بمناسبه ثورة 23يوليو 

أيمن بحر

 

 

 

ثورة 23 يوليو 1952 هي انقلاب عسكري بدأ في 23 يوليو 1952 في مصر بواسطة مجموعة من الضباط أطلقوا على أنفسهم تنظيم الضباط الأحرار وأطلق على الثورة في البداية حركة الجيش ثم اشتهرت فيما بعد باسم ثورة 23 يوليو. وأسفرت تلك الحركة عن طرد الملك فاروق وإنهاء الحكم الملكي وإعلان الجمهورية. وبعد أن استقرت أوضاع الثورة أعيد تشكيل لجنة قيادة الضباط الأحرار وأصبحت تعرف باسم مجلس قيادة الثورة وكان يتكون من 11 عضواً برئاسة اللواء أركان حرب محمد نجيب

post

 

بعد حرب 1948 و ضياع فلسطين وفضيحة الاسلحة الفاسدة ظهر تنظيم الضباط الاحرار في الجيش المصري بزعامة جمال عبد الناصر و في الثالث و العشرين من يوليو 1952 قام التنظيم بانقلاب مسلح نجح في السيطرة على الامور في البلاد و السيطرة على المرافق الجيوية في البلاد و اذاع البيان الاول للثورة بصوت انور السادات وفرض الجيش على الملك التنازل عن العرش لولي عهده الامير احمد فؤاد و مغادرة البلاد في 26 يوليو 1952 وشكل مجلس وصاية على العرش ولكن ادارة الامور كانت في يد مجلس قيادة الثورة المشكل من 13 ضابط كانوا هم قيادة تنظيم الضباط الاحرار ثم الغيت الملكية واعلنت الجمهورية في 1953

 

تتلخص أسباب قيام ثورة 23 يوليو في التالي:

 

إستمرار الملك فاروق في تجاهله للأغلبية واعتماده على أحزاب الأقلية.

قيام اضطرابات داخلية وصراع دموي بين الإخوان المسلمين وحكومتي النقراشي وعبد الهادي.

قيام حرب فلسطين وتوريط الملك للبلاد فيها دون استعداد مناسب ثم الهزيمة.

عرضت قضية جلاء القوات البريطانية على هيئة الأمم المتحدة ولم يصدر مجلس الأمن قرارا لصالح مصر.

تقليص حجم وحدات الجيش الوطني بعد فرض الحماية البريطانية على مصر وارسال معظم قواته الى السودان بحجة المساهمة في اخماد ثورة المهدي.

اغلاق المدارس البحرية والحربية.

سوء الحالة الاقتصادية في مصر.

الظلم وفقدان العدالة الاجتماعية بين طبقات الشعب وسوء توزيع الملكية وثروات الوطن.

سفاهة حكم الملك فاروق وحاشيته في الانفاق والبذخ على القصر وترك الشعب يعاني.

الإنغليز في مصر قبل الثورة

منذ أن أحتل الإنغليز مصر في عام 1882 إلى منذ قيام الثورة في عام 1952 كان الإنجليز هم القوى الرئيسية في البلاد التي أثرت على مجرى الأحداث والتي ظلت بقية القوى السياسية الأخرى تشكل وتخضع لها حقيقة أن معظم الباحثين والدارسين لتاريخ مصر في تلك الفترة قد درجوا على وصف الحياة السياسية في مصر في تلك الفترة بأنها كانت صراعا بين قوى ثلاث، الإنجليز والقصر، الشعب إلا أن الإنجليز دون القوى الأخرى كان لهم الفوز الأكبر والسيطرة الفعلية شبه الكاملة على البلاد فالإنجليز قد احتلوا البلاد بقوات عسكرية هزمت القوات العسكرية المصرية على أثر ثورة عرابي عام 1881 تحت دعوى إنقاذ العرش الذي استنجد بالإنجليز حماية له من جيشه الوطني وهنا يهمنا التركيز على نقطة أن دخول الإنجليز إلى مصر كان بناء على الاستجابة إلى رغبة القصر وبعد الدخول في معركة حربية ضد الجيش المصري تلك الاستجابة التي لم تكن بعد ذلك في عام 1952 فأدت إلى جلاء القوات البريطانية جلاء تاما بعد ذلك بأربع سنوات.

