خبير امنى: جيل «Z» ..بين الاتصال والانفصال

اشرف فوزى

جيل ابنتى المولودة فى عام ٢٠٠٦. يضم ما يُعرف بالجيل «Z» أطفالًا ومراهقين ويافعين يطرقون باب الشباب ممن وُلدوا خلال الفترة من ١٩٩٧ حتى عام ٢٠٢١، أى أن أكبرهم يبلغ ٢٣ عامًا.. ويبدأ رحلته مع التوظيف. يبلغ تعداد أبناء هذا الجيل نحو ٢.٥مليار نسمة، أى نحو ثُلث سكان المعمورة!

السمة الواضحة الجامعة بين أبناء هذا الجيل هى أنهم بالكاد يعرفون العالم من دون إنترنت. لقد وُلدوا ونشأوا فى عالمٍ من الهواتف الذكية وتكنولوجيا الاتصال المستمرة. هم «متصلون» طوال الوقت، ولا يتصورون العالم من دون هذا النوع من «الاتصال» و«التواصل». هم أيضًا «منفصلون» على نحو ما. منفصلون عن مجتمعاتهم المحلية، وأكثر تشبيكًا بالعولمة ومظاهرها وقيمها. التجانس بين أبناء هذا الجيل على مستوى العالم أكثر وضوحًا مما كان عليه الحال فى الأجيال السابقة. ثمة لغة مشتركة تجمع أبناءه على اتساع العالم. على الجانب الآخر، فإن التنافر والانقطاع بين أبنائه والأجيال السابقة أشد بروزًا وقوة.

أضاف اللواء أشرف فوزى لماذا يُسمى هذا الجيل الجيل «Z»؟ قرأتُ عن تصنيف الأجيال وعرفت من علم الاجتماع أن هناك تصنيف الأجيال كالتالى: الجيل الأعظم (المولود قبل عام ١٩٢٨)، وهو الجيل الذى أنقذ العالم فى الحرب العالمية الثانية. ثم «الجيل الصامت» (المولود ما بين ١٩٢٨ و١٩٤٥). ثم جيل «طفرة المواليد» (المولود ما بين ١٩٤٦ و١٩٦٨)، الذى شهدت طفولته الرخاء الاقتصادى فى الخمسينيات والستينيات. ثم الجيل «x» (المولود ما بين ١٩٦٨ و١٩٨٠)، وهو الجيل الذى شهد التحول الكبير فى منظومات القيم، ويُطلق عليه جيل التليفزيون أو الفيديو، وهو جيل صبور مُحِبّ للعمل!.. ثم يأتى الجيل «y»، وهو جيل الألفية الذى وُلد بعد عام ١٩٨٠، وبداية تشكُّل الفضاء الرقمى والتوسع فى استخدام الإنترنت، وهو يُعانى أكثر من الأجيال السابقة. وأخيرًا الجيل «z» (المولود منذ منتصف التسعينيات).. ويقول الخبير الامنى إنه «أكثر مرونة من الجيل السابق، كما أنه يتسم بالقلق والاكتئاب، رغم أنه أقل ميلًا إلى استهلاك المخدرات والكحوليات من الجيل السابق عليه».

اوضح اللواء اشرف فوزى الاهتمام بأمر هذا الجيل، اندماجًا وانتماءً، تعليمًا ومهارات، جسديًا ونفسيًا، هو انخراط ضرورى فى صناعة مستقبلنا، بل أكاد أقول حاضرنا. الفئة الأكبر عددًا من سُكان مصر هى فئة الأطفال أقل من تسع سنوات، ويبلغ عددهم نحو ٢٤% من السكان. الفئة التالية هى فئة المراهقين (من ١٠ إلى ١٩ عامًا)، وعددهم نحو ١٩ مليونًا، أى ما يقترب من خُمس سكان مصر. معنى ذلك أن نحو نصف سكان مصر تقريبًا دون العشرين عامًا!

post

 

وأردف قائلا الخبير الامنى كيف يُفكر هؤلاء المراهقون اليافعون من أبناء الجيل «Z»؟ ما الذى يربطهم بمجتمعهم؟ ما القيم الأساسية التى تُشكل منظومة تفكيرهم ووجدانهم؟ من أين يستمدون تلك القيم؟.. تلك أسئلة جوهرية وحاسمة لأن هذا الجيل على وشك الولوج إلى سوق العمل. بعد سنوات قليلة سيضطلع بمسؤوليات عن ذاته وعن المجتمع. سيحمل عبء التنمية فى مختلف أوجه النشاط فى بلدنا المُثقل بالمشكلات.

