المستشار محمد شعلان يكتب …  عبد الناصر بين الكاريزما وميزان التاريخ له ما له وعليه ما عليه

 

تمر ذكرى رحيل الزعيم جمال عبد الناصر كل عام مثيرة لمشاعر متباينة فهناك من يراه رمزا للتحرر الوطني والكرامة العربية وهناك من يحمله مسؤولية هزائم وأخطاء ما زالت تداعياتها حاضرة

لكن القراءة العاقلة للتاريخ تقتضي أن نفصل بين الشخصية والكاريزما من جهة والسياسات والنتائج من جهة أخرى

الكاريزما قوة التأثير

لا شك أن عبد الناصر امتلك حضورا استثنائيا الكاريزما التي تحدث عنها ماكس فيبر كقوة جذب وتأثير لدى القادة السياسيين تجسدت فيه بوضوح خطابه البسيط القريب من الناس وصورته كابن من أبناء الطبقة الوسطى وزعامته لحركة التحرر العربي

post

هذه الجاذبية ساعدته على حشد الجماهير وتعبئة الإرادة الوطنية في لحظات فاصلة لكنها أيضا جعلت القرارات تتخذ أحيانا بدافع الحماس الشعبي لا بحسابات دقيقة

 

إنجازات لا يمكن إنكارها

FB IMG 1759181473663

من الإنصاف أن يذكر أن الحقبة الناصرية شهدت

تأميم قناة السويس وبناء السد العالي بما حملا من دلالات سيادية وتنموية

توسعا في التعليم والصحة والبنية التحتية

دورا محوريا في دعم حركات التحرر الوطني في إفريقيا وآسيا وصوتا مستقلا في حركة عدم الانحياز

 

أخطاء وسياسات مثيرة للجدل

لكن هذه الحقبة عرفت كذلك

سياسات التأميم والقطاع العام التي أضعفت روح المبادرة الفردية وأثرت على الاستثمار والاقتصاد

التضييق على الحريات بحل الأحزاب وفرض حالة الطوارئ وما تبع ذلك من قمع للمعارضة واعتقالات

التدخلات الخارجية في اليمن وغيرها التي استنزفت الموارد وأضعفت الجبهة الداخلية

ثم جاءت نكسة 1967 لتكشف ثغرات الإدارة السياسية والعسكرية

له ما له… وعليه ما عليه

إن اختزال تجربة عبد الناصر في صورة بطل مطلق أو متهم أبدي ظلم للتاريخ فالرجل تحرك في زمن صعب وخاض معارك داخلية وخارجية بأدوات عصره فنجح في ميادين وأخفق في أخرى

يبقى أن نقرأ التجربة بعين الباحث لا بعين المناصر أو الخصم وأن نتعلم أن الكاريزما لا تكفي وحدها لبناء الدولة وأن حسن النوايا لا يغني عن حسن الإدارة والمؤسسية

التاريخ مرآة الشعوب وحقبة عبد الناصر صفحة كبرى فيه لن يمحى اسمه من الذاكرة الوطنية لكن إنصافه يكون بوضعه في ميزان التاريخ له ما له وعليه ما عليه حتى نتجنب تكرار أخطاء الماضي ونستلهم ما فيه من دروس قوة ووحدة وإرادة

 

زر الذهاب إلى الأعلى