انقذوا المجتمع من هاتين الهاويتين

عبير حسين – اسكندرية

مابين بئر الإنحلال الآسنة و فخ التطرف المشؤم يقف المجتمع المصري حائرا بعدما أصر صناع السينما و الدراما منذ بداية الألفية على إنتاج أفلام و مسلسلات تلقي الضوء و بشدة على كل ما هو سلبي و قبيح و مشين في المجتمع بحجة حرية الإبداع و رصد الواقع المجتمعي
و على اعتبار أن المجتمع هو كائن حي فله في مواجهة ذلك أحد الحلين إما التأقلم أو المقاومة
و في مسألة التأقلم فما من شك أن الفن و الإبداع و كذلك الإعلام هم أسلحة قوية التأثير و من شأنها قيادة المجتمع و تشكيل الرأي العام و توجيه الثقافة المجتمعية و تغييرها و بالتالي عندما يجتهد صناع السينما و المسرح و الدراما في تسليط الضوء على البذاءات و إبراز السلبيات و تضخيمها و الإلحاح على المتلقي في ذلك ليل نهار سيصبح المجتمع يوما ليجد نفسه محاطا بكل ما هو قبيح حيث تعرض عليه مشاهد القبح و أصوات البذاءة آناء الليل و أطراف النهار و بم أن التكرار يعلم الشطار و الإلحاح يذيب عزيمة الصلاح فسيتبدل الحال يوما بعد يوم لتتقبل النفوس القبح و تستسيغ العقول الفحش و يعتاد الوعي الجمعي على الانحلال و التسيب و تتحول ثقافة المجتمع من ثقافة قائمة على شرائع سماوية تحترم القيم النبيلة و تقدس الطهر و الاستقامة ثقافة تنبذ الفئات التي ضلت طريق الصلاح و تحتقر الشرائح المتحررة من الفضيلة إلى ثقافة الإنحلال التام ثقافة تقبل الرذائل و اعتيادها و هي بلا شك ثقافة هلاك الأمم
أما في مسألة المقاومة فالقاعدة تقول إن لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار و مضاد له في الإتجاه و عليه فمن الطبيعي أن يندفع المجتمع بنفس قوة الغواية الضاغطة عليه يندفع في اتجاه التدين و التمسك بالتعاليم السماوية و الاحتماء بالفضيلة من طوفان الرذيلة و أخشى ما نخشاه هنا أن يستنجد الحمل المذعور بالذئب المتربص حيث أنه لو لم تبذل قوى الوسطية متمثلة في الأزهر و التعليم و الثقافة كل جهودها و أكثر في نشر القيم الأخلاقية و توضيح و تدعيم التعاليم السماوية و تعزيز التمسك بالفضيلة و الدين بمنهج الوسطية و الإعتدال فما أكثر الأبواق المتشددة و المتطرفة و المدعية التي سوف تتلقف آذان و وعي المجتمع و تصب فيهما شرور التطرف و التزمت المذموم دينا و دنيا و مع الوقت تتحول قاعدة عريضة من المجتمع إلى تبني الفكر المتطرف و ما قد يلي ذلك من دعم لتيارات سياسية مرفوضة ترتدي أقنعة الدين و تبتغي السلطة و ما وراءها و أعتقد أن تحركات حزب النور داخل البرلمان خلال اليومين الماضيين هي خير توضيح لما أقول
و هكذا يقودنا الفن الهابط و الإسفاف السينيمائي و الدرامي إلى إحدى هاويتين كلاهما أشد بغضا من الأخرى فإما الانحلال التام أو التطرف و التشدد التام
و إلى صناع ذلك الفن الرديء أقول إذا كانت حجتكم هي رصد الحقيقة و عكس الواقع المجتمعي فاعلموا أن إبراز الرذائل و كشفها لا يؤدي إلى حلها أبدا و إنما يؤدي إلى زيادة انتشارها و تسويغها في نفوس المجتمع أرجوكم كفانا نطلي جدران المجتمع بالوحل و كفانا نكشف سوءاتنا لكل غاد و آت
أما إذا كانت حجتكم هي حرية الإبداع فاعلموا أن حريتكم لا تعني التعدي على قيم المجتمع و تخريبه و نشر الفساد فيه
و إذا كنتم ترون في أنفسكم ملكة الفن و الإبداع فاعلموا أن الفن الحق هو جوهر الطهر و الرقي و الجمال و أنه هو رسالة الحق و الخلق و الفضيلة أما ما تصنعونه فهو عهرا و إفسادا في الأرض مبين
و إلى الحكومة المسئولة عن المجتمع نرجوها و نطالبها بتفعيل الرقابة على المنتج الفني و الثقافي دفاعا عن هويتنا و ثقافتنا و أجيالنا القادمة و الذين أصبحوا جميعهم في مرمى سلاح فاسد من شأنه القضاء على الوطن من خلال هدم المجتمع

زر الذهاب إلى الأعلى