مقتل طالبة جامعة المنصورة جريمة إرهابية وقطع للطريق وترويع للآمنين 

د.عمرو حلمي

إذا نظرنا إلى جريمة قتل طالبة جامعة المنصورة من منظور إسلامي نجدها تدخل في باب الحرابة وقطع الطريق والإفساد في الأرض , فليست هذه الجريمة النكراء مجرد جناية قتل تقليدية متوقفة على تحقيق النيابة , كما أن دوافع القتل لها أبعاد نفسية وتربوية واجتماعية وثقافية.

 

أولاً : رؤية الإسلام لهذه الجريمة النكراء.

 

post

يعد حادث طالبة جامعة المنصورة من منظور إسلامي جريمة إرهابية بكل المقاييس لما فيها من الإفساد في الأرض والحرابة وقطع الطريق على المارة وترويع الآمنين في وضح النهار.

 

ولقد نهى القرآن الكريم عن الفساد في الأرض , قال تعالى : {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ [سورة الأعراف آية (56)].

 

قال ابن كثير رحمه الله تعالى : “ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض، وما أضره بعد الإصلاح ، فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ، ثم وقع الإفساد بعد ذلك ؛ كان أضر ما يكون على العباد ، فنهى تعالى عن ذلك”.

 

وقال القرطبي رحمه الله تعالى : “نهى سبحانه وتعالى عن كل فساد ، قلّ أو كثر بعد صلاح قلّ أو كثر ، فهو على العموم على الصحيح من الأقوال”.

 

كما اعتبر الإسلام أن قتل النفس الواحدة يعدل قتل جميع الناس وأن حياة النفس الواحدة تعدل حياة جميع الناس , كما جعل الاعتداء على الآمنين من الحرابة وقطع الطريق , قال تعالى : {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(33)}[المائدة 32-33].

لقد بيَّنَ الله في هذه الآية أن من قتَل نفسًا بغير نفسٍ أو فساد في الأرض ، فكأنما قتَل الناس جميعًا؛ لأن حُرمة الدم واحدة , وأن من أَحْياها؛ بأن سعى في إحيائها وإنقاذها من هلَكة ، فكأنما أَحْيا الناس جميعًا.

 

كما أمر الإسلام بتطبيق حد الحرابة على كل قاطع طريق كما هو مبسوط في كتب الفقه , وجعل هذا الأمر إلى من بيده مقاليد السلطة كالرئيس والقاضي أو من يقوم مقامه وألاّ يترك الأمر إلى آحاد الناس حتى لا يتحول الأمر إلى فوضي تسقط على أثرها هيبة الدولة.

 

فمن خلال فهمنا للآيات الكريمة , وتفسير العلماء لها يمكننا وصف ما حدث من قتل لطالبة جامعة المنصور أمام المارّة وترويع الآمنين منهم جريمة شنعاء بكل المقاييس ، وذلك للأسباب الآتية :

 

السبب الأول : في هذا القتل والترويع هَتْكٌ لحرمات الإسلام المعلومة بالضرورة ؛ هَتْكٌ لحرمة الأنفس المعصومة ، وهَتْكٌ لحرمات الأمن والاستقرار وحياة الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم ، وغدوهم ورواحهم، وهَتْكٌ للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها ، وما أبشع وأعظم جريمة من تجرأ على حرمات الله ، وظلم عباده ، وأخاف المسلمين ، والمقيمين بينهم ، فويلٌ له ، ثم ويلٌ له من عذاب الله ونقمته.

 

السبب الثاني : أن النفس المعصومة في حكم شريعة الإسلام هي كل مسلم ، وكل من بينه وبين المسلمين أمان ، كما قال الله تعالى :{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [سورة النساء آية (93)].

 

السبب الثالث : إن هذا العمل الإجرامي يتضمن أنواعاً من المحرمات في الإسلام بالضرورة من غدرٍ ، وخيانة ، وبغي ، وعدوان ، وإجرام آثم ، وترويع للمسلمين وغيرهم ، وكل هذه قبائح منكرة ، يأباها ويبغضها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , والمؤمنون.

 

ثانياً : الأبعاد التربوية والاجتماعية والثقافية في جريمة قتل طالبة جامعة المنصورة.

 

يظن البعض أن الدافع وراء هذه الجريمة عدم ارتداء الضحية للحجاب وانتشر الترويج لهذا الأمر في وسائل الإعلام المختلفة.

 

ولدفع هذا الظن الفاسد نقول وبالله التوفيق :

المعلوم أن الحجاب من شعائر الإسلام وحكمه معلوم مبسوط في كتب الفقه وأن الهداية والتوفيق بيد الله وكل إنسان مقصر في حق الله حسابه على الله , وليس ترك بعض النساء للحجاب مبرراً لقتلهم والاعتداء عليهم , فليس ذلك من الإسلام في شيء.

 

هذا ومن العبث إقحام الحجاب أو عدمه في حادث جامعة المنصورة لأن الموضوع أكبر من هذا كله والأمر جد خطير.

 

فالموضوع متعلق بثقافة مجتمع تربى على مشاهد العنف والإجرام والدعارة والبلطجة التي صدرها لنا صناع الفن الهابط حتى صارت شيئاً مألوفا لديه.

 

هذا بالإضافة إلى انفلات الأخلاق وسوء التربية وغياب دور الأسرة في الرقابة على الأبناء وبالأخص دور الأم الذي تقلص شيئا فشيئا.

وكذلك ضعف الوازع الديني وتدني مستوى الأخلاق وعوامل أخرى أفرزت لنا ما نشاهده على الساحة الآن.

 

ننتقل إلى الدوافع النفسية في جريمة قتل المنصورة.

 

يقال : إن الدافع وراء هذه الجريمة هو رفض الضحية الزواج من القاتل على الرغم من أنه كان يحبها فلهذا عاقبها بالتخلص من حياتها بهذه الطريقة البشعة.

 

وهذا الكلام لا يصلح مبرراً لهذا الفعل الشنيع لأن من يحب أحد يحب له كل خير.

 

وثمة فارق كبير بين الحب والتعلق الشهواني.

فالحب هو : أن يتمنى المحب لمحبوبته كل خير حتى لو لم تكن له.

 

وهناك العشق : الذي يصل بالمحب إلى درجة الهوس والجنون كما حدث مع قيس مجنون ليلى.

 

أما التعلق المرضي ففيه شيء من التملك الذي يفرض على صاحبه تملك كل شيء يمكن الحصول عليه سواء كان مالا أو منصبا أو امرأة , وفي حالة عدم وصوله إلى هدفه , لم يبق أمامه سوى الانتقام

وهذا ما حدث في جريمة قتل المنصورة.

 

وخلاصة القول :

يعد حادث جامعة المنصورة جريمة إرهابية بكل المقاييس وليس مجرد جناية قتل تقليدية متوقفة على تحقيق النيابة , لما فيها من الإفساد في الأرض وترويع الآمنين , فهذه الجريمة البشعة تقتضي القصاص العاجل في نفس المكان وبنفس الطريقة.

 

إذ يجب أن يكون القصاص العاجل من هذا الإرهابي في العلن أمام الجماهير حتى يكون عبرة لأمثاله.

 

فلترك الأمر لتقدير القضاء المصري الشامخ.

 

هذا وسنتعرف على ظاهرة انتشار الجرائم في المجتمع أسبابها آثارها طرق علاجها في المقال القادم إن شاء الله.

زر الذهاب إلى الأعلى