نهاد الناموس .. المسؤولية الجزائية عن الإهانة العلانية للسلطات العامة

• أصدرت محكمة جنايات الكرخ حكما غيابيا بإدانة القاضي المتقاعد (رحيم العكيلي ) عن إهانة الحكومة العراقية بإحدى وسائل العلانية وفق المادة (٢٢٦) من قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩.
•وحيثُ أن المادة اعلاه تُعالج إحدى الجرائم التعبيرية، وجرى استخدامها في الآونة الأخيرة كسيف مسلط على رقاب المُعبرين عن آرائهم في الوضع البائس الذي وصلنا اليه كما الحالُ في أمر القبض على السياسي و المحامي(ابراهيم الصميدعي).

•كل ذلك يدفعنا الى التساؤل عن الحد الفاصل في التعبير عن الرأي بين المُمارسة المشروعة و الأفعال المُجرمة التي تنطوي على اهانة للسلطات العامة؟

• سنُجيب على التساؤل وفق المنهجية التالية:

أولا: التعريف بجريمة الإهانة العلانية:
١. التعريف اللغوي:
•الجريمة لُغةً: ورد في لسان العرب أن (جَرَمَ) بمعنى جنى جريمة، و(أَجرَمَ) أي أذنَب، و تُطلَق على إرتكاب كُل ماهو مُخالف للحقِ و العدل و الطريق المُستقيم.
• الإهانة لغةً: إهَانَةٌ[هـ و ن] (مصدر: أهَانَ)، وَجَّهَ إلَيْهِ إهَانَةً أمَامَ الْمَلإِ : شَتِيمَة فِيهَا احْتِقَارٌ وإذْلاَلٌ.
• العلانية لغةً: من (الإعلان) وهو إِعلاَن: (اسم) مصدر أعلنَ، أعلنَ عن، ومعناهُ إظهارُ الشيء بالنشر عنه في الصُّحفِ ونحوِها.

٢. التعريف الاصطلاحي:
تعددت التعريفات التي أوردها الفقه الجنائي لجريمة الإهانة العلانية للسلطات العامة، ويُمكن أن نُعرفها بأنها ( كل قول أو فعل أو إشارة ينطوي على إحتقار احدى السلطات العامة او العاملين فيها و تكون مدعاة للمساس بالشرفِ و الإعتبار).

post

ثانيا: أركان جريمة الإهانة العلانية للسلطات العامة:
١. الركن المادي : يتكون الركن المادي كل قول أو فعل أو إشارة يتم نشرها بإحدى طرق العلانية كالنشر في الصحف او القنوات او وسائل التواصل الاجتماعي، تتضمن الاساءة الى اعتبار احدى سلطات الدولة او العاملين فيها.

٢. الركن المعنوي: تعتبر جريمة إهانة السلطات العامة علانيةً من الجرائم العمدية التي يلزم ان يتوافر لدى مرتكبها القصد الجرمي والذي يتمثل بعلمه بماديات الجريم و أرادة متجهة الى إحداث أثرها وهو المساس بشرف و اعتبار المجنى عليه.

٣. الركن الشرعي: يتمثل بالنص الجنائي الذي يُعاقب على الاهانة العلانية للسلطات العامة، وقد نصت المادة (٢٢٦) “سيئة الصيت و التطبيق” على تجريم كل ما يعتبر مساسا بشرف و اعتبار السلطات العامة.

ثالثا: مناقشة و تحليل:
• إن الحكم الصادر بحق القاضي المُتقاعد(رحيم العكيلي) قد جانب الصواب و غالى في الظُلمِ، إذ أنه تقدم سنة٢٠١٥ بإخبار الى القضاء لغرض تحريك شكوى ضد (نوري المالكي) رئيس الوزراء الأسبق ، متهما إياه بالتسبب في سقوط الموصل ومجزرة سبايكر ومجازر في الزركة والحويجة والفلوجة والرمادي، إلا أنه تم غلق الشكوى.
• لدى طرح اسم العكيلي مجددا من قبل (عادل عبد المهدي) سنة٢٠١٩ ليترأس هيئة النزاهة والمقبولية الكبيرة لهذا الرجل، بادرَ المالكي الى تحريك شكوى ضده عن اهانته للحكومة العراقي مُتعكزا بالدعوى التي أُغلقت في ٢٠١٥، وقد حصل على مآربهِ منها مؤخرا، على يد من استخلفهُ الله للفصل بين الناس بالعدل.

رابعا: نقد الحكم القضائي:
• إن القضاء العراقي له مكانته وسُموه الذي نعترف به، إلا إن النقد لا مناص منهُ، حينَ يتضمن الحكم القضائي ميلاً عن الحق و حيدةً عن الصواب، وهنا نرى بأن الحكم قد انطوى على ما يجرُه الى الدركِ الأسفلِ من البُطلان، وقد أصابه العَوارُ في عدم انطباق الوصف القانوني للفعل مع حقيقته، اذ أن ورقة الإتهام التي تسلمها (وكيل الدفاع عن العكيلي) لم تتضمن أي اشارة الى النشر في وسائل التواصل او القنوات الفضائية، كل ذلك ينفي عن الفعل صفة العلانية، هذا لو افترضنا جدلا وقوع الأهانة من لدن السيد العكيلي.

خامسا: التوصيات:
•في ضوء ما تقدم نرى بأن المادة (٢٢٦) عقوبات باتت تُشكل تُهمة جاهزة لدعاة الأصلاح و مريدي التغيير، ولا أدل على ذلك من حالتي (العكيلي) وقبله (الصميدعي)، ونوصي هنا بتعديلها لئلا يُساء تطبيقها، و يتخذها البعض ثغرة للنيل من الشُرفاء.

الحقوقي
نهاد منصور الناموس
ماجستير قانون خاص

زر الذهاب إلى الأعلى