سعيد جويد يكتب: ” وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ” 

 

• ” وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” أية قرآنية عظيمة أساء الكثيرون فهمها أوبالأحرى تسرعوا في تفسير معناها، مثلها مثل أيات قرآنية كثيرة أخرى يتشدق بها البعض، من غير المتخصصين في الفقه والعلوم الشرعية، من آن لآخر لتبرير ما يرتكبوه من أخطاء، قد ترقى لمستوى الجرائم المروّعة في بعض الأحيان، مما أدى إلى ظهور مشكلات اجتماعية خطيرة مثل مشكلة الأخذ بالثأر، وذلك على الصعيد المحلي والدولي.

تحديات فهم الخطاب الديني وتأويله

• يتطلب فهم الخطاب القرآني وتأويله يتطلب نوعا من التأمل والتفكّر- بعيدا عن الحماقة والسطحية- والإحاطة بالسياق الاجتماعي والمناسبة الذي نزلت هذه الأيات من أجلها، فضلا عن استقراء الحقائق من خلال البحث المستنير ودراسة الأيات الأخرى والأحاديث النبوية الشريفة التي تتناول موضوعات متشابهة دراسة عميقة متأنية، مما يساعد العلماء والفقهاء والحكماء على الاهتداء بمصباح الحكمة وتفسير القرآن بالقرآن وبالسنة المطهرة والصبر والمثابرة والاجتهاد في رحلة استكشاف أسرار الكون، والبحث الدائم عن الحقيقة التي ستظل ثابتة لا تتغيرمهما اختلف الباحث ومنهج البحث وأدواته.

حكم القصاص في الشريعة الإسلامية

post

الجزاء من جنس العمل

• فرض الإسلام القصاص حتى تستقيم الأمور، ولا يتفشى الفساد وارتكاب الجرائم بشتى أنواعها وما ينتج عن ذلك من عواقب وخيمة، ومن ثم فلا يوجد أي تعارض بين أحكام الدين الإسلامي ومبدأ الثواب والعقاب والمقصود بالقصاص في الشرع، أن يُعاقب المجرم- وحده دون غيره- بمثل فعله، فيُقتل كما قتل ويُجرح كما جرح، فمن عين الحكمة المساواة بين الجريمة والعقوبة، كما جاء في قوله تعالي: “وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”.

النهي عن القصاص العشوائي

• هناك عدة نقاط هامة لابد من وضعها في عين الاعتبار سعيا للحفاظ على سلامة الفرد والمجتمع وتحقيق الأمن القومي للبلاد والعباد من أهمها تجريم وتحريم القصاص العشوائي من أشخاص أبرياء لا علاقة لهم بجريمة ارتكبها غيرهم من أقاربهم أو أي شخص ينتمي لنفس العائلة، فكل إنسان مسئول عما ارتكبه من جرائم، ومن ثم ينبغي أن تقع عليه العقوبة وحده، لا يتحملها عنه أحد،”، كما جاء في قوله تعالى: “وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ” ، فلا يجوز أن يتعدى القصاص من الجاني إلى غيره، فلا يقتص من حامل- على سبيل المثال- حتى تضع حملها، وترضعه إن لم تجد مرضعً.

من يتولى مسؤولية إقامة القصاص وتنفيذه؟

• لا يحق لأحد إقامة القصاص وتنفيذه إلا الحاكم أو من ينوب عنه، فلا يحل لولى القتيل أن يقتل القاتل حتى لا تنتشر الفوضى، وقد ورد في القرطبي اتفاق أَئِمَّة الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَصّ مِنْ أَحَد حَقّه دُون السُّلْطَان، السلطة المتمثلة حاليا في أجهزة الدولة ومؤسسة القضاء ودار الإفتاء.

الحلول الأمنية وحدها لا تكفي

• الحلول الأمنية، على أهميتها القصوى، لن تكفي وحدها للتعامل مع هذا الملف الساخن، فلابد من تضافر الجهود والتفكير والبحث عن حلول ناجعة من أجل التصدي لتجاهل البعض لأحكام الشريعة الإسلامية أو الجهل عبر وسائل وقنوات مختلفة مثل المدارس ومناهج التعليم، وحملات التوعية عن طريق الإعلام الرسمي للدولة والمنصات الإعلامية الحديثة، ودور العبادة خاصة في الخطب الأسبوعية كل يوم الجمعة، سعيا لتصحيح المفاهيم والموروثات الثقافية الخاطئة ، فضلا عن ضرورة عدم إسناد أمر الفتاوي الدينية لغير المتخصصين وأشباه العلماء الذين يقومون بترديد أيات القرآن ليل نهار دون فهمها فهما صائبا فيحمّلون أنفسهم مسؤولية جسيمة، وذلك حسبما جاء في كتاب الله العظيم في الأية القرآنية التي وردت في سورة “الإسراء” “وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا” فلا يحق للإنسان الحديث وإبداء الرأي فيما لا يعلم حتى لا يحمّل نفسه وزرا فمن من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله فليتبوّأ مقعده من النار.

التصدي لخطاب القتنة والكراهية ضرورة قصوى

• لا يختلف إثنان علي تمتع أهالينا الأعزاء في صعيد مصر بالأصالة والفطرة النقية ، وبما هو معروف عنهم من صفات نبيلة مثل القوة والشجاعة والشهامة والكرم، مما يجعل أزمة جرائم الثأر التي يشهدها الجنوب من حين لآخر أمرا مؤسفا محزنا للجميع، خاصة ونحن في أشد الحاجة في وقتنا الراهن للتآخي والتعاون على البر والتقوى والتّوحد على قلب رجل واحد سعيا لمحاربة الجهل والفقر والمرض بدلا مما نراه من خطاب الفتنة والكراهية- على الصعيد المحلي والدولي- وتمسك البعض منّا تمسكا غير مبرر بموروثات ثقافية خاطئة،وعادات وتقاليد بالية لا تمت إلى الشرائع السماوية السامية بأي صلة، ومن ثم أدى التسرع في تأويل أحكام الدين والشريعة وعدم فهمها فهما صحيحا إلى سقوط عشرات الضحايا الأبرياء من القتلى والجرحى فبأي ذنب قُتلوا

زر الذهاب إلى الأعلى