.

أعلن المستشار الألماني رفض بلاده للإعتداء الروسي ضد أوكرانيا، ووافقت ألمانيا على إيقاف مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2 (بشكل مؤقت اعتباراً من أول أمس الثلاثاء 22 فبراير 2022)، مبتعدة عن علاقتها الوثيقة سابقاً بشركات الطاقة الروسية.

كما فرضت الحكومة الأسترالية عقوبات على ثمانية أعضاء في مجلس الأمن الروسي والعديد من البنوك الروسية وقيدت التجارة مع جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين.

وفرضت الحكومة الكندية عقوبات على بنكين روسيين، وحظرت الكنديين من شراء الديون السيادية الروسية، وفرضت عقوبات على الولايتين المنفصلتين وعلى النواب الروس الذين صوتوا للاعتراف بهم في 22 فبراير.

كما جمدت الحكومة اليابانية أصول النواب الروس المشاركين في الاعتراف بالولايتين المنفصلتين، وحظرت بيع السندات الروسية في اليابان.

كما أعلن الاتحاد الأوروبي عن عقوبات ضد وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو وغيره من كبار المسؤولين الروس، وكذلك وكالة أبحاث الإنترنت الروسية. وقال الاتحاد الأوروبي إن هذا سيكون أول دفعة من العديد من العقوبات إذا استمرت روسيا في اتخاذ إجراءات عدوانية ضد أوكرانيا.

7-        تركيا:

على الرغم من عقوبات الناتو والضغط على الوصول إلى البحر الأسود، امنعت تركيا عن فرض عقوبات على روسيا حتى الآن. فلا يزال أردوغان مصمماً على مسك (العصى من المنتصف) بهدف تحقيق التوازن للعلاقات التركية مع كل من روسيا وأوكرانيا. وكرر أردوغان أن تركيا لا تقبل اعتراف روسيا بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين، ودعا إلى العودة إلى اتفاقيات مينسك الثانية، وذكر أن تركيا تتبع “نهجاً بناءً” داخل الناتو، وذلك خلال اتصال هاتفي مع بوتين. ودعا أردوغان إلى اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة للناتو، وانتقد الجهود الدبلوماسية السابقة غير الفعالة للقادة الغربيين للقاء الكرملين، وذكر أن تركيا لا تستطيع التخلي عن علاقاتها مع روسيا أو أوكرانيا بسبب العلاقات الاقتصادية والعسكرية والسياسية القوية التي تربط تركيا بالدولتين.

من جانب آخر، قال السفير الأوكراني في تركيا فاسيل بودنار لرويترز في 23 فبراير إن أوكرانيا قد تطلب من تركيا منع مرور السفن الروسية إلى البحر الأسود إذا شنت روسيا غزواً واسع النطاق، حيث تتحكم تركيا وتنظم المرور عبر مضيقها بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود بموجب اتفاقية مونترو لعام 1936.

8-        الصين الشعبية:

أمام كل ذلك، وفي المقابل، انتقدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ العقوبات الغربية على روسيا، وصرحت بأن الصين لن تفرض عقوبات، ورفضت أي مقارنة بين أوكرانيا وتايوان. وانتقد تشونينج العقوبات الغربية ووصفها بأنها “غير قانونية” ودعا إلى الحوار والمفاوضات الدولية بدلاً من ذلك. وأضاف تشونينغ أن الصين ترى أن السياسات الموجهة للعقوبات غير فعالة وأن العقوبات الأمريكية السابقة تسببت في “صعوبات اقتصادية خطيرة وأثرت على معيشة الناس” ويجب ألا تقوض الولايات المتحدة حقوق ومصالح الصين والأطراف الأخرى. رفض تشون ينغ أي مقارنة بين أوكرانيا وتايوان، مدعيا أن تايوان كانت دائما “جزء لا يتجزأ” من الصين. كان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قد ألمح إلى أن استيلاء روسيا على أوكرانيا سيسمح للصين باستنتاج أن “القوة تصنع الحق” وتعريض تايوان للخطر.

ثانياً: الوضع العسكري الحلي لقوات على الأرض:

اعتباراً من الساعة الخامسة صباح اليوم الخميس 24 فبراير 2022، بدأت القوات المسلحة للاتحاد الروسي تنفيذ فصف مكثف لوحدات القوات المسلحة الأوكرانية المتمركزة والمنتشرة شرقاً، وقامت بإطلاق الصواريخ على مطارات في مدن بوريسبيل، وأوزيموي، وكولباكين، وتشوجويف، وكراماتورسك، وتشوموبايفكا، والمنشآت العسكرية الأوكرانية. كما شنت القوات الروسية المعتدية ووكلائها بشن قصفات مدفعية على أراضي ومستوطنات أوكرانيا على طول حدود الدولة وعلى الحدود مع الإقليم المُحتل بجمهورية القرم.

