أهمية الأمن في حياة الأمم ودور الشرطة في حفظ الأمن الاجتماعي

د/عمرو حلمى

 

لقد أنعم الله على عباده بنعم كثيرة وعظيمة لا تعد ولا تحصى, ومن أعظم نعم الله على خلقه: نعمة الأمن والاستقرار, فهي من أجل النعم على الإنسان, فبدونها لا يهدأ بال, ولا تطمئن نفس, ولا يهنأ إنسان بالحياة حتى لو أوتى الدنيا بحذافيرها. فالأمن للإنسان أهم من طعامه وشرابه, فقد يجوع ويعطش فيصبر ولكنه إذا خاف فلا يكاد يهنأ براحة بال ولا يهدأ له حال.

 

ومن ثم فإن الأمن نعمة عظيمة, لا يعرف قدرها إلا من فقدها, وهو مطلب الناس أجمعين. ولنا في الأنبياء والمرسلين الأسوة والقدوة فكان كل نبي مرسل يحرص على تحقيق هذه النعمة.

post

 

فهذا إبراهيم عليه السلام يدعو ربه أن يمن على مكة وأهلها بالأمن والرزق, وقدم الأمن على الرزق لأن الرزق لا يكون له طعم ولا يستطيع المرء البحث عنه إذا فقد الأمن, فبالأمن يهنأ الإنسان ويشعر بلذة الطعام والشراب, قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر}[البقرة(126)], فاستجاب الله لدعاء نبيه وخليله, وجعل من مكة مستقراً وبلداً آمناً بإرادته ومشيئته وجعلها وطنا للإسلام ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم .

 

كما امتن الله على أهل قريش, فحباهم برغد العيش في الحياة, والأمن في الأوطان, قال تعالى:{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ(3)الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}[قريش(3-4)]. ولقد جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيق مصالح العباد بالأمن والاستقرار فحفظت للناس كافة حقوقهم حيث إن الشريعة الإسلامية تكفلت بحفظ الكليات الخمس وهي: حفظ الدين, والنفس, والعقل, والمال, والعرض, كما جعلت الحفاظ على هذه الكليات من أهم مقاصدها التي لا تستقيم الحياة إلا بها, لأن الإنسان يحتاج في حياته إلى الأمن على نفسه ودينه وعرضه وماله وعقله.

 

ومن ثم فقد حرّم الإسلام الاعتداء على الكليات الخمس فقد حرّم الإسلام قتل النفس, وجعل قتل النفس الواحدة كقتل جميع الناس,قال تعالى:{مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة(32)]. كذلك نهى الإسلام عن أكل أموال الناس بالباطل لحرمتها, فقد أمّن الإسلام مال المسلم, فمنع المسلم من أكل الحرام, ومنعه من المكاسب الخبيثة المحرمة التي لا تتفق مع الشرع وأمَّنَه من التعدي عليه فأوجب قطع يد السارق, حفاظاً على المال من الضياع, وحذّر الأمة من أن يأكل بعضهم من مال بعض, قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ}[النساء(29)], وحرّم التعدي عليه ظلما وعدواناً. كما أمّن الإسلام الأعراض فحرّم الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء بالناس, قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}[الحجرات(12)], كما حرّم اقتراف الفاحشة, قال تعالى:{ وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلًا}[الإسراء(32)].

 

وكانت الحكمة من تشريع القصاص والحدود والعقوبات الشرعية لتكون بمثابة زواجر ليُؤمنَّ الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم, وإلا سُلبت نعمة الأمن وفشا الجهل وشاع الظلم وسلبت الممتلكات العامة والخاصة وأكل القوي الضعيف وعمّت الفوضى وتعطلت المصالح وكثر القتل بين الناس. ودين الإسلام هو دين الأمن الكامل والاستقرار فالأمن لا يتحقق في حياة الناس بمجرد أمنهم على دمائهم وأموالهم فهذا أمن ناقص, بل إن ذلك لن يتحقق إلا بشعور الإنسان بالأمن الداخلي في نفسه وقلبه وتفكيره وإحسانه بالطمأنينة والسكينة وبُعده عن أسباب الخوف والقلق والانزعاج.

