زواج القاصرات.. فستان أبيض بورقة طلاق مؤجلة

بقلم اللواء  أشرف فوزى

حلم يراود الفتيات …الفستان الأبيض والطرحة «ليلة العمر»، لكنها مع اقترانها بزواج القاصرات قد تتحول إلى كابوس مؤلم يدمر الحياة، تاركاً الفتاة حاملة لقباً قد يكون الأصعب فى ظل التقاليد المجتمعية، وهو “مطلقة ”

سلط الضوء على القضية بشكل كبير تحذير الرئيس عبدالفتاح السيسى …. حين قال خلال كلمته باحتفالية التعداد السكانى: «فوجئت بأن عدد المتزوجات فى سن ١٢ عاماً ليس بسيطاً.. بنت عندها ١٢ عاماً نحملها مسئولية زواج وبيت.. انتبهوا لأولادكم وبناتكم لأن ذلك يؤلمنى ويؤلم أى إنسان عنده ضمير حقيقى واهتمام بأبنائه وبناته».

على الرغم أن قانون الطفل رقم ١٢٦لسنة ٢٠٠٨، زواج البنات أقل من ١٨ عاماً، باعتبارهن أطفالاً، مقارنة بسن الزواج القانونية فى الماضى، وهو ١٦ عاماً، الذى كان عموم المواطنين يقبلونه، وإن كان يعترض عليه نشطاء حقوق الإنسان، الا ان ظاهرة تزويج البنات أقل من ١٨ عاماً تنتشر فى الأرياف وفى بعض مناطق الحضر أيضاً، لأنه بسبب الموروث الاجتماعى والدينى يسود الاعتقاد بأن سن زواج البنت هى البلوغ.

زواج القاصرات، جريمة لا تزال منتشرة في المجتمعات الريفية المصرية، خصوصاً في صعيد مصر، جنوب البلاد، تحت غطاء العادات والتقاليد. فطبقاً للإحصاءات الرسمية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن قرابة ١١٧ ألف حالة زواج تحت سن ١٨ عاماً سنوياً دون أي أوراق ثبوتية، تشكل ٤٠ في المئة من إجمالي حالات الزواج بالبلاد، مما يهدر حقوق الفتيات، ويقتل طفولتهن بمشكلات صحية ونفسية قاسية، رغم تجريم القانون المصري لهذه الزيجات.

post

إن العديد من العائلات تحرص على الإسراع في تزويج فتياتهن، انطلاقاً من أن الزواج سترة لهن، في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة.

أن القانون المصري يجرم زواج الفتيات دون بلوغ السن القانونية ١٨ عاما، إلا أن تحايل المجتمع يأخذ العديد من الأشكال لإتمام جريمة زواج الفتاة القاصر. وأشهرها صيغة الزواج العرفي دون توثيق، عبر عقد القران شفهياً أمام أسرة الزوجين في دور المناسبات أو المساجد، ويتم ذلك غالباً بتواطؤ مأذون شرعي لمباركة تلك الصفقة، وهو ما يطلق عليه “زواج السنة”، أما الشكل الثاني للتحايل فيتمثل في تزوير أوراق رسمية للفتاة القاصر تثبت أنها قد بلغت السن القانونية للزواج ١٨عاماً. أن زواج القاصرات يهدر حقوق الفتاة وأبنائها، لعدم وجود أي أوراق ثبوتية

ان أسباب زواج الأطفال في العالم قد تكون بسبب فقر أهل الفتاة القاصر ورغبتهم في تحسن أوضاعهم المادية عبر مهر فتياتهن، كذلك ببعض المجتمعات الراديكالية المتشددة يرغب الذكور المقبلون على الزواج في السيطرة المبكرة على الحياة الجنسية للفتاة منذ نعومة أظفارها، كما تَلقى هذه الرغبة قبولاً لدى أهل القاصرات لتزويجهن المبكر رغبة في حماية شرف الأسرة.

أن الشكل الأكثر شيوعاً لزواج القاصرات في مصر، زواج الأقارب بخاصة في المحافظات التي تنتشر بها القبائل، ويكون ذلك حرصاً على تماسك القبيلة، وحتى لا يختلط نسل العائلة بعائلات غريبة، مما قد يتسبب في تبديد الميراث، وضياع ثروة القبيلة والعائلة،

وقد يرجع أسباب انتشار الظاهرة إلى الأعراف الخاطئة لدى المجتمع، أن المجتمعات لا تتغير إلا بتغير القناعات، لذلك يجب رفع وعي المواطنين بخاصة على نطاق القرية المصرية بمخاطر الزواج المبكر، أن الأجهزة الرقابية تضرب بيد من حديد على أي محاولة لتمرير زواج القاصرات، خصوصاً عبر تطبيق نظام الزواج الإلكتروني بتوثيق العقد إلكترونياً بالتنسيق مع وزارة الداخلية للتأكد من بلوغ الزوجة للسن القانونية.

