دلائل الحياة البرزخية
عطية لاشين
مقدمة :
يمر الإنسان حتى يعرض على ربه بمراحل وأدوار وأطوار متعددة على النحو الآتي :
المرحلة الأولى :
مرحلة حياته الدنيوية ، وتبدأ من حين ولادته ونزوله من بطن أمه بعد أن تتم مدة حمله ، وتنتهي بوفاته وخروج روحه التي هي وديعة الله عند بني الإنسان٠
المرحلة الثانية :
تبدا من لحظة وفاته ،ومواراته التراب ووضعه في
القبر ، وتنتهي بالنفخ في الصور لقيام الخلائق من القبور للبعث والنشور للعرض على الرحيم الغفور ٠
وهذه المرحلة وسابقتها مر حلتان انتقاليتان لا أبدية فيهما ، ولا خلود والمرحلة الثانية تسمى حياة البرزخ ، قال العلي القدير :(حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون )٠
المرحلة الثالثة :
وهي مرحلة ما بعد البعث والنشور ،وهي حياة أبدية أزلية لا نهاية لها وهي الحياة الحقيقية التي لا موت بعدها قال تعالى :(وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون )٠
والناس في هذه المرحلة اللانهائية قسمان : شقي وسعيد أو كما قال ربنا :(فريق في الجنة وفريق في السعير )٠
قال ربنا القدير :(يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد. فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ٠٠٠٠٠٠٠٠٠وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها)٠
وقبل أن أنهي الحديث عن المقدمة أقول إن القرآن الكريم تناول في آياته الحديث عن هذه المراحل الثلاث قال سبحانه وتعالى : (منها خلفناكم وفيها نعيدكم ومنها٠ نخرجكم تارة أخرى )٠
وقال سبحانه جل جلاله : ( والله انبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا )٠
فقوله سبحانه : (والله أنبتكم من الأرض نباتا )إشارة إلى المرحلة الأولى وهي حياة الإنسان الدنيوية ،وقوله سبحانه :(وفيها نعيدكم ) إشارة إلى المرحلة الثانية وهي ما بعد الموت ودفنه في قبره وقوله تعالى شأنه :(ويخرجكم إخراجا) إشارة إلى المرحلة الثالثة وهي الحياة الأبدية الأخروية٠
وحديثنا بعد هذه المقدمة المهمة نتناول فيه المرحلة الثانية وهي مرحلة ما بين الموت والبعث والتي اصطلح شرعا على تسميتها بالحياة البرزخية٠
الدلائل على ان الفترة البرزخية فيها حياة٠
دلت الأدلة المتعددة من الكتاب والسنة على ان الموت ليس نهاية للحياة الدنيوية نهاية كاملة بل يستمر الإنسان وهو في قبره متمتعا بنوع من الحياة لا يعلم حقيقتها وكنهها إلا من خلق الموت والحياة وهو الله جل جلاله ٠
والأدلة على حياة الإنسان في قبره ما يلي:
أولاً : الأدلة من القرآن :
أولا: قال الله عز وحل في سورة البقرة :(ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ) وبمثل ذلك ورد قول الله في سورة آل عمران :(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)٠
فهذان النصان الكريمان صريحان وقاطعان بحياة من مات شهيدا في المعركة التي دارت بين فئتين فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة ٠
وقد يقول قائل معترضا على هذا الاستشهاد بأن الحديث في الآيتين خاص بحياة الشهداء بعد الاشتشهاد فأين الدليل على حياة غيرهم ؟
نقول جوابا على هذا الاعتراض بأن الجميع مسلم بما قررته الآيتان من حياة الشهداء ولماذا كانت لهم هذه الحياة ؟ لكي يشعروا بنعيم القبر فإن قبرهم ونعيمه بالنسبة لهم صورة مصغرة من نعيم الجنة الأبدي وحينما نعكس الوضع فنقول إن الكافرين والمذنبين من العصاة يكونون أحياء أيضا في قبورهم لكي يشقوا في عذاب القبر ويشعرون بألمه في قبورهم ،وعذابهم فيه صورة مصغرة من نار جهنم الكبرى الأبدية غير المنتهية٠
ثانياً : قال الله عز وجل في شأن فرعون وآله وكل من كان على شاكلتهم :(النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب)٠
والعذاب الأشد الذي ينتظر هؤلاء هو عذاب جهنم بعد دخولهم فيها مما يدل على أن قول الله في اول الآية :(النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ) دلالة على عذاب هؤلاء في قبورهم فهم في قبورهم يعذبون ،وعلى النار مرتين في كل يوم يعرضون مما يدل على أنهم في قبورهم ليسوا بميتين وإلا ما شعروا بالعذاب وشدته والمه فكونهم في قبورهم يعذبون دليل على حياتهم في قبورهم وإلا ما كان لعذابهم فائدة وحاشا لنص قرآني أن يخلو من الفائدة.
والصورة العكسية لصورة آل فرعون أن اهل الإيمان والطاعات في قبورهم ينعمون ،وهل يتمتع بالنعيم من أنهى الموت حياته نهاية كلية ؟؟!!٠
ثانيا : النصوص النبوية :
تدل كثير من الأحاديث على ان موت الإنسان في الدنيا ليس نهاية للحياة نهاية كلية بل يبقى بعده نوع حياة تكون للإنسان وهو في قبره إلى يوم بعثه ،ومن هذ النصوص ما يلي :
أولا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي قالوا : وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت ؟ قال صلى الله عليه وسلم : “إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء”.
مما يدل على أن نينا سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم حي في قبره تعرض عليه صلاة من صلى عليه٠
ثانياً : قال صلى الله عليه وسلم : “ما من مؤمن يسلم علي إلا رد الله علي روحي لأرد عليه السلام”
فالحديث كسابقه يثبت حياته صلى الله عليه وسلم في قبره لأنه ما من ثانية تمر في اليوم والليلة إلا ونجد فيها من يسلم عليه صلى الله عليه وسلم٠
ثالثاً : من أداب زيارة القبور أن يسلم الزائر على ساكني القبور يقول الزائر كما أرشدنا صلى الله عليه وسلم : السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون ،وإنا إن شاء الله بكم لا حقون”
وهل يلقى السلام على ميت موتا كاملا إنهم لو كانوا موتى كما يزعم البعض لكان إلقاء السلام عليهم عبثا ونينا صلى الله عليه وسلم منزه عن العبث ٠
رابعاً : زار النبي صلى الله غليه وسلم الشهداء من قتلى أحد وخاطبهم وكلمهم فسألت الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم سؤالا إنكاريا قائلين : أتخاطب موتى ؟! قال صلى الله عليه وسلم : ما انتم بأسمع لي منهم ،ولكنهم لا يجيبون”.
ألا يدل ذلك على أن أهل القبور في قبورهم يسمعون ويحسون ويشعرون وهذه صفات الأحياء.
خامساً: حينما حضر النبي صلى الله عليه وسلم دفن أحد صحابته قال لأصحابه : “استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإن الآن يسأل”وهل يسأل الميت إن سؤاله في قبره دليل حياته.
قال ابن عبد البر :”ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : “ما من مسلم يمر على قبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام”٠
ألا يدل ذلك كله على أن أصحاب القبور في قبورهم يتمتعون بنوع من الحياة لا يعلم كنهها وحقيقتها وكيفيتها إلا من وهبهم هذه الحياة وهو الله جل جلاله
والله أعلم.