 

وهذا لا يتأتى إلا إذا أَمِن العبد على دينه فلم يفتن فيه وأمِن على نفسه من الظلم والاعتداء وأمِن على عرضه وعقله وماله وكل هذا لا يطمح في الحصول عليه إلا في ظل الدين الذي أكمله الله عز وجل للأمة ورضيه لها ديناً, ألا وهو دين الإسلام العظيم الذي شرع الله فيه من العقائد والأحكام ما إذا أخذ العبد بها فإنه يحصل على الأمن والأمان والسكينة والاطمئنان.

 

فلذا كان الإيمان بالله تعالى واجتناب نواهيه من أهم عوامل الأمن والاستقرار, قال تعالى:{ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}[الأنعام(82)], فمن حقق الإيمان واجتنب العصيان وهبه الله تعالى الأمن ورزقه الأمان, يل إن سعادة الدنيا ونعيمها في تحقيق الأمن, يقول رسول الله ﷺ:» لَا أُخْبِرُكُم مَنِ المُسلِمُ؟ مَن سَلِمَ المُسلِمونَ مِن لِسانِه ويَدِه، والمُؤمِنُ مَن أمِنَه الناسُ على أمْوالِهِم وأنْفُسِهم، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ الخَطايا والذُّنوبَ، والمُجاهِدُ مَن جاهَدَ نَفْسَه في طاعةِ اللهِ «. رواه الترمذي وصححه.

 

وفي الحديث:» مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ، مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا«. رواه الترمذي وصححه. الأمن في الإسلام مسئولية الجميع فليس الأمن والاستقرار مسئولية الحاكم وحده, ولا مسئولية العالم وحده, بل مسئولية الجميع, فعلى كل إنسان القيام بمسؤوليته وواجبه في المحافظة على هذه النعمة, فالأمن نعمة للجميع.

 

وحري بالمسلم أن يحافظ على هذه النعمة ويشكر الله عليها لأن الحياة لا تطاق بدونها فالنعم تثبت بالشكر وتذهب بالجحود, قال تعالى:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[إبراهيم(7)].

 

أهمية الأمن في حياة الأمم فإذا شاع الأمن في أمة, واطمأن كل فرد فيها على نفسه وماله وعرضه نَعِمَ المجتمع بحياة هادئة مستقرة, لا رعب فيها, ولا اضطراب, ولا قلق, ونَعِمَ المجتمع كذلك بالتقدم والازدهار حيث إنه لا تروج تجارة , ولا تنتج صناعة, ولا تربوا زراعة إلا في مثل هذا الجو الآمن الصافي, بل ونَعِمَ المجتمع بعلاقات طيبة مع جيرانه من الدول الأخرى إذ لا اعتداء , ولا خيانة, ولا نقض لعهد.

 

فهذا هو دين الإسلام الداعي لكل أمن وأمان واستقرار, النابذ لكل عدوان وإرهاب يقول النبيﷺ: »لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له ، ولا دينَ لمن لا عهدَ له«.

أهمية الأمن الاجتماعي في حياة الإنسان وبعد أن أمر الإسلام بحفظ الحُرُمَات من النفس والمال والعرض أكَّد كذلك على الأمن الاجتماعي, فَأَمَّن الإسلام المجتمع من الفوضى والاضطرابات والنزاعات والشقاق فأوجب طاعة ولاة الأمور في طاعة الله, فبالولاة يقيم الله العدل في الأرض وبالولاة ينتصف للمظلوم من ظالمه وبالولاة تحقن الدماء وتصان الأعراض ويقام شرع الله.

وفي الأثر من قول عثمان: إن الله يذع بالسلطان مالا يذع بالقرآن, وقال عمرو بن العاص: سلطان ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم. دور الشرطة في حفظ الأمن الاجتماعي إن لرجال الشرطة هيبة واحتراما فهم حصن الأمن والأمان في بلادنا وهم يضعون أولوياتهم في حفظ القيم والعادات النابعة من الدين الحنيف من التعدي عليهم من قبل الضالين المعتدين وحفظ الوطن من كيد الخائنين وحفظ شبابنا من خدع المنحرفين حتى نكون في مجتمع آمن متماسك ينام الليل وأبواب بيته مفتوحة لأن هناك من يحرسه ويكون له العين الساهرة.

زر الذهاب إلى الأعلى