فيلم استمع …الاختيار الصعب لأي صانع أفلام

كريم سمير

يحكي الفيلم عن أسره برتغاليه فقيره هاجرت الي بريطانيا سعيا وراء ظروف حياتيه أفضل.. الزوجان بيلا (لوسيا مونيزا) وجوتا (روبين جارسيا ) وأطفالهم الثلاثه.
تبدأ المأساة عندما قاما الزوجان بالتواصل مع الخدمات الاجتماعية للحصول على المساعده وبالطبع لم يتوقعا أن يتم اعتبارهم الخطر الرئيسي علي أطفالهم الثلاثه. فقد هاجرت الاسره منذ فترة الي المملكه المتحدة حيث تم تسجيل الابنه الوسطى الصماء لو (مايسي سلاي) في مدرسه كي يتم تعليمها بلغه الإشارة..وعندما تلاحظ المعلمه كدمات علي جسد الطفله لا يستطيع الوالدين تفسير سبب حدوثها يتم فجأة انتزاع الأطفال بالقوه من منزل الاسره ويتم وضعهم تحت الرعاية ومن ثم ادارجهم ضمن برنامج التبني القسري. لتبدأ قصة كفاح مؤلمه للزوجين ضد القوانين الجامدة واستماتتهم من أجل استعاده أطفالهم.
عنوان الفيلم..أستمع.. يتجاوز كونه مثاليا من الناحية الفنية حيث غياب الاستماع أدى الي الفاجعه الدراميه فلم تستمع المعلمه للأم ولم يستمع مسؤل الرعاية الاجتماعية للاسره وبالطبع لم يجتهد أحد ليستمع للطفله الصماء (لو) لكن العنوان يتجاوز كل ذلك لينقلنا إلي بعد فلسفي آخر حول الفرق بين أن تسمع وأن تستمع ودور الإستماع الجوهري في فهم الآخر وتقدير الموقف وإدراك العالم في الحقيقه هذا البعد الادراكي يتفق مع ما يطرحه(ريتشارد دوكنز ) أستاذ البيولوجيا التطوريه حول تطور الإنسان العاقل الراهن في ظل سيطره الصوره والميل إلى التنميط واستسهال السمع بديلا عن الإستماع وسط ضوضاء قد تذهب بالبشريه الي افق مرعبه تنتهي بانقراض النوع البشري.
كان ملفتا براعه المخرجه آ نا روشا دي سوسا سلاسه تعاملها مع السرد السينمائي لاسيما تقلب زاويه الرؤيه الموفق فنيا لأقصى درجة فرغم أن مركز القصه مكرس بشكل فعال على الأم(تيلا) إلا أن زاويه الرؤيه تتبدل برشاقه وفقا للاثر الدارمي المنشود فالام عندما تتسوق في المتجر ومع عدم توافر المال لديها فإنها تضع بعض السلع الإضافية التي لم تدفع ثمنها في حقيبتها و تأخذ المخرجه وجهه نظر الابنه التي لعبت دورها الممثله الصماء( مايسي سلاي ) التي لعبت دور البطوله في الفيلم القصير الحائز على جائزة الأوسكار(الطفل الصامت ) للتخفيف من الواقع الاجتماعي القاسي واضفاء لمسه شاعريه علي قبح الواقع لكن هذه اللامسه لاتستمر كثيرا مع تصاعد الأحداث فقد أضاف بحرفيه شديده مدير التصوير (هاتي بيتلاند ) الي ديكوباج (آ نا ) عبر خلق عالم مستقل بذاته داخل منزل العائله المزدحم الذي يضم الكثير من ورق الحائط الملون والأثاث القديم ومن خلال اللقطات الكبيره واسلوب التصوير الضيق المغلق نري عالم تلك الأسره الدافئ رغم المعاناة وصراع البقاء المحموم في مقابل عالم آخر تمثله السلطه المهووسه بالقواعد. عالم نتعرف عليه فقط بعيون تلك الأسره الباءسه.
ولعل المشهد الأكثر رعبا هو مشهد اقتحام مسؤولي الرعايه الاجتماعية لهذا العالم وانتزاع الأطفال الثلاثه بالقوة بعيدا عن الأسره وفي هذا المشهد لم يكن صوت بكاء الطفل وغياب الموسيقي تماما أقل براعه في إحداث التأثير المطلوب تماشيا مع الواقعيه الأسلوبية الطاغيه علي العمل ككل ورغم ما يثيره هذا المشهد من رعب وألم إلا أن المشهد الذي يسمح فيه للزوجين بعد عده ايام بزياره أطفالهم في مركز الرعاية يعد من وجهه نظري ذروة التصاعد العاطفي حيث يطلب من الوالدين التواصل مع اطفالهم باللغه الانجليزيه فقط وليس البرتغاليه أو بلغه الإشارة وهو ما كان مؤلما للأم والابنه الصماء التي لم تستطع أن تتحدث الي أي شخص باستثناء شقيقها منذ أن تم وضعها في الرعاية الاجتماعية حيث يجد جوتا وبيلا نفسيهما محاصرين في ظل نظام قاسي بلا داع أو رحمه معد لتنفيذ التبني القسري للاطفال ومع كون الوالدين من جنوب اوروبا فالأمر هنا يطفي علي القصه بعدا جديدا لاسيما مع خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي.
في الحقيقه لا يتسع المجال هنا علي الفيس بوك للكثير مما اردت ان اطرحه عن هذا الفيلم بعد العوده من الجونه والاطمئنان الي عدم اصابتي بالكرونا إلا أنه لابد من الإشارة الي براعه المونتاج المتقلب بقياده(توماس بالتازار) الجرىء في التعامل مع الزمن علي الشاشه واعتماده التشبع باللقطه مع المحافظه علي التدفق والتواتر…
عوده الي عنوان المقال أستمع..الاختيار الصعب لأي صانع أفلام .. انا هنا لا أقصد الصعوبه الفنيه لهذا النوع من الافلام شديده الإنسانية لكن أقصد صعوبة إختيار وتبني هذه النوعية من القصص ذات الزاوية الإخبارية التي قد لا تحظي بالتقدير والنجاح دائما لوجود الآراء المقابلة والمختلفه عبر الإنترنت وغيرها من وسائل لكن هذه المره نجحت المخرجه ابنه القاضي أن تطرح قصه قد لا يدركها الناس علي الاطلاق الأمر الذي يحدث صدمه لدي المتلقي تؤدي الي التساؤل والبحث علي اقل تقدير وهو بحق لأمر عظيم
154350533 10159494402228826 9031810878655010710 n.jpg? nc cat=108&ccb=3& nc sid=b9115d& nc ohc=2yMl84rlg8UAX mM9vi& nc ht=scontent.fcai3 1
155273458 10159494402558826 6727369900310408751 n.jpg? nc cat=104&ccb=3& nc sid=b9115d& nc ohc=KwCLE7RwxucAX8Y7XRr& nc ht=scontent.fcai3 1

زر الذهاب إلى الأعلى