 

شدد الخبير الأمنى المصرى ،ما يُزعج بشدة فى شأن هذا الجيل هو ضعف حالة الاندماج الوطنى بين أبنائه. مَرَدّ ذلك، فى الأساس هو تعدد النظم التعليمية. إنها مشكلة مزمنة حذر منها آباء النهضة الأوائل فى مصر عندما نبهوا إلى خطورة الانقسام بين التعليم الدينى والمدنى. والحال أن أجهزة الإعلام المختلفة كانت قد نجحت، إلى حدٍ بعيد، فى تحقيق قدر معقول من التجانس بين أبناء الجيل «x» الذى أنتمى إليه. لقد نشأ السواد الأعظم من أبناء جيلنا، على سبيل المثال، على مسلسلات أسامة أنور عكاشة. عزّز ذلك من الرموز المشتركة، والهموم المتقاربة. نُسجت كذلك خيوطٌ، وإن كانت واهية، مع الأجيال السابقة. ومن ثَمَّ توفر قدرٌ لا بأس به من الهوية الوطنية الجامعة. على أن هذه الخيوط الواهية ما لبثت أن تقطعت مع بزوغ جيل الألفية.. وهى تقريبًا لا وجود لها مع الجيل «Z».

إنها قضيةٌ سياسية/ اجتماعية من الطراز الأول. مَن يتذكر حالة ٢٠١١ يُدرك على الفور أن شوارع مصر كانت ملأى باليافعين من جيل الألفية. هؤلاء حرّكهم آخرون، ولكنهم فى النهاية كانوا «الرافعة» التى حركت الحدث. الهوة الجيلية، وغياب اللغة المشتركة والرموز الجامعة، مؤشرٌ رئيسى للاضطراب السياسى والاجتماعى.

من هنا تبدو أهمية بناء نموذج معرفى يتوافق مع عملية بناء الإنسان المصرى، وأن يرتكز على معرفه مسبقة تحدد ماهية هذا الإنسان وسبل بنائه وعلاقته بعالمه ودولته ومجتمعه، وطبيعة العقد الاجتماعى الرابط، وأن يبنى هذا النموذج بشكل تكاملى بحيث تتبلور فيه المرجعيات وتتحدد فيه الخصوصية، وتصاغ فيه القيم الحاكمة والأنماط الأخلاقية، وأن يدفع نحو الإبداع والمعرفة والتواكب مع التقدم العلمى فى نفس الوقت الذى يضمن المحافظة على الهوية الذاتية، ويحد من الشعور بالاغتراب ويفعل أطر المسئولية والدور المجتمعى.

 

شبابية المجتمع المصرى وما توفره من فرص إيجابية وحيوية تلقى أيضًا بالكثير من التحديات حول القدرة على توظيف طاقة وإمكانيات هذا الجيل، لاسيما فى ظل تباين الإمكانيات والفرص المتاحة أمامه، والتى تتطلب مراعاة أن الغالبية من هذا الجيل يعيش فى الريف (نحو ٥٦.٤%) وبعضهم يعانى ما فرضته ثقافة العشوائيات بعد أن تحول الريف إلى طارد للسكان، وبعضهم معبر عن تعمق ظاهرة “أولاد الشوارع” إلى “أطفال الشوارع” وبعضهم يعانى من ظاهرة الإرهاب والتطرف، وبعضهم يعانى من تفاوت طبقى واجتماعى كبير، وهو ما يتطلب رسم خريطة معرفية بالجيل z وعلاقته بالجيل y السابق له، وما تلاه من جيل، عبر دراسات ميدانية واستطلاعات رأى تساهم فى بلورة رؤية مؤسسية وصياغة سياسات عامة تتمتع بالمرونة والموازنة بين الإمكانيات والموارد والمتطلبات الفعلية لتحقيق التوازن التنموى بين محافظات الجمهورية.

إن وعى جيل «z» يتشكل فى الأساس فى «العالم الافتراضى». أبناؤه يتفقدون حساباتهم مائة مرة فى اليوم، و٦٠% منهم لا يستطيعون الابتعاد عن الشاشة أكثر من أربع ساعات! هذا «الوعى الافتراضى»- مع هو بالضرورة وعى مُشرذَم ومُشوَّش.. وخطير.

زر الذهاب إلى الأعلى