في المقابل، قامت القوات المسلحة الأوكرانية المكلفة بالدفاع عن الدولة، ووفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الذ يعطي حق الدفاع عن النفس (طبقاً لإعلان رسمي أوكراني)، بتنفيذ أعمال مخططة لصد العدوان وعلى نطاق واسع لحرمان القوات الغازية من اختراق الحدود، وإحكام السيطرة، وإحداث أكبر خسائر ممكنة بالقوات الروسية والعناصر الموالية لها. وفي المنطقة الشرقية، صرح مسؤولون أوكرانيين عن إسقاط عدد (5) طائرات تابعة للقوات الجوية والفضائية الروسية وعدد (2) طائرة هليوكبتر، طائرتا هليكوبتر، وتدمير عدد (2) دبابة، كما دمرت عدة شاحنات تابعة للقوات الروسية.

تمكنت القوات الروسية المدرعة والمشاة من انتهاك حدود الدولة الأوكرانية في مناطق تشيرنيهيف وسومي ولوهانسك وخاركيف. تمكنت الدبابات الروسية من العبور في مدن تشيميهيف عبر نقطتي تفتيش سينكيفكا وجريماياش ومناطق أخرى. كما تمكنت من المرور عبر نقطة تفتيش بوداركا في منطقة خاركيف وفي اتجاه نقطة تفتيش ميلوف في منطقة لوهانسك. وتعرضت لقصف روسي عنيف معظم الوحدات الحدودية ودوريات الحدود في مناطق لوهانسك وسومي وخاركيف وتشيميهيف وجيتومير. مرفق خريطة الضربات الجوية التي تقوم بها القوات الجوية والفضائية التابعة للاتحاد الروسي وأماكن عبور الحدود الأوكرانية بمركبة عسكرية مدرعة تابعة للقوات المسلحة الروسية.

حيث يقوم الجيش الروسي بشن هجوم بري في مناطق خاركيف وخيرسون وتشيميهيف وسومي ولوهانسك ودونيتسك، مع استمرار القوات المسلحة الأوكرانية بالتصدي لها.

رابعاً: الأعمال المنتظرة للقوات  الروسية

1-        هدف القوات المسلحة الروسية:

–           شل القدرات العسكرية الأوكرانية.

–           شل مفاصل الدولة الأوكرانية.

–           تأكيد السيطرة السياسية والعسكرية لولايتي دونتيسك ولوجانسك المعلنتين من طرف واحد جمهورتين مستقلتين عن أوكرانيا.

–           التأكد من تحييد القوة العسكرية الأوكرانية ونزع السلاح الأوكراني وحرمان الدولة من أي ميزة عسكرية أو جيوستراتيجية لصالح الناتو.

2-        سيكون على بوتين التحسب لـ:

–           تصعيد العقوبات الغربية والدولية.

–           دور تركي دبلوماسي وأمني بداياته ربما احتمالات غلق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام روسيا، وذلك من خلال طلب رسمي موجه من أوروبا والولايات المتحدة للأمم المتحدة وتركيا.

3-        ملخص الأعمال المنتظرة على الصعيد السياسي الدولي:

تستمر القوى الغربية في فرض العقوبات واتزويد أوكرانيا بالإمدادات اللزمة لها لصد العدوان الروسي، كما تستمر في نقل القوات اللزمة لتأمين أوربا وزيادة الضغط العسكري والسياسي على روسيا دون أي احتمالات لاشتباك عسكري مباشر بين القوات الأمريكية والروسية ولا قوات الناتو وروسيا.

من المرجح أن يستفيد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من عدوان روسيا غير المسبوق ضد أوكرانيا كعامل محفز لنقل الاتحاد الأوروبي بعيداً عن اعتماده الحالي على الغاز الطبيعي الروسي. استخدمت روسيا في السابق سيطرتها على واردات الغاز الطبيعي إلى أوروبا الشرقية للضغط على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا. وهو ما يتزامن مع قيام الولايات المتحدة بضم قطر ضمن قاشمة الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة، مع احتمال التوسع في استدعاء حلفاء استراتيجيين آخرين كإسرائيل ومصر لتصدير الغاز إلى أوروبا بدلاً من روسيا، وكما هو مخطط منذ أكثر من عشر سنوات.