أن زواج القاصرات عنف موجه ضد طفولة الفتيات، ينجم عنه أضرار نفسية وصحية بالغة للفتيات في هذه السن. أن مسئولية تلك الجريمة تقع على عاتق أسرة كل فتاة قاصر لأنهم لا يعلمون أن فستان زفافها يتحول إلى كفن للموت.

أن الأضرار العضوية والنفسية لزواج القاصرات كثيرة ومتعددة، خصوصاً أن القاصر تحت سن ١٨ لم يكتمل نموها العضوي بشكل كامل حتى وإن أخذت شكل الأنثى الكاملة.

أن كثيراً ما تسبب كثرة الإجهاض المتكرر للقاصرات إلى الوفاة، أن العديد من التقارير المعتمدة لدى منظمة الصحة العالمية أكد إصابة نسبة كبيرة من الأجنة الذين ولدوا من أمهات قاصرات بقصور في الجهاز التنفسي لعدم اكتمال الرئتين وإعاقات سمعية وشلل دماغي.

كما أن الأضرار النفسية على القاصرات أشد خطراً من الأضرار العضوية، لأن الزواج المبكر بمثابة اختطاف لفتاة في مرحلة الطفولة إلى وظائف ومسؤوليات جديدة أكبر من قدراتها، لذلك حين تصدم الطفلة بهذا الواقع تصاب بالاكتئاب الشديد. ويخفى على الكثيرين أن الطفلة القاصر ليست لديها رغبة مكتملة لممارسة العلاقة الحميمة، لذلك كثيراً ما تُجبر القاصر على ذلك تحت الضرب والإهانة، وهو ما يسفر عن أمراض نفسية متعددة مثل الوسواس القهري وفصام الشخصية واضطراب ثنائي القطب، وهو ما يدفع بعض الفتيات إلى الانتحار.

أن أغلب من تتزوج وهي قاصر تُحرم من استكمال تعليمها، بالإضافة إلى أن العنف الأسري وعدم تكافؤ الزوجين يتسببان في الطلاق المبكر، ويخلقان مواطنة ناقمة على المجتمع، مما قد يدفع الأطفال الذين خاضوا تجارب الزواج المبكر إلى اعتناق الأفكار المتطرفة، التي من شأنها التنفيس عن طاقة الغضب التي بداخلهن.

إن أغلب الأسر والعائلات التي زوجت بناتها وهن قاصرات، ذاقت ويلات كثيرة، غالباً ما تنتهي بالطلاق، مع إهدار حقوق الزوجة وأطفالها، لذلك أكبر جريمة يُقبل عليها الأهل لفتياتهن في الصعيد تدور حول عادتين خاطئتين هما؛ الزواج المبكر والختان.

عقوبة من يتورط من المأذونين في تنفيذ زواج للقاصرين أو القاصرات فالمادة رقم ٢٢٧ فقرة رقم ١من قانون العقوبات تنص على أنه، “يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد على ثلاثمئة جنيه )اوإثبات بلوغ أحد الزوجين السن القانونية، أمام السلطة المتخصصة لتمرير عقد الزواج القانوني”.

فيما يخص أولياء الأمور، تنص المادة ١١٦ مكرر من قانون الطفل رقم ١٢٦ لسنة ٢٠٠٨ على أنه إذا تورط أحد الوالدين أو من له الوصاية عليه في تنفيذ زواج أطفال قاصرين، فيعاقب المتورط حينها بمدة لا تقل عن سنتين مع إمكانية مضاعفة العقوبة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تتجاوز خمسين ألف جنيه.

من الضروري تغليظ العقوبة على كل من يتورط في زواج القاصرات ليس المأذون أو الوالدان فحسب، بل لتشمل العقوبة حتى من تورط في الشهادة، بحيث لا تقل العقوبة عن ٨سنوات من السجن المشدد، بالإضافة لغرامة مالية لا تقل عن عشرة آلاف جنيه مصري .

من جانبها أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى رسمية تفيد بأن زواج القاصرات حرام شرعا ومخالف قانوناً، لأنه يؤدي إلى الكثير من المفاسد والأضرار في المجتمع.

نحتاج إلى تكاتف كافة الجهات الحكومية والأهلية لتغيير قناعة العائلات بأن الزواج المبكر بمثابة اغتصاب حقيقي لبراءة الطفولة.وذلك على الرغم من قيام المجلس القومى للامومة والطفولة، جهود التوعية المتمثلة في حملات طرق الأبواب، والندوات، والمؤتمرات، بالتنسيق مع شبكة الرائدات الريفيات المنتشرة في جميع القرى المصرية، كما خصص المجلس القومي للأمومة والطفولة خطاً هاتفياً ساخناً لنجدة الطفل برقم ١٦٠٠٠، نجح في إحباط مئات الزيجات لفتيات قاصرات

زر الذهاب إلى الأعلى