 

فنتيجة استجابة الإنجليز لرغبة القصر (الخديوي توفيق) في الوقوف ضد جيشه الثائر ودون الدخول ي تفاصيل أسباب موافقة الإنجليز على الاستجابة لطلب الخديوي توفيق أن أحتل الإنجليز مصر بعد هزيمة الجيش المصري والقبض على زعيم الثورة ونفيه خارج البلاد ومن الممكن القول بأن بجانب احتلال الإنجليز لمصر في عام 1882 فقد ظهرت ثلاث نتائج أخرى نتيجة لأحداث عام 1882.

 

أولا تحطيم الجيش المصري والعمل بعد ذلك على عدم قيام جيش مصري من الممكن أن يشكل تهديدات للقصر وطبعا للإنجليز وبذلك لم يعد الجيش يشكل قوة سياسية في البلاد حتى جاء التوقيع على معاهدة 1936 وكان من أهم نتائج المعاهدة التوسع في حجم الجيش مرة أخرى مما أدى إلى دخول عناصر جديدة من الطبقة الوسطى إلى الجيش ولأول مرة بعد أن كان مقصورا على الطبقات العليا فكان ما مكان قبل ذلك حين دخل أنباء الفلاحين لأول مرة إلى الجيش بعد أن كان مقصورا على الأتراك والشراكسة وغيرهم من أبناء غير الفلاحين وإذا كان الإنجليز بعد احتلالهم مباشرة لمصر في عام 1882 قد وضعوا نصب أعينهم عدم السماح بتقوية الجيش خشية تكرار أحداث 1881 إلا أنهم ولظروف جو مختلفة وتحت ضغوط دولية ومحلية اضطروا إلى السماح ولو بقدر يسير للغاية للجيش أن يتوسع في عام 1936 فكانت النتيجة ثورة 1952 وتحرك الجيش ضد القصر مرة أخرى.

 

ثانيا: رغم أن الإنجليز قد دخلوا البلاد بناء على رغبة وحماية للعرش ونفذوا مخططهم في احتلال البلاد تحت هذه الحجة إلا أنهم كانوا يعلمون علم اليقين أن القصر باستبداده وفساده كان المسئول الأول عن ثورة 1881 لذلك وضع الإنجليز نصب أعينهم سياسة مزدوجة تقوم أساسا على تحجيم دور القصر من ناحية الاعتماد على قوى أخرى غير القصر من ناحية أخرى حتى لو اضطر الأمر إلى إنشاء مثل هذه القوى في حالة عدم وجودها فالإنجليز كانوا يعلمون أن القصر كان مصدر عدم استقرار وإن ارتباطهم بالقصر لن يتيح لهم حكم البلاد حكما سليما فبجانب ارتباط الإنجليز بقوى مكروهة شعبيا مما يعني توجيه عوامل السخط والغضب الشعبي ضد الإنجليز وهذا ما كان يعمل الإنجليز على تجنبه حصرا على علاقتهم بالشعب المصري ضمانا لاستمرارهم في احتلال البلاد فإنهم أيضا كانوا يعلمون أن القصر كمؤسسة غير قابلة للإصلاح ولذلك لا يمكن الاعتماد عليها في حكم البلاد أو حتى محاولة إصلاحها في المستقبل على أمل أن تساعدهم في حكم البلاد لذلك سارع الإنجليز فور احتلالهم لمصر إلى عدم إعطاء القصر الدور الذي كان يتطلع إليه عند مساندة الإنجليز له وإن كان توفيق قد أصبح مطية في يد الإنجليز عرفنا لهم بالجميل والشكر على إنقاذهم إياه لعرشه إلا أن خلفوه بدءا من عباس فالسلطان حسين فالملك فؤاد ثم فاروق عن هؤلاء لم يشعروا بنفس درجة العرفان التي شعر بها جدهم توفيق نحو الإنجليز وكانوا يشعرون أنهم أصحاب سلطة حقيقية وحق شرعي في حكم البلاد وليس الإنجليز وما دور الإنجليز إلا حماية للعرش فقط وهذا طبعا ما لم يرضه الإنجليز فالإنجليز أتوا لاحتلال البلاد إنقاذا لعرش ملك أهوج فاسد فقط بل لسياسة بعيدة المدى هي جزء من السياسة الخارجية الإنجليزية ككل وعلى هذا الأساس ما كانت العلاقة بين القصر والإنجليز علاقة وئام دائما بل أنه كثيرا ما شابها الاصطدام

