الوصية الخامسة من الوصايا القرآنية العشر النهي عن قتل النفس البشرية.

بقلم : د. عمرو حلمي
أعزائي القراء لقد تناولنا في المقالات السابقة مفهوم الوصايا العشر إجمالا , وأهميتها, والوصية الأولى وكانت عن: عدم الوقوع في الشرك عن طريق اتخاذ آلهة وأولياء مع الله تعالى, والوصية الثانية وكانت عن : الإحسان للوالدين. والوصية الثالثة , وموضوعها عن النهى عن قتل الأولاد بسبب الوقوع في الفقر , والوصية الرابعة من الوصايا القرآنية العشر , وموضوعها عن : النهي عن الاقتراب من العلاقات الجنسية المحرمة سواء كانت علنية أو سرية.
وفي هذا المقال نستكمل الحديث عن الوصية الخامسة وموضوعها عن : النهي عن قتل النفس التي لم تقع في ارتكاب جريمة قتل, قال تعالى : {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق}
فالقتل أعظم الجرائم بعد الشرك بالله , وهو أكبر جرائم الإنسان وأكثرها بشاعة على وجه الأرض إذ فيه هدم الإنسان بنيان الرب , ومن بشاعة هذا الجرم هو أن قتل النفس الواحدة يعدل قتل جميع الناس , قال تعالى : {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة(32)] , وفي الحديث الصحيح : «لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إلَّا كانَ علَى ابْنِ آدَمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِن دَمِها؛ لأنَّهُ أوَّلُ مَن سَنَّ القَتْلَ».
وبالنظر في هذه الوصايا القرآنية العشر نرى أن الآية جاءت في ختامها بالوصية الخامسة , فقالت : {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق} أي: لا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها بأن عصهما بالإسلام إلا بالحق الذي يبيح قتلها شرعاً كردة أو قصاص أو زنا يوجب الرجم.
قال ابن كثير : وهذا مما نص تبارك وتعالى على النهى عنه تأكيداً ، وإلا فهو داخل في النهى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
فقد جاء في «الصحيحين» عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يحل دم امريء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة».
وقوله{إِلاَّ بالحق}أي : لا تقتلوها ملتبسين بالحق، أو لا تقتلوها في حال من الأحوال إلا حال ملابستكم بالحق.
وذلك لأن الإسلام ينظر إلى وجود الإنسان على أنه بناه الله فلا يحق لأحد أن يهدمه إلا بالحق، وبذلك يقرر عصمة الدم الإنساني، ويعتبر من يعتدي على نفس واحدة فكأنما قد اعتدى على الناس جميعاً:{ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ الناس جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}.
ثم ختمت الآية بقوله تعالى: {ذلكم وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي: ذلكم الذي ذكرناه لكم من وصايا جليلة، وتكاليف حكيمة، وصاكم الله به، وطلبه منكم.
لعلكم تستعملون عقولكم التي تعقل نفوسكم وتحبسها عن مباشرة القبائح.
فاسم الإشارة {ذلكم} مشار به إلى الوصايا الخمس السابقة، وهو مبتدأ وجملة وصاكم به خبر. ولفظ وصاكم من اللطف والرأفة وجعلهم أوصياء له تعالى ما يحمل النفس علي الطاعة والاستجابة.
هذه هي الوصايا الخمس التي تضمنتها الآية الأولى من هذه الآيات الثلاث وكلها تشترك في معنى واحد هو أنها حقائق أو حقوق ثابتة في نفسها ، ولم يكن ثبوتها إلا تجاوبا مع الطفرة ، فالله واحد سواء آمن الناس بهذه الحقيقة عقيدياً وعملياً أم لم يؤمنوا ، وشكر النعمة يقتضىي الإحسان إلى الوالدين طبعا ووضعا ، وللنسل حق الحياة والحفظ ، والفواحش فُحْشٌ ومنكرٌ في ذاتها فيجب أن تجتنتب ، والنفوس معصية فليس لأحد أن يهدمها إلا بحق ، ولاتفاقها كلها في هذا المعنى جاءت في آية واحدة ، وختمت بعبارة تفيد أن هذا مرجعه إلى حكم العقول:{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
هذا وسنتعرف على الوصية السادسة من الوصايا العشر , النهى عن أكل مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن كأن تكون في مقابل رعايته واستثمار ماله. وذلك في المقال القادم إن شاء الله.

زر الذهاب إلى الأعلى