احمد عدوي يكتب …الشك القاتل

 

..الحياة تحكم الإنسان بطبعه أكثر ممّا يحكمها، فالسَّعادة والطُّمأنينة ورضا النَّفس هي أرزاقٌ من مقسِّمِ الأرزاق، يهديها إلى النَّاس أكثر ممّا يهتدون إليها بأنفسهم، فإنَّ من عرف السَّعادة في الحياة صاحب حظٍّ كبيرٍ ونعمةٍ غامرةٍ حُرِم منها كثيرون غيره،

 

وهو بذلك أدرك كلَّ شيءٍ وإن كان ينقصه الكثير، وأمَّا من افتقد هذه النِّعمة فقد افتقد كلَّ شيءٍ وإن اكتملت أسباب الرَّفاه في حياته، وهذا سرُّ الحياة الذي لا يحتكم إلى قواعد واحدة ولا إلى شروط ثابتة يتحقَّق معها الهناء أو ينقطع دونها، ومفهوم السَّعادة هذا يوافق مفهوم السَّعادة في الإسلام. وقد عزا الإسلام راحة الإنسان إلى التَّسليم بقضاء الله وقدره،

 

post

والإيمان بمستقبلٍ أجمل ودوام الشُّكر في السَّرَّاء والضَّرَّاء، وقد وردت هذه المعاني في آياتٍ كثيرةٍ، منها قول الله تعالى: “لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيْدَنَّكُمْ”، كما تدعو آيات الذِّكر الحكيم إلى الصَّبر وتؤكِّد على كونه مفتاحًا للسَّعادة ودلالةً على رسوخ الإيمان الَّذي يهدي السَّعادة الحقَّة والهناء الدَّائم الذي لا ينقطع لمؤمن، فوردت آياتٌ كثيرةٌ تربط الصَّبر بالإيمان وتعد الصَّابرين بالثَّواب، منها قوله تعالى: “إِنَّ اللهَ مَع الصَّابِرِيْنَ كما أكَّدت آياتٌ أخر على أهميَّة الأمل بالله كقوله تعالى: “وَلَا تَيْأَسُوْا مِنْ رُوْحِ اللهِ” وفي سورةٍ أخرى: “لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ”

 

إنَّ إسعاد الآخرين هو إسعادٌ للنَّفس، ومن بذل الحبَّ لا بدَّ أن يردَّ إليه يومًا، ومن أهدى السَّعادة لأحدٍ عادت إليه أضعافًا، أمَّا من آثر نفسه في كلِّ أمر وقدَّم مصالحه على منافع النَّاس فلا بدَّ هو في حزنٍ ولو طالت الأيَّام، فإنَّه سيجد نفسه يومًا بلا عونٍ ولا محبٍّ،‏ تختلف طبيعة كل إنسان عن غيره، فما يرتاح له شخص معين قد يزعج غيره، وما يزعج غيره قد يشعره بالراحة والسرور، فعلى كل إنسان أن يراجع نفسه ليرى ما يسبب له الإزعاج ويتخلص من هذه المسببات كي لا تؤثر سلباً على حياته وتسبب له الأرق وعدم الراحة، وأن يعمل جاهداً على استثمار الأشياء التي تسبب له الراحة والسرور، فأساس هذه الحياة الراحة والرضا فمن شعر بالسعادة بإمكانه أن ينطلق نحو مجالات الحياة والإبداع والعمل.

 

معاني السعادة طاقة من الرضا بالقضاء والقدر لامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، وبالتالي لا يصيب الإنسان إلا ما كُتب فيسعى جاهداً برضا وسرور دون خوف من مستقبل أو خوف على رزق. إحساس بالسرور وشعور بالارتياح وعدم الخوف والانبساط. التوكل والاعتماد على الله في تحقيق الخير في الأمور كلها. اطمئنان القلب وانشراح الصدر وسرور الروح.وكما لوحة الرَّسام لا يصنعها لونٌ واحدٌ فإنَّ الدُّنيا كذلك، وهذا التَّمازج بين الحزن والفرح والبكاء والضحك والنَّجاح والإخفاق هو ما يصنع قيمة كلِّ شيء، ولو انعدم هذا التَّنوُّع لما كانت الحياة حياةً ولفقد كلَّ شيءٍ قيمته وجدواه، وإن اهتدى الإنسان إلى ذلك لصارت سبل الحزن إليه ضيِّقةً واتَّسعت أسباب سروره.

زر الذهاب إلى الأعلى