والتنافس والصراع وليس أدل على ذلك من حادثة الحدود في عهد الخديوي عباس وانتهاز فرصة الحرب العالمية الأولى في اسطنبول لعزله ثم فرض دستور 1923 على الملك فاروق بل إن رأي السير مايلز لاجسون المندوب السامي سابقا) السفير البريطاني في الملك فاروق لم يكن يخفي على أحد، حيث كان يحتقره أشد الاحتقار ويمسه بالولد نكاية عن سوء تربيته والإسراف في تدليله لذلك فإن الحفاظ على شخص الملك أيا كان لم يكن هدفا أصلا في السياسة البريطانية مما ظهر أثره في عام 1952 كما سنرى بعد قليل وإن حماية القصر ما كانت سوى حجة لتنفيذ سياسة أو سع وأبعد مدى من مجرد التدخل العسكري.

 

ثالثا: بناء على ما سبق سعى الإنجليز إلى كسب وفئة اجتماعية جديدة تكون خير سند لهم في حكم البلاد وحليفا أقوى من مؤسسة القصر التي كانت السبب في قيام ثورة شعبية 1881 والأغلب أنها كانت سبب ثورات شعبية أخرى وكان مجموع الفلاحين من المعدمين البؤساء لا حول لهم ولا قوة.

 

ورغم دعوى الإنجليز المستمرة بأنهم أصدقاء هؤلاء الفلاحين وما أتوا أصلا إلا لرفع الظلم الواقع على كاهلهم من الباشوات الأتراك إلا أن الفلاحين بأعدادهم الغفيرة وقلة تنظيمهم كانت تحول بينهم وبين أن يكونوا سندا قويا فعالا للإنجليز ومن هنا كانت الحاجة إلى خلق تقوية مجموعة جديدة يمكن أن تلعب هذا الدور وكان هؤلاء هم ملاك الأراضي الزراعية الجدد الذين بدأوا في الظهور بشكل قوي في حوالي منصف القرن الماضي حتى أشتد عددهم في نهاية القرن بفضل تأييد الإنجليز ودعمهم وأصبحوا يشكلون العامة الأساسية لحكم البلاد بجانب القصر بل منافسا له أحيانا (دستور 1923 ) وأكبر سند ونصير للاحتلال

 

البريطاني ودون الدخول في تفاصيل ظهور هذه الطبقة وتطورها وعلاقاتها مع الإنجليز والقصر فإن هذه الطبقة لعبت الدور المطلوب منها تماما طيلة النصف الأول من هذا القرن في قيام الثورة في عام 1952.

