القول الفصل في زواج المرأة المسلمة من غير المسلم

بقلم: عمرو حلمي..
وزارة الأوقاف
حكمه التحريم بصريح القرآن الكريم وصحيح السنة وإجماع سلف الأمة.
قال الله تعالى:{وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[البقرة(221)] فقد دلّت الآية الكريمة دلالة قطعية على تحريم زواج المسلمة بغير المسلم وهذا ما عليه إجماع العلماء سلفاً وخلفاً.
والمراد بغير المسلم: هو كل من يخالف المسلمين في عقيدتهم من الوثنيين أو من أهل الكتاب على حد سواء.
قال القرطبي في«تفسيره»:«أي لا تزوجوا المسلمة من المشرك وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام».
وقال الرازي في«التفسير الكبير»:«فلا خلاف ها هنا أن المراد به الكل أي جميع غير المسلمين وأن المؤمنة لا يحل تزوجها من الكافر البتة على اختلاف أنواع الكفرة».
وقال الشافعي في «أحكام القرآن»: «وإن كانت الآية نزلت في تحريم نساء المسلمين على المشركين من مشركي أهل الأوثان يعني قوله عز وجل : {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا}, فالمسلمات محرمات على المشركين منهم بالقرآن بكل حال وعلى مشركي أهل الكتاب لقطع الولاية بين المسلمين والمشركين وما لم يختلف الناس فيما علمته» ,
كما قال الشافعي في «الأم»:«فإذا أسلمت المرأة أو ولدت على الإسلام أو أسلم أحد أبويها وهي صبية لم تبلغ حُرِّمَ على كل مشرك كتابي ووثني نكاحها بكل حال». وقال الإمام مالك كما في«المدونة الكبرى»: «ألا ترى أنّ المسلمة لا يجوز أن ينكحها النصراني أو اليهودي على حال وهي إذا كانت نصرانية تحت نصراني فأسلمت إن الزوج أملك بها ما كانت في عدتها ولو أن نصرانياً ابتدأ نكاح مسلمة كان النكاح باطلاً». وقال الإمام ابن حزم في«المحلى»: «ولا يحل لمسلمة نكاح غير مسلم أصلا, برهان ذلك قول الله عز وجل:{ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا}.[ البقرة(221)]».
وقال الإمام ابن جزي في«القوانين الفقهية»:«وإن نكاح كافرٌ مسلمة يحرم على الإطلاق بإجماع». وقال الإمام البهوتي في«كشاف القناع»:«ولا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال حتى يسلم لقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا}[البقرة(221)]، وقوله: {فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن}[ الممتحنة(10)]».
كما حكى ابن المنذر الإجماع على تحريم هذا الزواج, فقال في«المبدع»: «أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم ولأن دينها اختلف فلم يجز استمراره كابتدائه وتعجلت الفرقة وكان ذلك فسخاً» .
وقال الإمام ابن قدامه في«المغني»: «إن أسلمت الكتابية قبله وقبل الدخول تعجلت الفرقة سواء كان زوجها كتابيا أو غير كتابي إذ لا يجوز لكافر نكاح مسلمة.

وهذا دليل آخر : يُحَرِّم زواجَ المرأة المسلمة من الكتابي يهودي كان أو نصراني على السواء.
يقول الله تعالى:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}[المائدة(5)].
وجه الدلالة من الآية الكريمة : ففي قوله تعالى:{وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} : بيان أن الحكم في الذبائح مختلف عن الحكم في المناكحة, فإن إباحة الذبائح حاصلة في الجانبين، بخلاف إباحة النكاح فإنها في جانب واحد؛ هو حِلُّ زواج المسلم من الكتابية، بخلاف العكس؛ فلا يحل للكتابي أن يتزوج بمسلمة. فالحكمة في تحريم ذلك تعبدية في المقام الأول مرجعها الإيمان والتسليم لأمر الله.
هذا وقد بين العلماء الحكمة من هذا التحريم : هو أنه لو جاز ذلك لكان للزوج غير المسلم ولاية شرعية على الزوجة المسلمة، والله تعالى لم يجعل لغير المسلمين على المؤمنين سبيلًا شرعيًّا، بخلاف إباحة الطعام من الجانبين فإنها لا تستلزم محظورًا, كما هو مقرر عند الفقهاء. أما إذا تزوج المسلم من امرأة كتابية يهودية كانت أو نصرانية فإنه مأمور باحترام عقيدتها، ولا يجوز له أن يمنعها من ممارسة شعائر دينها، وفي هذا يحرص الإسلام على احترام الزوج لعقيدة زوجته وعبادتها، ولما في ذلك من الضمان والحماية للأسرة من الانهيار. أما إذا تزوج غير المسلم من مسلمة فإن عنصر الاحترام لعقيدة الزوجة يكون مفقودًا؛ لأن المسلم يؤمن بجميع الأنبياء، بخلاف غير المسلم فإنه لا يؤمن بنبي الإسلام ولا يعترف به.
حتى إذا لم يصرح بذلك أمام زوجته فإنها ستظل تعيش تحت وطأة شعور عدم الاحترام من جانب زوجها لعقيدتها.
وإذا كان الإسلام قد منع زواج المسلم بالمشركة الوثنية، فلنفس هذا السبب منع زواج المسلمة باليهودي أو النصراني.
وذلك أن المسلم مكلف بالإيمان بجميع الشرائع السماوية دون غيرها من المعتقدات الوثنية, فعند زواج المسلم من امرأة وثنية لا تدين بدين سماوي فإن عنصر التوقير والاحترام لعقيدة الزوجة في هذه الحالة يكون منعدماً مفقودًا، مما يؤثر سلبًا على العلاقة الزوجية، وعندها تفقد العلاقة الزوجية المودة والرحمة, والتي من أجلها شرع الزواج.

فخلاصة القول في هذه المسألة : بناءاً ما سبق ذكره وبيانه, فإن زواج المرأة المسلمة من غير المسلم حرام شرعًا.
وإذا تم العقد فهو باطل يجب فسخه فوراً في الحال. وكل ما أدى إلى باطل فهو باطل, وبناءاً على ذلك فالآثار المترتبة على هذا الزواج والتي تتمثل في الاستمتاع والمعاشرة, والميراث باطلة شرعاً وقانوناً, وذلك لأن الاستمتاع والمعاشرة فهي هذه الحالة يعتبر زنى وإثماً مبيناً.
كما يعد هذا الزواج من موانع الميراث بينهما, فلا يصح به التوارث بين كلا الزوجين, بصريح صحيح السنة ففي الحديث الصحيح: «لا يرث المسلمُ الكافرَ»،«لا يتوارث أهل مِلَّتين شتى». فهذه الأحاديث تدل على أنه ليس لغير المسلم الحق في ميراث المسلم، الذي يتَباين معه في الدِّين والمعتقَد سواء أكان عن طريق القرابة والنسب، أم كان عن طريق المصاهرة والنكاح. ولا عبرة بكل قول يصادم صريح القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية وإجماع سلف الأمة ونعوذ الله من شر كل منافق عليم اللسان.

زر الذهاب إلى الأعلى