سيَّد الوقت ———

 

 

( بقلم:• مفتاح الشاعري)

 

أبداً .. لم يتعلم شيئاً من دروس الفلسفة ، حتى عندما قال المدرس له ذات يوم ” إن الحديث يؤدِّي ـ غالباً ـ إلى اللاشىء .. والصراخ إلى الهمس .. والصخب إلى الصمت ..

post

” لكنه كان دائم الحلم .. حلم أن يذوب في الوقت .. الزمن .. اللحظات حتى التلاشي .. لهذا عشق الساعة حتى الهيام ..!

 

على الجدار أمامه حيث يجلس كانت الساعة الضخمة تناكده بإيقاعها الرتيب , استلسم لكرسيِّه الهزاز .. كان صوت الساعة مواكباً لأزيز الكرسيّ الخافت .. اللحظات تتولى .. يستشري خدرٌ لذيذٌ في بدنه .. يداعب النعاس أجفانه .. يلفه السكون .. يمسح بيده الحانية على جسده .. يذهب به إلى هناك ..

 

حيث القرص المتحرك .. كان يقف .. فوقه تماماً .. الكوة تنبعث من خلاله حزمة الضوء الخافت .. يتسلق إلى أعلى .. الأذرع الضخمة على امتداد الساحة أمامه .. يرمي بصره إلى حيث حدود المكان .. الأرقام تتخذ شكل الأعمدة .. شرط الدقائق على هيأة سلسلة متصلة ..

 

تملكته الدهشة .. ينتابه الشعور بأنه في مكانه الصحيح حيث يحلم دائماً .. للحظات شعر بلذة أن يكون سيداً للوقت . تساءل : أين سيفرُّ فيما لو تسارعت هذه الأذرع الضخمة وحاصرته ..!؟

 

من حوله كانت السيول الضبابية المتدفقة نحو جدار الأرقام تتسلق درجات الثواني .. ترتطم بالجدار ثم .. تختفي .. حيث يقف سرعان ما عادت عاصفة الأوراق إلى حيث كانت .. رماداً ..!

 

وسط المشاهد كانت الفوضى تعمُّ المكان .. الشعور بالهلع ينتابه .. وبرودة قاسية تغمره .. تحته كان صخب التروس .. الأذرع الضخمة تتسارع .. تقترب .. تتحول إلى شفراتٍ حادَّةٍ تحاصره ..

 

يحاول الفرار .. يغمض عينيه هرباً .. يشعر بالخدر يلفه من جديد .. بالحركة تدبُّ حيث هو .. يفتح عينيه .. الساعة المعلقة على الحائط تعلن انتصاف الوقت ..

 

والكرسيُّ الهزاز لازال يصدر أزيزه المعتاد .. يتنفس الصعداء .. لكنه هذه المرة .. لم يودّ أن يكون سيداً للوقت … ؟!

زر الذهاب إلى الأعلى