 

عمل الإنجليز على القضاء على الجيش وتحجيم دور القصر وتقوية دور كبار ملاك الأراضي الزراعية إلا أن هذه السياسة ذات الأبعاد الثلاثة بدأت تظهر عليها أعراض التغير حين سمح لمصر بعد توقيع معاهدة 1936 بإعادة بناء جيشها ولو بقدر محدود، وثانيا حين وصل الملك إلى درجة من الاستهتار والفساد بحيث أصبح الخلاص منه ضرورة تحتمها مصلحة الإنجليز أنفسهم، وأخيرا حين أصبح أيضا كبار الملاك الزراعيين من أهم أسباب السخط والتذمر في البلاد. فنتيجة لتطور علاقات الملكية في مصر منذ ظهور الملكية الخاصة في الأرض الزراعية (أي في منتصف القرن الماضي) وحتى منتصف القرن الحالي، أن أصبح حوالي نصف في المائة فقط من السكان يملكون حوالي نصف الأراضي الزراعية مما شكل خللا اجتماعيا كبيرا ظهرت أثاره في انتشار العديد من الأفكار التي تدعو إلى الإصلاح الاجتماعي

 

بعضها معتدل مثل الدعوة التي أطلقت في مجلس الشيوخ من أجل تحديد الملكية الزراعية وبعضها متطرف مثل الدعوة الشيوعية وكان الإنجليز وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية وظهور الاتحاد السوفيتي كقوة رئيسية على المسرح الدولي.

 

أشد ما يكونون خوفا من انتشار نفوذ الاتحاد السوفيتي على المسرح الدولي من خلال عقيدتهم السياسية، أي الشيوعية ذات البريق الجذاب في البلاد التي تعاني من خلل خطير في هيكلها الاجتماعي وفقرا مدقعا حين تكون الشيوعية أكثر قبولا وانتشارا عنها في المناطق الأخرى وهكذا وصل الإنجليز إلى نتيجة مؤداها أن مصر بنظامها السياسي القائم على مؤسسة القصر التي يرأسها ملك فاسد ونظامها الاجتماعي وعمادها طبقة من كبار ملاك الأراضي الزراعية الجشعين الذين يرفضون حتى محاولات الإصلاح الاجتماعي

 

وعمادها طبقة من كبار ملاك الأراضي الزراعية الجشعين الذين يرفضون حتى محاولات الإصلاح الاجتماعي المعتدلة قد أصبحت مهيأة تماما لاستقبال الشيوعية وإذا كانت الشيوعية تمثل الخطر الأول على الإمبراطورية البريطانية على صعيد العالم فإن مصر من الممكن أن تكون إحدى نقاط الضعف التي ينفذ منها النفوذ الشيوعي.

 

لذلك كان الإنجليز مع أي دعوة جدية للإصلاح بهدف منع المد الشيوعي.

 

ولا شك أن الإنجليز يعلمون أن البلاد تمر بحالة غليان واختبار ثوري فأعوام 45- 50 كانت مليئة بأحداث العنف والاضطرابات الاجتماعية ثم كانت عودة الوفد إلى الحكم حريق القاهرة في يناير 1952 التي كانت دلائله الاجتماعية والسياسية لا تخفي على أحد وما كان الجيش بعيدا عن ذلك بل أنه من الملاحظ أن التقارير البريطانية التي سبقت الثورة كانت تتحدث دائما عن وجود حالة سخط وتذمر داخل صفوف الجيش ولكن لم يؤخذ الأمر مأخذ الجد فإن الكلام أو التحاليل الإنجليزية ذهبت كلها إلى احتمالات عودة الوفد مرة ثانية إلى الحكم بدون الإشارة ولو من بعيد إلى احتمال تكرار أحداث عراي في عام 1882 ولكن من 20 يوليو أرسلت السفارة البريطانية في القاهرة بتقرير سري للغاية إلى وزارة الخارجية البريطانية في لندن تتحدث فيها عن بعض الشائعات غي المؤكدة حول تحرك عدد من وحدات الجيش في اتجاه الإسكندرية وما يقال حول رفض عدد من ضباط الجيش المصريين إطاعة الأوامر ثم يتحدث التقرير عن احتمال قيام تمرد عسكري وتكون هذه أول مرة يشار فيها إلى مثل الاحتمال وما سيؤدي إليه من فوضى لا محالة ثم تتوالي التقارير بعد ذلك صبيحة أو فجر 23 يوليو.

زر الذهاب إلى الأعلى