تتطلب الخطة من الاتحاد الأوروبي ملء احتياطيات الغاز الطبيعي سنوياً قبل الشتاء. ستدعو الخطة أيضاً إلى خفض بنسبة 40% في استهلاك الوقود الأحفوري في الاتحاد الأوروبي قبل نهاية العقد الحالي، ومن المرجح أن تدعم ألمانيا الاقتراح أيضاً.

تستمر تركيا في سياسة التوازن في العلاقات بينها وبين كل من روسيا وأوكرانيا من جانب، وبينها وبين روسيا والولايات المتحدة والناتو من جانب آخر. لن تبادر تركيا بأي عمل عدائي مستفز لروسيا، سواء عسكري في الداخل الأوكراني أو على حدودها ولا بالمبادرة بغلق مضيقي البوسفور والدردنيل، ولكتها يتتبع نفس النهج الذي اتبعته أثناء الغزو الروسي لجورجيا عام 2008، حيث لم تتدخل بأي شكل رغم دعمها السابق لجورجيا.

الموقف العسكري الوحيد الذي قد تلجأ له تركيا هو حالة تعرضها لتحرش روسي ووقتها سيكون الرد الروسي في إطار البند الخامس من بروتوكول الناتو، وبشكل محدود للغاية، وهو احتمال شبه مستحيل، ولكنه محسوب.

4-        الأعمال المنتظرة على الصعيد الأمني والعسكري:

–           الاحتمال الأول (في إطار العملية المحدودة):

الهدف:

“تهدف القوات الروسية إلى السيطرة علىكافة المناطق غير المحتلة بالجمهوريتيين المعلنتين من جانب روسيا وفرض السيادة العسكرية والسياسية الكاملة عليهما بشكل كامل وذلك من خلال عملية حاسمة سريعة لا تتجاوز الـ (96) ساعة”.

ولتحقيق هذا الهدف، مستغلة أعمال قتال القوات المتقدمة ونيران المدفعية والقوات الجوية والأعمال الإليكترونية والعمليات النفسية، تستغل القوات الروسية القوة الدافعة لهجوم قوات النسق الأول الاستراتيجي الذي تمكن من انتهاك الحدود الأوكرانية من خلال منطقة “بيلغورود” الروسية المتاخمة للحدود الشمالية الشرقية لمنطقة لولاية “لوهانيسك”، وتستمر في التقدم على الأرض سعياً للإستيلاء على مدن (بولتافا، وكيرمنشوك وجنوباً تجاه مدينتي دنيبرو وزابريزيزيا” بهدف الاستيلاء على كامل المدن لولايتي “لوهانسك ودونتيسك” وإعلان السيادة الكاملة لدولتيهما الجديدتين عليهما، مع ثبات القوات التي انتهكت الحدود الأوكرانية من خلال مدينة جوميل البلاروسية شمالاً، بهدف تثبيت قوات كييف والاستعداد لمحاصرتها.

–           الاحتمال الثاني (في إطار الغزو الشامل – سياسة الأمر الواقع):

الهدف:

“تهدف القوات الروسية في هذه الحالة، إلا دفع رئيس أوكرانيا للهروب وترك البلاد دون سيطرة، والاستيلاء على العاصمة كييف، وإعلان أوكرانيا تحت السيادة الروسية”. وهو الأخطر والأضعف احتمالاً.

ولتحقيق هذا الهدف وبنفس الأسلوب الذي وضحته في كيفية تحقيق الهدف بالاحتمال الأول، تقوم البحرية الروسية بتطويق أوكرانيا بواسطة القوات البحرية المدعومة جواً من البحر الأسود جنوباً، وتستمر القوات الروسية في التقدم عبر منطقتي “بيلغورود” الروسية و”جوميل” البيلاروسية تجاه العاصمة “كييف” وداخل أوكرانيا مستهدفة مدن “زيتومير وبيلاتسيكفا وتشيركاسي” جنوباً، بهدف محاصرة العاصمة كييف وإحكام السيطرة عليها من جميع الأجناب، ونشر القوات الروسية والقوات الموالية لها في المدن المحيطة، وبما يحقق السيطرة الكاملة على العاصمة الأوكرانية والمدن الكبرى الهامة بها.

زر الذهاب إلى الأعلى